الدرس 1242 _كتاب الصوم 42
لا يجب الصَّوم على الصَّبيّ وإن أطاق (1)
(1) المعروف بين الأعلام قاطبةً عدم وجوب الصَّوم وغيره من العبادات على الصَّبيّ، بل هو متسالمٌ عليه بين المسلمين فضلاً عن المؤمنين.
وقدِ استُدلَّ أيضاً لعدم الوجوب بحديث: «رُفِع القلمُ عن ثلاثةٍ: عَنِ الصَّبيّ حتَّى يحتلمَ، وعَنِ المجنون حتَّى يفيقَ، وعَنِ النَّائم حتَّى يستيقظ»[1].
وقد ذكرنا هذا الحديث في أكثر من مناسبة، وقلنا: إنَّه ضعيفٌ بجميع طُرقه، ولسنا بحاجة للإعادة.
وأمَّا ما في مُعتبرة السَّكونيّ عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: إذا أطاق الغلام صوم ثلاثة أيّامٍ متتابعةٍ، فقد وجب عليه صومُ شهرِ رمضان»[2]، فقد أعرض عن ظاهرها جميع الأعلام.
نعم، حُكي عن الشَّيخ المفيد (رحمه الله) في المُقنعة أنَّه قال: «ويُؤخذ الصَّبيّ بالصِّيام إذا بلغ الحلم، أو قدر على صيام ثلاثة أيّامٍ متتابعاتٍ قبل أن يبلغ الحلم»[3].
أقول: المراد من هذه المُعتبرة هو التَّشديد على الصَّوم إذا أطاق الغلام صوم ثلاثة أيامٍ متتابعةٍ، وليس المراد الوجوب الشَّرعيّ بالمعنى المُصطلح عليه.
ولعلَّ مراد الشيخ المفيد (رحمه الله) هو ما ذكرناه، فكأنَّه أراد بالأخذ التشدُّد في الأمر بالصَّوم، سواء بلغ الوجوب المُصطلح عليه أو لا.
* * *
نعم، يُمرَّن عليه لسبع، ويُشدَّد عليه لتسع (1)
(1) المعروف بين الأعلام أنَّه يُستحبّ للوليّ أن يُمرّن الصَّبيّ على الصَّوم قبل البلوغ، قال في المدارك: «التمرين: تفعيل من المرانة، وهي العادة، يقال: مرن على الشيء مروناً ومرانةً، تعوَّده واستمرّ عليه ومرّنه تمريناً. والمراد به هنا: حمل الوليّ للصبيّ والصّبيّة على الصّيام ليعتاده فلا يجد له مشقّة بعد البلوغ...»[4].
أقول: لا خلاف بين الأعلام في أنَّه يُستحبُّ للوليّ تمرين الصّبيّ على الصّوم قبل البلوغ، سواء أقلنا بشرعيّة عباداته كما هو الإنصاف عندنا أم لا.
وإنَّما الخلاف في مبدأ التمرين، قال الشيخ (رحمه الله) في النهاية: «ويُستحبّ أن يُؤخذ الصِّبيان بالصِّيام إذا أطاقوه وبلغوا تسع سنين وإن لم يكن ذلك واجباً عليهم»[5].
ولم يتعرَّض الشَّيخ (رحمه الله) لما قبل التِّسع، وظاهره أنَّ مبدأ الأمر لهم بذلك كمال التِّسع.
ونقل عنه العلاَّمة (رحمه الله) في المختلف ذهابه في المبسوط: إلى أنَّ مبدأ ذلك بعد تمام سبع سنين.
وقال المُحقِّق (رحمه الله) في المُعتبر: «ويُؤخذ الصَّبيُّ بالصَّوم إذا بلغ ستّ سنين وأطاق الصَّوم استحباباً...»[6].
وقال الشَّيخ المفيد (رحمه الله): «ويُؤخذ بالصِّيام إذا بلغ الحلم، أو قدر على صيام ثلاثة أيّامٍ متتابعاتٍ قبل أن يبلغ الحلم...»[7].
وعن ابنَي بابويه (رحمهما الله): أنَّه «يُؤخذ بالصِّيام إذا بلغ تسع سنين على قدر ما يُطيقه، فإن أطاق إلى الظُّهر أو بعده صام إلى ذلك الوقت، فإذا غلب عليه الجُوع والعطش أفطر، وإذا صام ثلاثة أيّامٍ ولاءً أُخذ بصوم الشَّهر كلّه»[8].
أقول: لابُدّ من الرُّجوع إلى النَّبع الصَّافي، وهو روايات أهل البيت (عليهم السلام) حتَّى نرى ما هو مُقتضى الإنصاف في المسألة.
هناك جملة من الرِّوايات:
منها: معتبرة السَّكونيّ عن أبي عبد الله (عليه السلام) المُتقدِّمة: «إذا أطاق الغُلام صومَ ثلاثة أيّامٍ متتابعةٍ، فقد وجب عليه صومُ شهرِ رمضان»[9].
وهي تُعتبر دليلاً لما ذهب إليه الشَّيخ المفيد (رحمه الله).
ولكنَّك عرفت المراد منها سابقاً، وأنَّها محمولةٌ على التَّشديد في أمر الصَّوم، كما أن ذكرنا ما يُحتمل أن يكون مراد الشَّيخ المفيد (رحمه الله).
