الدرس 1 _تعريف الزكاة، ووجوبها وجملة من فوائدها 1
كتاب الزكاة: وهي الصَّدقة المقدَّرة بالأصالة ابتداءً، ولغةً التَّطهير، والنَّماء(1)
(1) «الزَّكاة لغةً: تُطْلق على معنيَيْن:
الأوَّل: الطَّهارة، ومنه قوله تعالى: «قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ﴾ [الشّمس: 9]، أي طهَّرها مِنَ الأخلاق الذَّميمة، ومنه قوله تعالى: « أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً ﴾ [الكهف: 74]، أي طاهرة.
الثَّاني: الزِّيادة والنَّمو، ومنه قوله تعالى: « ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ ﴾ [البَقَرَة: 232]، أي أنمى لكم، وأعظم بركةً.
وحَمْلُ «أَزْكَىٰ» في الآية الشَّريفة على الطَّهارة، وإن كان صحيحاً، إلاَّ أنَّ عطف «وَأَطْهَرُ» عليه يكون للتَّأكيد، بخلاف ما لو حملنا «أَزْكَىٰ» في الآية الشَّريفة على النُّمو والزِّيادة، فلا يكون العطف للتَّأكيد، بل للتَّأسيس، ومِنَ المعلوم أن التأسيس أولى مِنَ التَّأكيد.
وعنِ الشَّهيد (رحمه الله) في غاية المراد: «أنَّها قد تطلق على العمل الصاَّلح»، إلاَّ أنَّ الظَّاهر كون ذلك على سبيل المجاز.
وأمَّا الزَّكاة شرعاً بناءً على ثبوت الحقيقة الشَّرعيَّة، أو على نحو المجاز الشَّرعيِّ فقدِ اختلف الأعلام في تعريفها، فعرَّفها المصنِّف (رحمه الله): بأنَّها «هي الصَّدقة المقدَّرة بالأصالة ابتداءً»، وكذا عرَّفها الشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في المسالك.
والمقصود بــــ «الأصالة»: أي بأصل الشَّرع. والمراد بقوله: «ابتداءً»: أي مقابل ما وجب بالعنوان الثَّانوي، كالنَّذر والضَّرورة، وما وجب من باب صلة الرَّحم، ونحو ذلك، فإنَّ دفع المال في هذه الموارد ليس بالأصالة.
وعرَّفها المحقِّق (رحمه الله) في المعتبر بأنها: اسم لحقٍّ يجب في المال، يعتبر في وجوبه النِّصاب»، وعرفها المصنِّف (رحمه الله) في البيان بأنَّها: «قدر معيَّن، يثبت في المال، أو في الذِّمَّة؛ للطَّهارة والنَّماء»، وفي كنز العرفان أنَّها «صدقة متعلَّقة بنصابٍ بالأصالة»، إلى غير ذلك مِنَ التعريفات.
ولكنَّك عرفت في أكثر من مناسبة أنَّ أغلب التَّعريفات ليست مِن التَّعريفات الحقيقيَّة التي يطلب منها بيان ماهية الشَّيء وحقيقته؛ وذلك لتعسُّر معرفة الحقائق، وإنَّما هي تعاريف لفظيَّة، من قبيل: «السَّعْدانة نبت»، حيث إنَّ المقصود منها كشف المعنى في الجملة، وهو حاصل في هذه التَّعريفات.
ومن هنا لا موقع للإشكال عليها بأنَّها غير جامعة وغير مانعة.
هذا، وقد ذكر صاحب الجواهر (رحمه الله) أنَّ: «أولاها ما في الدُّروس والمسالك؛ لِسلامته من أكثر ما قيل أو يقال».
