الدرس 1231 _كتاب الصوم 31
وأيضاً لا فرق بين إنشاء العزم على ترك الصَّوم المُترتِّب عليه ارتكاب المُفطِّرات عند مشيئته، وبين إنشاء العزم على نقض صومه بتناول المُفطِّرات في المُستقبل؛ إذِ النِّيّة المُعتبرة في باب العبادات، والَّتي هي القصد إلى فعل تلك العبادة بداعي الخُروج عن عهدة التَّكليف بها، لا تجتمع مع العزم على إبطال العمل، ونقضه حُدوثاً وبقاءً، فكما يمتنع أن يجتمع في ابتداء الأخذ في صلاة الظُّهر مثلاً العزم على فعلها مع العزم على إبطالها في الرّكعة الثَّانية مثلاً، فكذا يمتنع بقاء العزم على الإمساك بعد حُدوث العزم على النَّقض في الأثناء.
فما ذكره صاحب الجواهر (رحمه الله) من التفَّصيل بين نيَّة القطع الَّتي هي بمعنى إنشاء رفع اليد عمَّا تلبّس به من الصَّوم، وبين نيَّة القطع بمعنى العزم على ما يحصل به ذلك، فجزم بالبطلان في الأوَّل؛ لخلوّ الزَّمان المزبور عن النِّيّة، فيقع باطلاً، وقوّى الصِّحّة في الثَّاني؛ استصحاباً للصِّحّة السَّابقة الَّتي لم يحصل ما ينافيها، ليس تامّاً، حسبما عرفت.
وممَّا ذكرنا يتَّضح لك: فساد الاستدلال للقول بالصِّحّة بحصر المُفطِّرات في النُّصوص والفتاوى بأُمورٍ محصورة، وأنَّ هذه النِّيّة ليست من جملتها؛ إذِ الفساد هنا ينشأ من الإخلال بالنِّيّة الَّتي هي شرطٌ في صحَّة الصَّوم، وليس الفساد من جهة كون نيَّة الإفطار من حيث هي كسائر المُفطِّرات مُبطلةً، كي يُنافيه حَصْر المُفطِّرات في ما عداها.
وأمَّا الاستدلال للصِّحّة: باستصحاب صحَّة الصَّوم.
ففيه أوّلاً: أنَّه من استصحاب الحكم الكُلِّيّ، وقد عرفت الإشكال فيه.
وثانياً: أنَّ الصِّحّة المُحرَزة في ما مضى إنَّما هي بالنِّسبة إلى أجزائه الماضية، وهي لا تنفع في نفي اعتبار ما يُشكّ في اعتباره بالنِّسبة إلى الأجزاء اللاّحقة.
وعليه، فالاستدلال باستصحاب الصِّحّة لدى الإخلال بما يُشكّ في جُزئيّته أو شرطيّته للعمل الَّذي يُشكّ في صحَّته، ليس تامّاً.
وأمَّا باقي الوجوه المُستدلّ بها على الصِّحّة، فهي واضحة البطلان، ولسنا بحاجة لبيانها.
والخُلاصة: أنَّ ما حُكي عن السّيِّد في بعض رسائله، وأبي الصَّلاح، والعلاَّمة، وولده والشّهيدَيْن، والمُحقِّق الثّاني (رحمهم الله) من القول بالبطلان، هو الأقوى، والله العالم.
ثمَّ إنَّه ينبغي التَّنبيه على أمر: وهو أنَّ المشهور ذكر أنَّه لو نوى الإفطار في الأثناء، ثمَّ عاد، أي جدّد النِّيّة، فإنَّه يُجزئ. ويُفهم من ذلك: أنَّ تجديد نيّة الصَّوم بعد نيّة الإفطار له مدخلٌ في الصِّحّة.
مع أنَّ الأمر ليس كذلك؛ لأنَّ المُقتضي للفساد عند القائل به هو نيّة القطع، أو نيّة القاطع، فإن ثبت ذلك كما هو الصَّحيح عندنا، حيث ثبت كون ذلك مُبطلاً للصَّوم وجب الحكم بالبطلان مُطلقاً، ولا أثر لنيّة التَّجديد.
وإن لم يثبت ذلك كما هو رأي المشهور وجب الحكم بالصِّحّة مطلقاً.
والخُلاصة: أنَّ تجديد النِّيّة لا مدخليّة له في ما نحن فيه.
* * *
وكذا لو كره الامتناع عن المُفطِّرات يأثم ولا يبطل (1)
(1) مرجع كراهة الامتناع عن المُفطِّرات إلى قصد الخُروج عن الصَّوم، وقد عرفت حُكمه ممَّا تقدَّم.
* * *
أمَّا الشَّهوة لها مع بقاء إرادة الامتناع أو الاستمرار عليها حكماً، فلا إثم (2)
(2) وهو واضح؛ إذ لا مُوجِب للبطلان، ولا للإثم.
* * *
ولو تردَّد في الإفطار، أو في كراهة الامتناع، فوجهان مُرتَّبان على الجزم، وأَولى بالصِّحّة هنا (3)
(3) إذا قلنا: بأنَّ العزم على تناول المُفطِّر، أو كراهة الامتناع عن المُفطِّرات يُوجب فساد الصَّوم؛ باعتبار زوال شرطه، وهو النِّيّة الحقيقيّة أو الحكميّة كما هو الصَّحيح عندنا ، فالتّردُّد فيهما أيضاً كذلك؛ لأنَّ التّردُّد يُنافي العزم الذي هو حقيقة النِّيّة، فيُنافي حُكمها أيضاً.
وأمَّا لو قلنا: بأنَّ العزم على تناول المُفطِّر، أو كراهة الامتناع عن المُفطِّرات، لا يُوجب فساد الصَّوم؛ لعدم تسليم الاشتراط أو المنافاة؛ لبقاء حكم النِّيّة كما هو رأي المشهور فحكم التّردُّد أيضاً كذلك، مع أنَّه أَولى بعدم المنافاة، فيكون أَولى بالصِّحّة.
* * *
والوجه: الإفساد في الجميع (1)
(1) أي نيَّة الإفطار والارتداد، وكراهة الامتناع عن المُفطِّرات، والتّردُّد في الإفطار أو في الكراهة في أثناء النَّهار، فكلُّ هذه الأمور تُوجب فساد الصَّوم، وقد تقدَّم توضحيه.
وهو الإنصاف عندنا، فيكون المُصنِّف (رحمه الله) مُخالفاً للمشهور.
* * *