الدرس 126 _اوصاف المستحقين للزكاة 1
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: يُشترط فيهم إلاَّ المؤلَّفة الإيمان، فلا تُعطى المخالف وإن كان مستضعفاً(1)
(1) المراد بالإيمان هنا معناه الخاصّ، وهو الإسلام مع الولاية للأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام).
قال صاحب المدارك (رحمه الله): «واعتبار هذا الوصف مجمعٌ عليه بين الأصحاب، حكاه في المنتهى»، وفي الجواهر تعليقاً على قول المحقِّق: فلا يُعطى الكافر : «بلا خلاف معتدٍّ به بين المسلمين فضلاً عن المؤمنين، بل الإجماع بقسمَيْه عليه، بل المحكيّ منه متواتر، بل يمكن دعوى كونه من ضروريّات المذهب أو الدِّين...».
أقول: هذه المسألة أي عدم إعطاء الكافر من الواضحات عند المسلمين فضلاً عن المؤمنين، بحيث لم يُخالف أحد من المتقدِّمين والمتأخِّرين، وهي إن لم تكن من ضروريَّات المذهب، فلا أقلَّ أنَّها من المسلَّمات، فلا حاجة للإطالة.
ويترتَّب على هذا الشَّرط أيضاً: أنَّها لا تُعطى لغير المؤمن من سائر فِرق المسلمين، وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسمَيْه عليه، بل المحكيّ منه متواتر كالنُّصوص، خصوصاً في المخالفين...».
أقول: النُّصوص الواردة في المقام فوق حدّ التَّواتر. ولا يخفى عليك: أنَّه ليس المراد هنا التَّواتر الاصطلاحيّ، بحيث يكون في كلِّ طبقةٍ من الرُّواة عددٌ يمتنع تواطؤهم على الكذب، بل المراد ما يفيد القطع بالصُّدور.
ومهما يكن، فإنَّه لا يمكن ذِكْر جميع الرِّوايات الواردة في المقام، بل نقتصر على بعضها:
منها: صحيحة بريد بن معاوية العجليّ عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث «قال: كلُّ عملٍ عمله وهو في حال نصبِه وضلالتِه، ثمَّ مَنَّ الله عليه وعرَّفه الولاية فإنَّه يُؤجر عليه، إلاَّ الزَّكاة فإنَّه يُعيدها؛ لأنَّه يضعها في غير مواضعها، لأنَّها لأهل الولاية، وأمَّا الصَّلاة والحجّ والصِّيام فليس عليه قضاء»([1]).
ومنها: حسنة الفضلاء بطريق الكُلينيّ، وصحيحتهم بطريق الصَّدوق في العِلل، عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) «أنَّهما قالا في الرَّجل يكون في بعض هذه الأهواء الحَروريَّة والمُرجئة والعثمانيَّة والقدريَّة، ثمَّ يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه، أيعيد كلَّ صلاةٍ صلاَّها أو صومٍ أو زكاةٍ أو حجٍّ، أو ليس عليه إعادة شيءٍ من ذلك؟ قال: ليس عليه إعادة شيءٍ من ذلك غير الزَّكاة، لا بدّ أن يُؤدِّيها؛ لأنَّه وضع الزَّكاة في غير موضعها، وإنَّما موضعها أهل الولاية»([2]).
ومنها: صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري عن الرضا (عليه السلام) «قال: سألته عنِ الزَّكاة هل تُوضع فيمَنْ لا يعرف؟ قال: لا، ولا زكاة الفطرة»([3]).
ومنها: مكاتبة علي بن بلال «قال: كتبتُ إليه أسأله: هل يجوز أن أدفع زكاة المال والصَّدقة الى محتاج غير أصحابي؟ فكتب: لا تُعطِ الصَّدقة والزَّكاة إلاَّ لأصحابك»([4])، ولكنَّها ضعيفة؛ لجهالة المكتوب إليه، ولا دليل أنَّه المعصوم (عليه السلام).