ثمَّ لا يخفى عليك ملاحظة وجه المناسبة بين الزَّكاة والطَّهارة والنُّمو، قال المصنِّف (رحمه الله) في البيان: «هي مصدر زَكَا إذا نَمَا، فإنَّ إخراجها يستجلب بركةً في المال وتنميةً، وللنَّفس فضيلةَ الكرمِ، أو مِنْ زكى، بمعنى طهر، فإنَّها تُطهِّر المال مِنَ الخبث، والنَّفس مِنَ البُخْل»، وفي المسالك: «الزَّكاة لغةً: الطَّهارة والنُّمو، سُمِّيت بذلك الصَّدقة المخصوصة لكونها مطهِّرةً للمال مِنَ الأدران المتعلِّقة به بسبب تعلُّق حقِّ الله تعالى به؛ أو للنُّفوس من أوساخ الأخلاق الرَّذيلة مِنَ البُخْل، وترك مواساة المحتاج وغيرهما؛ ولمَّا كان المطهِّر من شأنه أنْ يُزِيل الأوساخ ويصحبها كالماء للنَّجاسة كانتِ الزَّكاة محرَّمةً على بني هاشم تشريفاً لهم، فلذا قال النَّبي (ص): «إنَّما هذا المال مِنَ الصَّدقة أوساخ النَّاس»؛ وفي رواية: «غسالات أيدي النَّاس»؛ ووجه نسبتها إلى الأيدي في هذا الخبر أنَّ الأموال المعطاة في الأكثر إنَّما يكون بها، وتمرَّر عليها. وأمَّا أخذها من جهة النُّموِّ فلأنَّها تُنمِي الثَّواب وتزيده، وكذلك تزيد في المال، وإنْ ظنَّه الجاهل قد نقص، وقد قال (ص): «إنَّ الصَّدقة تزيد المال»؛ وعنِ الصَّادق (عليه السلام): «إنَّ الصَّدقة تقضي الدَّين وتُخلِف بالبركة».
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: قال الله تعالى: «وَآتُواْ الزَّكَاةَ ﴾. وقال رسول الله (ص): «إنَّ الله فرض عليكم الزَّكاة كما فرض عليكم الصَّلاة، زكُّوا أموالكم تُقبل صلاتكم».
وأخرج خمسة مِنَ المسجد، وقال: «لا تصلُّوا فيه وأنتم لا تزكُّون».
وقال (ص): «ما مِنْ ذي زكاةِ مالٍ نخلٍ أو زرعٍ أو كرمٍ يمنع زكاةَ مالِه إلَّا قلَّده الله تربة (بزنة) أرضه يطوَّق به من سبع أرضين إلى يوم القيامة». وقال (ص): «ملعونٌ ملعونٌ مَنْ لا يزكِّي»(1)
(1) اِعلم أنَّ وجوب الزَّكاة ثابت بالكتاب والسُّنَّة والإجماع:
أمَّا الكتاب المجيد، ففي عدَّة آيات:
منها: قوله تعالى: «وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ﴾ [البَقَرَة: 43]، بلِ المعروف بين الأعلام أنَّ الزَّكاة أُخْت الصَّلاة، حيث قرنهما الله تعالى في كتابه، كما في هذه الآية الشَّريفة، مُشْعِراً بعدم قبول إقامة الصَّلاة ممَّنْ لم يؤدِ الزَّكاة.
ومنها: قوله: « وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِين ﴾.
أمَّا السّنة، فمستفيضة:
منها: صحيحة عبد الله بن سنان «قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): لما نزلتْ (أُنزلت) آيَةُ الزَّكاة « خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ﴾ [التّوبَة: 103] (وأنزلت) فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَأَمَرَ رَسُولُ الله (ص) مُنَادِيَهُ، فَنَادَى فِي النَّاسِ: أَنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ فَرَضَ عَلَيْكُمُ الزَّكاة، كَمَا فَرَضَ عَلَيْكُمُ الصَّلَاةَ، (فَفَرَضَ الله (عز وجل) عَلَيْهمْ مِنَ الذَّهب وَالفضَّة، وَفَرَض الصدقة من الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ ؛ وَمِنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ؛ فنَادَى فِيهِمْ بِذَلِكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَعَفَا لَهُمْ عَمَّا سِوَى ذَلِكَ)، قَالَ: ثُمَّ لَمْ يَتَعَرَّضْ (يفرض) لِشَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ حَتَّى حَالَ عَلَيْهِمُ الْحَوْلُ مِنْ قَابِلٍ، فَصَامُوا وَأَفْطَرُوا، فَأَمَرَ مُنَادِيَهُ فَنَادَى فِي الْمُسْلِمِينَ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، زَكُّوا أَمْوَالَكُمْ تُقْبَلْ صَلَاتُكُمْ، قَالَ: ثُمَّ وَجَّهَ عُمَّالَ الصَّدَقَةِ وَعُمَّالَ الطَّسُوقِ»([1])، والطَّسُق بالفتح : فارسي معرَّب، وهو ما يُوضَع مِنَ الخراج على كلِّ جَرِيب مِنَ الأرض.
ومنها: حسنة الفضلاء محمَّد بن مسلم وأبي بصير وبريد وفضيل كلِّهم عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) «قالا: فَرَضَ الله الزَّكاة مَعَ الصَّلاةِ»([2]).
