الدرس 187 _زكاة الفِطرة 20
وأمَّا في اللَّبن، فقد ذهب جماعة من الأعلام إلى كفاية أربعة أرطال، منهم الشَّيخ (رحمه الله) في جملة من كتبه، وابن إدريس، وابن حمزة (رحمهما الله)، والمحقِّق (رحمه الله) في الشَّرائع والنَّافع، والعلاَّمة (رحمه الله) في جملة من كتبه.
وقد يستدلّ لهم بروايتَيْن:
الأُولى: مرفوعة إبراهيم بن هاشم عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَاْل: سُئِل عن رجلٍ في البادية لا يمكنه الفِطْرة، قال: يتصدَّق بأربعة أرطالٍ مِنْ لَبَن»([1])، وهي ضعيفة بالرَّفع.
الثَّانية: مرسلة القاسم بن الحسن عمَّنْ حدَّثه عن أبي عبد الله (عليه السلام)([2])، وهي مثل المرفوعة، ولا يبعد اتحادهما.
وعلى كلِّ حالٍ فهي ضعيفة بالإرسال، وغيره.
وعليه، فلا يمكن العمل بهما.
أضف إلى ذلك: أنَّ الدَّلالة ضعيفة؛ لاختصاصهما بمَنْ لا يتمكَّن من الفِطْرة من جميع الأجناس حتَّى اللَّبن، بل حتَّى القيمة.
وعليه، فيكون التّصدُّق بأربعة أرطال من باب الصَّدقة المستحبَّة، فتخرجان عمَّا نحن فيه.
ومع قطع النَّظر عمَّا ذكرناه، فهما معارِضتان لما دلّ بالخصوص على وجوب الصَّاع في خصوص الأَقِط، كما في صحيحة معاوية بن عمَّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: يُعطِي أصحاب الإِبل والغنم والبقر في الفطرة من الأَقِط صاعاً»([3])، بناءً على أولوية اللبن منه؛ لأنَّ الأقط يخرج من جوهره ؛ إذ الأقط عبارة عن اللبن الَّذي يجمد حتَّى يستحجر فيطبخ به.
وهما معارضتان أيضاً بالعموم الآبي عن التَّخصيص، كما في رواية جعفر بن معروف «قال: كتبت إلى أبي بكر الرازي في زكاة الفطرة، وسألناه أن يكتب في ذلك إلى مولانا يعني: علي بن محمد (عليه السلام) فكتب: أنَّ ذلك قد خرج لعلِّيّ بن مَهْزيار أنَّه يخرج من كلِّ شيءٍ التَّمر والبُرّ وغيره صاعٌ، وليس عندنا بعد جوابه عليّاً (علينا) في ذلك اختلاف»([4]).
فقوله: «وليس عندنا بعد جوابه...»، آبٍ عن التَّخصيص، أي لا يصحُّ لك أن تقول: في كلِّ شيءٍ صاع إلاَّ اللَّبن فإنَّ فيه أربعة أرطال.
ولكنَّ الَّذي يهوِّن الخطب: أنَّ هذه الرِّواية ضعيفة بعدم وثاقة كل من جعفر بن محمد بن مسعود، وجعفر بن معروف أبي الفضل.
ثمَّ إنَّ بعضهم كالشَّيخ وابن حمزة وابن إدريس (رحمهما الله) فسَّر الرَّطل بالمدنيّ؛ وذلك لصحيحة محمَّد بن الرّيَّان «قَاْل: كتبتُ إلى الرَّجل أسأله عن الفِطْرة وزكاتِها، كَمْ تُؤدَّى؟ فكتب: أربعة أرطالٍ بالمدنيّ»([5]).
وفيها: أنَّها لم تتعرَّض للَّبن، فتكون معارضةً للرِّوايات المتواترة الدَّالّة على أنَّ المقدار هو صاع، وحَمْلها على خصوص اللَّبن يحتاج إلى قرينة، وهي مفقودة.
واحتمل الشَّيخ (رحمه الله) أنَّ هناك تصحيفاً من الرَّاوي، وأصله أربعة أمداد فصُحِّفَت بالأرطال.
