الدرس 136_التكسّب الحرام وأقسامه (131). سادسها: ما يجب على المكلّف فعله
الدرس 136 / الثلاثاء: 02-شباط-2021
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: أمَّا ثمن الكفن، والماء، والكافور، فليس بحرام. (انتهى كلامه)
(1) هذا هو المعروف بين الأعلام؛ لأنَّه لو فرضنا حرمة أَخْذ الأُجْرة على الواجب إلاَّ أنَّ ذلك فيما هو عمليٌّ محض، لا يجب فيه بَذْل المال مِنَ الماء والكفن، ونحوهما.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولوِ استُؤجِر على ما زاد على الواجب من هذه جاز، كالغسلات المندوبة، والزِّيادة في الكفن، وتعميق القبر، والحَمْل إلى المشاهد الشَّريفة. فلو بذل له أُجْرة تزيد عليه لم تحرم إذا كان هو المقصود. (انتهى كلامه)
(2) اِعلم أنَّه لا إشكال في جواز أَخْذ الأُجْرة على المكروه والمباح، وأمَّا المستحبُّ فالمعروف بين الأعلام جواز أَخْذ الأُجْرة عليه، مثل زيادة الحَفْر على ما يستر ريحه عنِ الشَّياع، ويحفظ جثَّته عَنِ السِّباع بمقدار التَّرْقوة، ونقله إلى المشاهد المشرفة، وتثليث الغسلات في التَّغسيل، ووضوء الميت على تقدير القول باستحبابه، وتكفينه بالقطع المندوبة، ونحو ذلك.
وأمَّا الشَّيخ الأنصاري (رحمه الله) فقد فصَّل في المستحبِّ، بأن كان النَّفع منه متوقِّفاً على نيَّة القربة لم يجز أَخْذ الأُجْرة عليه، كما إذا استأجر مَنْ يعيد صلاته ندباً ليقتدي به؛ لأنَّ المفروض بعد الإجارة عدم تحقُّق الإخلاص، والمفروض مع عدم تحقُّق الإخلاص عدم حصول نَفْع منه عائد إلى المُسْتأجر، وما يخرج بالإجارة عن قابلية انتفاع المُسْتأجر به، لم يجز الاستئجار عليه.
وأمَّا إذا كان حصول النَّفع غير متوقِّف على الإخلاص جاز الاستئجار عليه، كبناء المساجد، فإنَّ مَنْ بنى لغيره مسجداً عاد إلى الغير نفع بناء المسجد، وهو ثوابه، وإن لم يقصد البنَّاء من عمله إلاَّ أَخْذ الأُجْرة.
هذا، وقد نقل الشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في المسالك عن بعض الأصحاب قولاً بالمنع «محتجّاً بإطلاق النَّهي»، قال في الحدائق: «وأنت خبير بأنَّا لم نقف على نهي في هذا الباب، ولا ذَكَره أحد مِنَ الأصحاب، بل ذَكَر المحقِّق الأردبيلي في شرح الإرشاد أيضاً أنَّه لم يقف عليه...».
أقول: لعلَّ من ذهب إلى المنع أراد أنَّ كلَّ ما جيء به من هذه المستحبَّات هي مِنَ الأفراد الواجبة، وإن كانت هي الأفضل من غيرها، فالاستئجار عليها استئجار على الواجب أيضاً، وليس الاستئجار على ما زاد على الواجب بعد الفراغ منه.
ويرد عليه: أنَّ البحث أعمُّ من ذلك ومِنْ إيجاده دفعةً واحدةً فيما يمكن فيه ذلك، كالحَفْر.
أقول: الذي يهون الخطب في المقام أنَّ الأجرة لا تحرم على الواجب، فهي من باب أَوْلى لا تحرم على المستحبِّ، فلسنا بحاجة لتفصيل الشَّيخ الأنصاري (رحمه الله) وغيره مِنَ الأعلام.