ومنها: حسنة الحلبيّ عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: إنَّا نأمر صبياننا بالصِّيام إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم، فإنْ كان إلى نصف النَّهار، أو أكثر من ذلك، أو أقلّ، فإذا غلبهم العطش والغرث أفطروا حتَّى يتعوَّدوا الصَّوم ويُطيقوه، فمرُوا صبيانكم إذا كانوا بني تسع سنين بالصَّوم ما أطاقوا من صيام، فاذا غلبهم العطش أفطروا»[10]. الغرث بالتَّحريك : الجُوع.
وهذه الحسنة هي الدَّليل لما عن النِّهاية من أنَّه يُمرّن لتسع سنين.
ومثلها: مرسلة الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) في الفقيه قال: «قال الصَّادق (عليه السلام): الصَّبيّ يُؤخذ بالصِّيام إذا بلغ تسع سنين على قدر ما يطيقه، فإنْ أطاق إلى الظُّهر أو بعده صام إلى ذلك الوقت، فإذا غلب عليه الجُوع والعطش أفطر»[11].
ولكنَّها ضعيفة بالإرسال.
هذا، وقد روى العلاَّمة (رحمه الله) في المُختلف بدل التِّسع سنين في قوله (عليه السلام) في حسنة الحلبيّ: «فمُروا صبيانكم إذا كانوا بني تسع سنين»، هكذا: «فمُروا صبيانكم إذا كانوا أبناء سبع ما أطاقوا من الصيام...»[12]، فتكون دليلاً للشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط، ولجماعة من الأعلام، حيث ذهبوا إلى أنَّ الصّبيَّ يُمرّن لسبع سنين.
ولكنَّ هذه النّسخة غير ثابتةٍ، والأصحّ رواية الكُلينيّ المُتقدِّمة، أي التِّسع سنين.
ومنها: صحيحة زُرارة والحلبيّ عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أنّه سُئِل عن الصَّلاة على الصَّبيّ متى يُصلَّى عليه؟ قَاْل: إذا عقل الصَّلاة، قلتُ: متى تجب الصَّلاة عليه؟ فقال: إذا كان ابن ستِّ سنين، والصِّيام إذا أطاقه»[13].
وهذه الصَّحيحة دليلٌ لما ذهب إليه المُحقِّق (رحمه الله) في المُعتبر من أنَّه يُؤخذ بالصِّيام إذا بلغ ستّ سنين وأطاق الصَّوم استحباباً.
ومنها: موثَّقة سماعة «أنَّه سأل الصَّادق (عليه السلام) عن الصَّبيّ، متى يصوم؟ قال: إذا قويَ على الصِّيام»[14].
وهذه الموثَّقة ليس فيها تحديد.
ومنها: صحيحة مُحمّد بن مسلم في التَّهذيب عن أبي جعفر (عليه السلام) «أنَّه سُئل عن الصَّبيّ متى يصوم، قال: إذا أطاقه»[15].
وهذه الصَّحيحة لم تُحدّد سنةً مُعيّنةً، بل المناط هو الإطاقة.
إذا عرفت ذلك، فنقول: إنَّ مقتضى الجمع بين هذه الرِّوايات هو البناء على اختلاف مراتب التَّأكيد باختلاف مراتب العمر وشدَّة التَّمييز والطَّاقة الَّتي هي المدار في التَّمرين، ويشتدّ باشتدادها، فإنَّ مراتب الأطفال في التَّمييز والطَّاقة متفاوتةٌ باختلاف العمر، فمَنْ كان عمره تسع سنين ليس كمَنْ عمره ستّ سنين من حيث التَّمييز والطَّاقة، وهكذا..
ولا يُنافي ذلك ما ورد في صحيحة معاوية بن وهب «قَاْل: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام): في كم يُؤخذ الصَّبيّ بالصِّيام؟ قَاْل: ما بينه وبين خمس عشرة سنة وأربع عشرة سنة، فإن هو صام قبل ذلك فدعه، ولقد صام ابني فلان قبل ذلك فتركته»[16]؛ لأنَّ أخذ الصَّبيّ بالصَّوم بين الأربع عشرة والخمس عشرة، لا يُنافي استحباب أمره قبل ذلك.
ويُحتمل أن يكون المُراد بأخذ الصَّبيّ ما بينه وبين خمس عشرة وأربع عشرة هو الأخذ الوجوبيّ الشَّرعيّ، بناءً على ما هو الغالب من ظُهور أمارة البلوغ في طُول هذه المُدّة، فيكون قوله (عليه السلام): «فإنْ هو صام قبل ذلك فدعه» إشارة إلى التَّمرين، ولا تحديد له.
[1] الوسائل باب 4 من أبواب مقدمات العبادات ح11.
[2] الوسائل باب 29 من أبواب مَنْ يصحّ منه الصَّوم ح5.
[3] المقنعة: ص360361.
[4] المدارك: ج6، ص160.
[5] النهاية: ص149.
[6] المعتبر: ج2، ص685.
[7] المقنعة: ص360361.
[8] المقنع للشيخ الصدوق (رحمه الله): ص195.
[9] الوسائل باب 29 من أبواب مَنْ يصحّ منه الصَّوم ح5.
[10] الوسائل باب 29 من أبواب مَنْ يصحّ منه الصَّوم ح3.
[11] الوسائل باب 29 من أبواب مَنْ يصحّ منه الصَّوم ح11.
[12] المختلف: ج3، ص486.
[13] الوسائل باب 13 من أبواب صلاة الجنازة ح1.
[14] الوسائل باب 29 من أبواب مَنْ يصحّ منه الصَّوم ح10.
[15] الوسائل باب 29 من أبواب مَنْ يصحّ منه الصَّوم ح9.
[16] الوسائل باب 29 من أبواب مَنْ يصحّ منه الصَّوم ح1.