الدرس 174_في المناهي وهي على أقسام ثلاثة (6).ثانيها: ما نهي عنه لعارض
الدرس 174 / الثلاثاء: 27-نيسان-2021
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وثانيها: ما نُهِي عنه لعارض، فلا يفسد بيعه، كالنَّهي عَنِ البيع على بيع آخر. وفُسِّر بالزِّيادة على المشتري بعد تقدير (تقرر) الثَّمن وإرادة العقد، ويأمر (بأمر) البائع بالفسخ في زمن الخيار ليشتري منه بأزيد، وأمر المشتري به ليبيعه بأنقص أو خيراً منه. وقال بتحريم الأمرين الشَّيخ، وابن إدريس. وتوقّف الفاضل. (انتهى كلامه)
(1) هذا هو القسم الثَّاني مِنَ النَّواهي، وهو ما لم يكن النَّهي عنه لعينه، بل كان لعارض، وقد ذكر المصنِّف (رحمه الله) جملةً مِنَ الموارد لهذا القسم، نذكرها تباعاً:
منها: المرسل عَنِ النَّبيِّ (صلّى الله عليه وآله) «لا يَبِيْعَنَّ أَحَدَكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيْهِ»[1]f227.
قال الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط: «إذا باع إنسان من غيره شيئاً، وهما في المجلس، ولكلِّ واحد منهما الخيار في الفسخ، فجاء آخر يعرض على المشتري سِلْعته مثل سِلْعته بأقلَّ منها، أو خيراً منها؛ ليفسخ ما اشتراه أو يشتري منه سِلْعته، فهذا محرَّم، غير أنَّه متَّى فسخ الذي اشتراه انفسخ، وإذا اشترى الثَّاني كان صحيحاً، وإنَّما قلنا: إنَّه محرَّم لقوله (صلّى الله عليه وآله): «لا يبيعنَّ أحدكم على بيع أخيه»، وكذلك الشِّراء بعد البيع محرَّم، وهو أن يعرض على البائع أكثر مِنَ الثَّمن الذي باعه به، فإنَّه حرام؛ لأنَّ أحداً لا يفرِّق بين المسألتَيْن»، ومثله عبارة ابن إدريس (رحمه الله)، وغيرهما من الأعلام.
ولكنَّ الحديث ضعيف بالإرسال، بل هو من روايات العامَّة، ولم يرد من طرقنا، وإنَّما ذكره الأعلام نقلاً من كتب العامَّة.
ومهما يكن، فإنَّه لا يفسد البيع، كما أنَّ الحرمة غير ثابتة.
وقد فسَّر المصنِّف (رحمه الله) هذا الحديث أيضاً بالزِّيادة على المشتري بعد تقرُّر الثَّمن وإرادة العقد، ولكنَّ هذا التَّفسير قريب مِنَ الدُّخول في السَّوم على سَوْم أخيه، إن لم يكن نفسه.
فالأصحُّ: تفسيره بما ذكره المصنِّف (رحمه الله)، بقوله: «وبأمر البائع بالفسخ»، إلى آخر عبارته المذكورة في المتن، وكذا فسَّره الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط، وابن إدريس (رحمه الله)، والأعلام من بعدهم.
والذي يهوِّن الخطب: أنَّ الرِّواية ضعيفة.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وقطع الفاضلان بكراهة الدُّخول في السَوم. (انتهى كلامه)
(1) المشهور بين الأعلام كراهة دخول المؤمن في سَوْم أخيه، وذهب الشَّيخ (رحمه الله)، وجماعة من الأعلام إلى الحرمة.
والمراد بدخول الرَّجل في سَوْم أخيه: هو أن يزيد في الثَّمن الذي يريد أن يشتريه الأوَّل، ليقدِّمه البائع لأجل الزِّيادة؛ هذا بالنسبة إلى الدُّخول في السَّوم في صورة الشِّراء.
وأمَّا بالنسبة إلى الدُّخول في السَّوم في صورة البيع، فهو أن ينزل الدَّاخل للمشتري متاعاً من عنده غير ما اتَّفق عليه البائع الأوَّل مَعَ المشتري.