نعم، يبقى الكلام فيما يتعلَّق بالنِّيابة في العبادات، باعتبار أنَّ القاعدة تقتضي أن يأتي كلُّ مكلَّف بعبادته مباشرةً، فنيابة الشَّخص عن غيره في امتثال عبادته، كالحجِّ والصَّلاة والصَّوم والزِّيارة، ونحوها تحتاج إلى دليل.
فنقول: قد حُكِي الإجماع عَنِ المحقِّق الكركي على عدم جواز النِّيابة في الصَّلاة والصَّوم إلاَّ عن الميِّت.
ولكنَّ عن كثير من الأعلام جواز النِّيابة في الجملة في العبادات الواجبة والمستحبَّة.
ولعلَّ مَنْ ذهب إلى عدم إمكان النِّيابة استدلَّ على ذلك: بأنَّ تقرُّب النَّائب يُوجِب حصول القُرْب لنفسه لا للمنوب عنه؛ إذِ القُرْب المعنويّ كالقرب الحسيِّ.
وعليه، فالتَّقرُّب المعتبر في العمل العبادي لا يقبل النِّيابي.
هذا، وقد ذُكِرت عدَّة محاولات لكيفيَّة النِّيابة عنِ الغير في العبادات، ونحن نقتصر منها على محاولتَيْن هما العمدة في المقام:
الأولى: ما عن الشَّيخ الأنصاري (رحمه الله) في المكاسب، حيث قال في جملة كلام له: «والتَّقرُّب الذي يقصده النَّائب بعد جَعْل نفسه نائباً هو تقرُّب المنوب عنه، لا تقرب النَّائب، فيجوز أن ينوب لأجل مجرد استحقاق الأجرة عن فلان، بأن ينزِّل نفسه منزلته في إتيان الفعل قربة إلى الله، ثمَّ إذا عَرَض هذه النِّيابةَ الوجوبُ بسبب الإجارة فالأجير غير متقرِّب في نيابته؛ لأنَّ الفَرْض عدمَ علمِه أحياناً بكون النِّيابة راجحةً شرعاً يحصل بها التَّقرُّب، لكنَّه متقرِّب بعد جَعْل نفسِه نائباً عن غيره، فهو متقرِّب بوصف كونه بدلاً ونائباً عن الغير، فالتَّقرُّب يحصل للغير إلى أن قال: فالصَّلاة الموجودة في الخارج على جهة النِّيابة فِعْلٌ للنَّائب من حيث إنَّها نيابة عنِ الغير، وبهذا الاعتبار ينقسم في حقِّه إلى المباح والرَّاجح والمرجوح، وفِعْلٌ للمنوب عنه بعد نيابة النَّائب يعني تنزيل نفسه منزلة المنوب عنه في هذه الأفعال وبهذا الاعتبار تترتَّب عليه الآثار الدُّنيويَّة والأُخرويَّة لفِعْل المنوب عنه الذي لم يشترط فيه المباشرة، والإجارة تتعلَّق به بالاعتبار الأوَّل، والتَّقرُّب بالاعتبار الثَّاني، فالموجود في ضمن الصَّلاة الخارجيَّة فِعْلان: نيابةٌ صادرة عنِ الأجير النَّائب، فيقال: ناب عن فلان، وفِعْلٌ كأنَّه صادر عنِ المنوب عنه، فيمكن أن يقال على سبيل المجاز: صلَّى فلان...».
ويرد عليه: أنَّ أَخْذ الأُجْرة إن كان لأجل تنزيل نفسه منزلة المنوب عنه فقط، فهذا معناه أنَّ الأجرة إنَّما هي للنِّيابة التي هي فِعْل قلبيٌّ وجوانحيٌّ، وإنْ لم يأتِ بالعمل خارجاً، وهذا غير ممكن.
وإن كانت الأُجْرة لأجل الإتيان بالعمل خارجاً، فيعود الإشكال حينئذٍ، وهو كيف يجوز أَخْذ الأُجْرة على الأمر العبادي؟