ومنها: صحيحة معروف بن خربوذ عن أبي جعفر (عليه السلام) «قَالَ: إِنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَرَنَ الزَّكاة بِالصَّلَاةِ، فَقَالَ: «وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ﴾، فَمَنْ أَقَامَ الصَّلَاةَ، وَلَمْ يُؤْتِ الزَّكاة فَكَأَنَّهُ لَمْ يُقِمِ الصَّلَاةَ»([3])، وهذه الصَّحيحة تؤكِّد ما قلناه: مِنْ أنَّ الزَّكاة أُخْت الصَّلاة.
ومنها: صحيحة ابن مسكان عن أبي جعفر «قَالَ: بينا (بَيْنَمَا) رَسُولُ الله (ص) فِي الْمَسْجِدِ، إِذْ قَالَ: قُمْ يَا فُلَانُ، قُمْ يَا فُلَانُ، قُمْ يَا فُلَانُ، حَتَّى أَخْرَجَ خَمْسَةَ نَفَرٍ، فَقَالَ: اخْرُجُوا مِنْ مَسْجِدِنَا لَا تُصَلُّوا فِيهِ، وَأَنْتُمْ لَا تُزَكُّونَ»([4])، وهي صحيحة بطريق الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله).
ومنها: حسنة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَاْل: قَاْل رسولُ الله (ص) «قَاْل: قَاْل رَسُولُ الله (ص): ملعونٌ ملعونٌ مَال لَاْ يُزكّى»([5]).
ومنها: رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (ص): مَا مِنْ ذِي زَكَاةِ مَالٍ: نَخْلٍ، أَوْ زَرْعٍ، أَوْ كَرْمٍ، يَمْنَعُ زَكَاةَ مَالِهِ، إِلاَّ قَلَّدَهُ الله تُرْبَةَ أَرْضِهِ، يُطَوَّقُ بِهَا مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»([6])، ولكنَّها ضعيفة لعدم وثاقة إسماعيل بن مرَّار.
وقوله (ص) : «يُطَوَّقُ بِهَا...»، أي تصير طَوْقاً في عنقه إلى يوم القيامة، بأنْ يحشر وفي عنقه تربة الأرض.
ومنها: رواية أبي بصير «قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: مَنْ مَنَعَ الزَّكاة، سَأَلَ الرَّجْعَةَ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَهُوَ قَوْلُ الله (عز وجل) : «رَبِّ ارْجِعُون ¥لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ ]المؤمنون: 99100[»([7])، وهي ضعيفة في الكافي بعلي بن الحسين فأنه مجهول وضعيفة بطريق الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) في عقاب الأعمال بالارسال وما ذكره صاحب الوسائل (رحمه الله)، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبي بصير، فهو اشتباه منه (رحمه الله)، لأن أحمد بن أبي عبد الله لا يروي عن أبي بصير مباشرة.
لأن ما في عقاب الأعمال في باب مانع الزكاة ح5، هكذا: وذكر أحمد بن أبي عبد الله أن في رواية أبي بصير....، وكذا في المحاسن للبرقي باب عقاب من منع الزكاة ذيل ح2.
ومنها: صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: مَنْ منع قيراطاً مِنَ الزَّكاة فَلْيمُتْ إِنْ شَاْءَ يَهُودِيّاً أو نَصْرَانيّاً»([8])، وهي صحيحة بطريق الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) في عقاب الأعمال، إلى غير ذلك من الرِّوايات الكثيرة.
([1]) الوسائل باب 1 من أبواب ما تجب فيه الزَّكاة، وما تستحبُّ فيه ح1؛ والكافي: ج3/ص497/ح2.
([2]) الوسائل باب 1 من أبواب ما تجب فيه الزَّكاة، وما تستحبُّ فيه ح8.
([3]) الوسائل باب 3 من أبواب ما تجب فيه الزَّكاة، وما تستحبُّ فيه ح2.
([4]) الوسائل باب 3 من أبواب ما تجب فيه الزَّكاة، وما تستحبُّ فيه ح7.
([5]) الوسائل باب 3 من أبواب ما تجب فيه الزَّكاة، وما تستحبُّ فيه ح14.
([6]) الوسائل باب 3 من أبواب ما تجب فيه الزَّكاة، وما تستحبُّ فيه ح13.
([7]) الوسائل باب 3 من أبواب ما تجب فيه الزَّكاة، وما تستحبُّ فيه ح16.
([8]) الوسائل باب 4 من أبواب ما تجب فيه الزَّكاة، وما تستحبُّ فيه ح5.