ومنها: مضمرة عمر بن يزيد «قال: سألته عنِ الصَّدقة على النُصَّاب وعلى الزَّيديّة، فقال: لا تصدّق عليهم بشيءٍ، ولا تسقهم مِنَ الماء إنِ استطعت، وقال: الزَّيديّة هم النُّصّاب»([5])، وهي ضعيفة بالإضمار.
ومنها: موثقة عبد الله بن أبي يعفور «قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلتُ فداك، ما تقول في الزَّكاة، لِمَنْ هي؟ قال: فقال: هي لأصحابك، قال: قلتُ: فإن فضل عنهم؟ فقال: فأعد عليهم، قال: قلتُ: فإن فضل عنهم؟ قال: فأعد عليهم، قال: قلتُ: فإن فضل عنهم؟ قال: فأعد عليهم، قال: قلتُ: فإن فضل عنهم؟ قال: فأعد عليهم، قلتُ: فنعطي السُّؤَّال منها شيئاً؟ قال: فقال: لا والله! إلاَّ التراب، إلاَّ أن ترحمه، فإن رحمته فأعطه كسرةً، ثمَّ أومأ بيده فوضع إبهامه على أُصول أصابعه»([6]).
ومنها: رواية إبراهيم الأوسيّ عن الرِّضا (عليه السلام) «قال: سمعتُ أبي يقول: كنتُ عند أبي يوماً، فأتاه رجل، فقال: إنِّي رجل من أهل الرَّي ولي زكاة، فإلى مَن أدفعها؟ فقال: إلينا، فقال: أليس الصَّدقة محرَّمة عليكم؟ فقال: بلى، إذا دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعتها إلينا، فقال: إنِّي لا أعرف لها أحداً؟ قال: فانتظر بها سنة، فقال: فإن لم أصب لها أحداً؟ قال: انتظر بها سنتين، حتى بلغ أربع سنين، ثمّ قال له: إن لم تُصب لها أحداً فصرّها صرراً واطرحها في البحر، فإنَّ الله (عز وجل) حرَّم أموالنا وأموال شيعتنا على عدوّنا»([7])، وهي ضعيفة بالإرسال، وبمحمَّد بن جمهور، ووجوده في كامل الزِّيارات لا ينفع؛ لأنَّه ليس من مشايخه المباشرين، كما أنَّها ضعيفة بجهالة إبراهيم الأوسي.
قال صاحب الوسائل (رحمه الله) بعد ذكره لهذه الرواية : «لعلَّ هذا من تعليق المُحال على المُحال لما تقدَّم من أنَّه لا تكون فريضةٌ فرضها الله لا يُوجد لها موضع، أو على وجه المبالغة في منع غير المؤمن، ومعلوم أنَّ فرض عدم وجود المؤمن وعدم إمكان الوصول إليه في أربع سنين مُحال عادةً، وعلى تقديره فباب سبيل الله واسع، والرِّقاب والمستضعفون قريب من ذلك، والله أعلم»، وما ذكره جيِّدٌ.
ولكنَّ الَّذي يهوِّن الخطب: أنَّها ضعيفة سنداً.
مضافاً إلى أنَّه لا يمكن العمل بظاهرها؛ إذِ الإلقاء في البحر يكون إتلافاً للمال بلا وجه شرعيّ، وهناك كثير من الرِّوايات لا حاجة لذكرها.
([1]) الوسائل باب 3 من أبواب المستحقين للزكاة ح1.
([2]) الوسائل باب 3 من أبواب المستحقين للزكاة ح2.
([3]) الوسائل باب 5 من أبواب المستحقين للزكاة ح1.
([4]) الوسائل باب 5 من أبواب المستحقين للزكاة ح4.
([5]) الوسائل باب 5 من أبواب المستحقين للزكاة ح5.
([6]) الوسائل باب 5 من أبواب المستحقين للزكاة ح6.
([7]) الوسائل باب 5 من أبواب المستحقين للزكاة ح8.