الدرس299 _الاذان والاقامة 1
(1) الأَذان لغةً: الإعلام، ومثله الإيذان، ومنه قوله تعالى: « فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ ]البقرة: 279[، أي: اعلموا.
وفِعْله: أذن تأذن، وشرعاً: أذكار مخصوصة، شرعتْ أمام الفرائض اليوميَّة، وللإعلام بدخول الوقت.
والإِقامة: مصدر أقام بالمكان، و(التاء) عِوض من عين الفعل، لأنَّ أصله إقوام مصدر أقام الشيء، بمعنى أدامه، ومنه يقيمون الصَّلاة، وشرعاً الأقوال المخصوصة عند القِيام إلى الصَّلاة.
وهما وحي من الله تعالى بالضَّرورة من مذهبنا، لا ما تزعمه العامّة حتّى أنّهم أجمعوا عليه من نسبته إلى رؤيا عبد الله بن زيد في منامه «قال: لَمَّا أمر رسول الله C بالناقوس لِيجتمع به النَّاس طافَ بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً في يده، فقلتُ: أتبيع الناقوس؟ فقال: وما تصنع به؟ قلت: ندعو به النَّاس إلى الصَّلاة، فقال: أَلَا أدلُّك على ما هو خَيْر من ذلك؟ قلت: بلى، قال: تقول: الله أكبر... إلى آخر الأَذان، قال: ثمَّ استأخر غير بعيد، ثمَّ قال: تقول إذا قمت إلى الصَّلاة: الله أكبر... إلى آخر الإِقامة، فلمَّا أصبحتُ أتيتُ رسولَ الله C فأخبرتُه بما رأيتُ، فقال: إنَّها رؤيا حقٍّ إن شاء الله تعالى، فقم مع بلال فألقِ عليه ما رأيت فَلْيُؤذِّن به، فإنَّه أندى صوتاً منك، فقمت مع بلال، فجعلت ألقي عليه، ويؤذِّن به، فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج يجرُّ رداءه، فقال: يا رسول الله C! والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي رأى، فقال رسول الله C: فلِلّه الحمد»[i]f222، ولا يخفى عليك ضعف هذه الرِّواية.
وقال ابن أبي عقيل R: «إنَّ الشَّيعة أجمعتْ على أنَّ الصَّادق N: أنّه لَعَن قوماً زعموا أنَّ النبي C أَخَذ الأَذان من عبد الله بن زيد، فقال: ينزل الوحي على نبيكم فتزعمون أنَّه أَخَذ الأَذان من عبد الله بن زيد»[ii]f223.
وهذه الرواية رواها الشهيد في الذكرى عن ابن أبي عقيل عن الصادق N، وهي ضعيفة بالإرسال.
وممَّا يدلُّ على أنّ الأَذان والإِقامة، كسائر العبادات موحاة على لِسان جبرائيل N حسنة زرارة، أو الفُضَيل عن أبي جعفر N «قال: لمَّا أُسْري برسول الله C إلى السَّماء فَبَلغ البيت المعمور، وحضرتِ الصَّلاة، فأَذَّن جبرائيل N، وأقام فتقدَّم رسول الله C وصفَّ الملائكة والنبيِّون خَلْف محمَّد C»[iii]f224.
وكذا حسنة منصور بن حازم بطريق الكُلَيْني والشَّيخ رحمهما الله، وصحيحته بطريق الصَّدوق R عن أبي عبد الله N «قال: لَمَّا هبط جبرائيل N بالأَذان على رسول الله C كان رأسه في حِجْر عليٍّ N فأَذَّن جبرائيل، وأقام فلمَّا انتبه رسول الله C، قال: يا علي! سمعت؟ قال: نعم، قال: حفظت؟ قال: نعم، قال: اُدعُ (لي) بلالاً فعلِّمه، فدعا عليّ N بلالاً، فعلمه»[iv]f225.
ثمَّ اعلم أنَّ الرِّوايات متواترة على أنَّ الأصل في مشروعيَّة الأَذان للصَّلاة والإعلام.
وعليه، فهو مشروع للصَّلاة، مع قطع النّظر عن الإعلام بدخول الوقت، كما أنَّه مشروع للإعلام بدخول الوقت، مع قطع النَّظر عن الصَّلاة.
فما يظهر من حواشي المصنِّف R من أنَّه إنَّما هو مشروع للصَّلاة خاصَّة، والإعلام تابع، وليس بلازم، لا يخفى ما فيه، قال R: «هو عند العامَّة من سُنَنِ الصَّلاة، والإعلام بدخول الوقت، وعندنا هو من سُنَنِ الصَّلاة، ومقدِّماتها المستحبَّة، والإعلام تابع وليس بلازم، وتظهر الفائدة في القضاء، وفي أَذَان المرأة، فعلى قولهم: لا يؤذن القاضي، ولا المرأة، لأنَّه للإعلام، وعلى قولنا يؤذنان، وتسرّ المرأة به...».