وقال ابن إدريس (رحمه الله) «فأمَّا الزِّيادة المنهيُّ عنها هي عند الانتهاء، أي الانتهاء من النداء وسكون نفس كلِّ واحد مِنَ البيِّعين على البيع، بعد استقرار الثَّمن، والأخذ، والشُّروع في الإيجاب والقبول وقطع المزايدة، فعند هذه الحال، لا يجوز السوم على سوم أخيه، لأن السوم في البيع، هو الزيادة في الثمن، بعد قطعه، والرضا به، بعد حال المزايدة. وانتهائها، وقبل الايجاب والقبول»
وفي المسالك: «وإنَّما يحرم أو يكره بعد تراضيهما أو قربه، فلو ظهر منه ما يدلُّ على عدم الرِّضا وطلب الزيادة، أو جُهِل حالُه، لم يحرم، ولم يُكرَه اتِّفاقاً...».
أقول: لا إشكال في صِدْق السَّوم على مجرد إرادة الشِّراء والتَّشاغل في قطع الثَّمن، فحَصْرُه بما إذا كان بعد تراضيهما يحتاج إلى دليل.
ومهما يكن، فقدِ استُدلَّ لكراهة الدُّخول في سَوْم أخيه أو حرمته بروايتَيْن:
الأولى: بالمرسلة عَنِ النَّبيِّ (صلّى الله عليه وآله): «لا يَسُومُ الرَّجلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيْه»[2]f228، ولكنَّها نبويَّة ضعيفة بالإرسال، وبغيره، بل أصلها مِنَ العامَّة.
وقد ذكرها الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط، والظَّاهر أنَّه نقلها من كتب العامَّة، حيث لم تُذْكر في مصادرنا.
الثَّانية: ما في حديث المناهي «ونهى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنْ يَدْخُلَ الرَّجلُ في سَوْمِ أَخِيْه المُسْلِمِ...»[3]f229، وقد عرفت سابقاً أنَّ حديث المناهي ضعيف جدّاً.
والخلاصة: أنَّه لم تثبت الحرمة.
وأمَّا القول: بالكراهة، فقد يقال: بأنَّها ثابتة؛ للتَّسالم على المرجوحيَّة، وإلاَّ فهي مبنيَّة على القول: بالتَّسامح في أدلَّة السُّنَنْ والمكروهات، والله العالم والهادي إلى الصَّواب.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ومنه: البيع بعد نداء الجمعة. (انتهى كلامه)
(1) من جملة النَّواهي للعارض: النَّهي عَنِ البيع بعد نداء الجمعة، قال في المدارك: «أجمع العلماء كافّةً على تحريم البيع بعد النِّداء للجمعة، قاله في التَّذكرة، والقرآن الكريم ناطق بذلك، قال الله تعالى: « ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾ ]الجمعة: 9[ أوجب تركه فيكون فِعْله حراماً...».
وفي الحدائق: «الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في تحريم البيع بعد النداء للصلاة يوم الجمعة بل نقل الإجماع عليه في المنتهى والتذكرة».
وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به في المحكي عن جامع المقاصد...».
أقول: هناك تسالم بين جميع الأعلام قديماً وحديثاً على حرمة البيع بعد الأذان، أو بعد الزَّوال على المخاطب بالجمعة، بحيث خرجت المسألة عَنِ الإجماع المصطلح عليه.
وأمَّا ما ذكره صاحب المدارك (رحمه الله): «من أنَّ الله سبحانه وتعالى أوجب تركه، فيكون فعله حراماً»، ففي غير محله، وإلاَّ للزم تعدُّد العقاب لترتُّب عقاب على عدم ترك البيع، والآخر على فِعْله، وهذا ما لا يمكن الالتزام به.
والإنصاف: أنَّه ليس هناك إلاَّ حكم واحد، وهو تابع للملاك، فإذا كان الملاك هو المفسدة في الفِعْل، فيكون الفِعْل حراماً، وإنْ جيء به بعنوان الأمر بالتَّرك، كما فيما نحن فيه، فتكون هناك مفسدة في فِعْل البيع وقت النِّداء للجمعة، ولا توجد مصلحة ملزمة في ترك البيع حتَّى يكون التَّرك واجباً.