وفيه: أنَّ فتح هذا الباب في الرِّوايات بلا شاهد في غير محلِّه أصلاً.
بقي شيء في المقام، وهو أنَّه يظهر من الشَّيخ (رحمه الله) في مصباحه أنَّ مقدار الصَّاع في اللَّبن يختلف عن مقداره في غيره، قال فيه: «ويجب عليه عن كلِّ رأسٍ صاعٌ من تمر أو زبيب أو حنطة أو شعير أو أرزّ أو أَقِط أو لبن، والصَّاع تسعة أرطال بالعراقيّ من جميع ذلك، إلاَّ اللَّبن فإنَّه أربعة أرطال بالمدنيّ أو ستَّة بالعراقيّ».
وفيه: أنَّه غريب جدّاً؛ إذ مفهوم الصَّاع واحد لا يختلف مقداره بين اللَبن وغيره.
وعلى كلِّ حال، فما ذكره ليس تامّاً.
والخلاصة إلى هنا: أنَّ الإنصاف هو مساواة اللَّبن لغيره في مقدار الفِطْرة، وهو صاع، والله العالم بحقائق أحكامه.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وزنه ألف درهم ومائة وسبعون درهماً شرعيّة(1)
(1) تقدَّم ذلك مفصَّلاً في زكاة الغلاَّت، فراجع.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: من القوت الغالب. وأكثر الأصحاب حصروه في السَّبعة: التَّمر، والزَّبيب، والحنطة، والشَّعير، والأرز، والأَقِط، واللَّبن. والأقرب: أنَّه للفضيلة(2)
(2) اِختلف الأعلام فيما يجب إخراجه في الفِطْرة، فحُكي عن الصَّدوقَيْن وابن أبي عقيل (رحمهم الله) الاقتصار على الحِنطة والشَّعير والتَّمر والزَّبيب.
وظاهر كلامهم وجوب الاقتصار على هذه الأربعة.
وقال الشَّيخ (رحمه الله) في الخلاف: «يجوز إخراج صاع من الأجناس السَّبعة: التَّمر أو الزَّبيب أو الحِنطة أو الشَّعير أو الأرز أو الأَقِط أو اللَّبن؛ إلى أن قال: دليلنا إجماع الفرقة، وأيضاً الأجناس التي اعتبرناها لا خلاف أنّها تجزي، وما عداها ليس على جوازه دليل»، وقال الشَّيخ المفيد (رحمه الله) في المقنعة: «باب ماهية زكاة الفِطْرة، وهي فضلة أقوات أهل الأمصار على اختلاف أقواتهم في النَّوع، من التَّمر والزَّبيب والحِنطة والشعير والأرزّ والأَقِط واللَّبن، فيخرج أهل كلِّ مصر فطرتهم من قوتهم»، وقال المحقق (رحمه الله) في المعتبر: «والضَّابط: إخراج ما كان قوتاً غالباً، كالحِنطة والشَّعير والتَّمر والزَّبيب والأرزّ والأَقِط واللَّبن، وهو مذهب علمائنا»، ونحوه عبارة العلاَّمة (رحمه الله) في المنتهى.
وذكر المصنِّف (رحمه الله): أنَّه يجزي القوت الغالب.
نعم، الأفضل الاقتصار على هذه السَّبعة المذكورة في المتن، وهو ما ذهب إليه المتأخِّرون.
وقال صاحب المدارك: «والمعتمد وجوب إخراج الحنطة والشَّعير والتَّمر والزَّبيب والأَقِط خاصَّة».
([1]) الوسائل باب 7 من أبواب زكاة الفطرة ح3.
([2]) الوسائل باب 7 من أبواب زكاة الفطرة ذيل ح3.
([3]) الوسائل باب 6 من أبواب زكاة الفطرة ح2.
([4]) الوسائل باب 6 من أبواب زكاة الفطرة ح4.
([5]) الوسائل باب 7 من أبواب زكاة الفطرة ح5.