وفيه: ما قد عرفته من كون كلّ منهما شرع بالأصالة.
وممَّا يدلّ على أنّه شُرِّع بالأصالة للإعلام الرِّوايات الكثيرة المتواترة الواردة في فضله وثوابه، مما يُبْهِر العقول:
منها: صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله N «قال: قال رسول الله C: من أَذَّنَ في مِصْرٍ من أمصارِ المسلمين سَنة وجبتْ له الجنَّة»[v]f226.
ومنها: رواية زكريا صاحب السابري، عن أبي عبد الله N «قال: ثلاثة في الجنَّة على المسك الأذفر: مؤذِّن أَذَّن احتساباً، وإمام أمَّ قوماً وهم به راضون، ومملوك يطيع الله ويطيع مواليه»[vi]f227، وهي ضعيفة بجهالة زكريا صاحب السابري.
ومنها: رواية سَعْد الإسكاف «قال: سمعتُ أبا جعفر N يقول: مَنْ أَذَّن سبع سنين احتساباً جاءَ يوم القِيامة ولا ذنبَ له»[vii]f228، وهي بطريق الشَّيخ ضعيفة بعدم وثاقة كلٍّ من بكرِ بن سالم، وسعد الإسكاف، كما أنَّها ضعيفة في الفقيه بالإرسال.
وفي ثواب الأعمال للشَّيخ الصَّدوق R ضعيفة بمحمَّد بن عليّ الكوفي، وعدم وثاقة كلٍّ من مُصْعبِ بن سلام، وسعد بن طريف.
ومنها: رواية سعد بن طريف عن أبي جعفر N «قال: مَنْ أَذَّن عشر سنين محتسباً يغفر الله له مدّ بصره وصوته في السَّماء، ويصدِّقه كلّ رطب ويابس سمعه، وله مِنْ كلِّ مَنْ يصلِّي معه في مسجده سهم، وله مِنْ كلِّ من يصلِّي بصوته حسنة»[viii]f229، وهي ضعيفة بمحمِّد بن عليّ الكوفي، وبعدم وثاقة كلٍّ من مصعب بن سلام وسعد بن طريف.
كما أنَّها ضعيفة في الفقيه، وثواب الأعمال والخصال، وكذا غيرها من الرِّوايات الكثيرة جدّاً.
وممَّا يدلّ أيضاً على أنَّه مشرَّع بالأصالة للصَّلاة عدَّة رواياتٍ مستفيضة أو متواترة:
منها: موثَّقة عمَّار عن الصَّادق N حيث ورد في ذَيْلها «لأنَّه لا صلاة إلاَّ بأذان وإقامة»[ix]f230.
ومنها: صحيحة محمَّد بن مسلم «قال: قال لي أبو عبد الله N: إنَّك إذا أنت أذَّنت وأقمت صلَّى خلفك صفَّان من الملائكة، وإن أقمت إقامةً بغير أذان صلَّى خلفك صفّ واحد»[x]f231، ومثلها حسنة الحلبي[xi]f232.
ومنها: مرسلة الفقيه «قال: ورُوي أنَّ مَنْ صلَّى بأذان وإقامة صلَّى خلفه صفَّان من الملائكة، ومَنْ صلَّى بإقامة بغير أذان صلَّى خلفه صفّ واحد، وحدّ الصفِّ ما بين المشرق والمغرب»[xii]f233، ولكنَّها ضعيف بالإرسال، وكذا غيرها من الرِّوايات الكثيرة.
[i] تيسير الوصول: ج2 / ص209. باختلاف في بعض الألفاظ.
[ii] الوسائل باب 1 من أبواب الأَذان والإِقامة ح3.
[iii] الوسائل باب 1 من أبواب الأَذان والإِقامة ح1.
[iv] الوسائل باب 1 من أبواب الأَذان والإِقامة ح2.
[v] الوسائل باب 2 من أبواب الأَذان والإِقامة ح1.
[vi] الوسائل باب 2 من أبواب الأَذان والإِقامة ح2.
[vii] الوسائل باب 2 من أبواب الأَذان والإِقامة ح3.
[viii] الوسائل باب 2 من أبواب الأَذان والإِقامة ح5.
[ix] الوسائل باب 35 من أبواب الأَذان والإِقامة ح2.
[x] الوسائل باب 4 من أبواب الأَذان والإِقامة ح2.
[xi] الوسائل باب 4 من أبواب الأَذان والإِقامة ح3.
[xii] الوسائل باب 4 من أبواب الأَذان والإِقامة ح6.