الدرس 1201 _كتاب الخمس 81
قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: وأمَّا المعادن (المطلقة)، فالأشهر أنَّ النَّاس فيها شَرَعٌ، وجعلها المفيد وسلاَّر من الأنفال
اِختلف الأعلام في المعادن، هل هي من الأنفال أم لا؟
فعن الكُلينيّ والشَّيخ المفيد والشَّيخ الطُّوسيّ والدَّيلميّ والقاضي (رحمهم اﷲ)، وعليُّ بن إبراهيم (رحمه اﷲ) في تفسيره، وبعض متأخِّري المتأخِّرين: منهم صاحب كشف الغطاء والمحقق الهمدانيّ (رحمهما اﷲ): أنَّها من الأنفال.
وعن كثير من الأعلام، بل هو الأشهر: أنَّ النَّاس فيها شرعٌ سواء، فهي باقية على إباحتها الأصليّة، سواء أكانت في أرض الإمام (عليه السلام) أم في غيرها.
وعليه، فيملك مستخرج المعدن بعد أداء الخُمُس أربعة أخماس منها بحُكم الشَّارع المقدَّس، وتحليل من اﷲ تعالى، لا بصدور الإذن من الإمام (عليه السلام)، وهو خيرة المصنِّف (رحمه اﷲ) هنا، وفي البيان.
ومنهم من فصَّل بين ما يكون من المعادن في الأرض الَّتي
للإمام (عليه السلام)، فهي من الأنفال تبعاً للأرض، وبين ما يكون في غيرها، فلا تكون من الأنفال، كما عن الحِلّيّ (رحمه اﷲ) في السَرائر، وكما عن المُعتبر، والمنتهى والتَّحرير، والرَّوضة، وغيرها.
أمَّا القول الأوَّل: بأنَّها من الأنفال مطلقاً، من غير فرق بين ما كان منها في أرضه (عليه السلام)، أو غيرها، وبين الظَّاهرة، والباطنة، فقدِ استُدلّ له بجملة من الرِّوايات:
منها: موثَّقة إسحاق بن عمَّار (قَاْل: سألتُ أبا عبد اﷲ (عليه السلام) عَنِ الأنفال، فقال: هي القُرى الَّتي قد خربت وانجلى أهلها فهي ﷲ وللرَّسول، وما كان للمُلُوك فهو للإِمام، وما كان من الأرض الخربة (أرض الجزية) لم يُوجف عليه بخَيلٍ ولا ركابٍ، وكلُّ أرضٍ لا ربّ لها، والمعادن منها، ومَنْ مات وليس له مولى فماله مِنَ الأنفال)([1]).
ومنها: رواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) (قَاْل: لنا الأنفال، قلتُ: وما الأنفال؟ قَاْل: منها المعادن، والآجام، وكلُّ أرضٍ لا ربّ لها، وكلُّ أرضٍ باد أهلها فهو لنا)([2])، وهي ضعيفة بالإرسال.
ومنها: رواية داود بن فرقد عن أبي عبد اﷲ (عليه السلام) في حديث قال: (قلت: وما الأنفال؟ قال: بطون الأودية، ورؤوس الجبال،
والآجام، والمعادن، وكلّ أرض لم يُوجف عليها بخَيل ولا ركاب، وكلُّ أرض ميّتة قد جلا أهلها، وقطائع الملوك)([3])، وهي ضعيفة بالإرسال أيضاً.
وأمَّا القول الثَّاني: بأنَّ النَّاس فيها شرعٌ سواء، فقدِ استُدلّ له: بالأصل، أي كونها من المباحات الأصليّة، واستقرار السِّيرة على تملّكها بالحيازة، ودلالة أخبار خُمُس المعادن على صيرورتها ملْكاً لِمَنْ يحوزها، وهو يُنافي كونها ملْكاً للإمام (عليه السلام)؛ إذ لا معنى لوجوب الخُمُس على الغير في ما هو ملك للإمام (عليه السلام).
أضف إلى ذلك كلِّه: أنَّ دليل القول الأوَّل ضعيفٌ؛ لضعف الرِّوايتَيْن الأخيرتَيْن بالإرسال، وإجمال الموثَّقة؛ لاحتمال عود الضَّمير في قوله (عليه السلام): (منها) إلى الأرض الَّتي لا ربّ لها.
هذا مع ما في بعض النّسخ من إبدال (منها) بـــــ (فيها)، فعلى هذا تكون أظهر في عود الضَّمير إلى الأرض الَّتي لا ربّ لها، فهي تصلح دليلاً للقول الثَّالث القائل بالتَّفصيل.
والإنصاف: أنَّ القول الأوَّل القائل بأنَّها من الأنفال مطلقاً هو الأصحّ؛ للموثَّقة المتقدِّمة.
وأمَّا احتمال عود الضَّمير في قوله (عليه السلام): (منها) إلى الأرض الَّتي
لا ربّ لها، فهو احتمال بعيدٌ لا يُعتنى به، بل الظَّاهر عرفاً عوده إلى الأنفال، أي والمعادن من الأنفال.
وأمَّا ما عن بعض النّسخ من إبدال (منها) بـــــ (فيها)، فهو غير ثابتٍ.
وأمَّا الاستدلال للقول الثَّاني بالأصل: فهو مقطوع بالموثَّقة المتقدِّمة.
وأمَّا استقرار السِّيرة على تملّكها بالحيازة، وكذا ما تقتضيه الأخبار الواردة في خُمُس المعادن، فلا يمنع من الالتزام بكونها من الأنفال؛ إذ يُستكشف بالسِّيرة جواز هذا النَّحو من الانتفاع في الأرضين الموات، ونحوها، كما يُستكشف بالسِّيرة جواز سائر الانتفاعات، والأخذ من سائر أجزائها وتوابعها من الحجر والشَّجر والتّراب وغير ذلك، وصيرورتها ملكاً لآخذها بالحيازة، ما يكشف عن رضا وليّ الأمر (عليه السلام) بذلك، واﷲ العالم.
* * *
قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: وكذا البحار
قدِ اعترف كثير من الأعلام بأنَّه لا دليل على كون البحار من الأنفال، وما ذُكر له من الاستدلال ببعض الرِّوايات في غير محلِّه، واﷲ العالم بحقائق أحكامه.
وبهذا تمَّ كتاب الخُمُس من الدُّروس، وذلك قبل الظُّهر من يوم الأحد، في الثاني عشر من شعبان، من سنة 1444 هجرية، الموافق لليوم الخامس من شهر آذار من سنة 2023 للميلاد، وذلك في الضَّاحية الجنوبيّة لمدينة بيروت.
وأسأل اﷲ سبحانه وتعالى أنْ يوفِّقني لشرح بقيّة أبواب الكتاب إنَّه سميع مجيب، وآخر دعوانا أنِ الحمد ﷲ ربّ العالمين.
وأنا الأقلّ حسن بن عليّ الرُّميتيّ العامليّ عامله اﷲ بلطفه الخفيّ والجليّ وغفر له ولوالديه.
([1]) الوسائل باب 1 من أبواب الأنفال ح20.
([2]) الوسائل باب 1 من أبواب الأنفال ح28.
([3]) الوسائل باب 1 من أبواب الأنفال ح32.
([4]) الوسائل باب 1 من أبواب المستحقّين للزَّكاة ح7.