الدرس 1177 _كتاب الخمس 57
ومنها: رواية أحمد بن محمَّد عن بعض أصحابنا رفع الحديث (قَاْل: الخُمُس من خمسة أشياء إلى أن قال: فأمَّا الخُمُس فيُقسَّم على ستَّة أسهم: سهم ﷲ، وسهم للرَّسول (ص)، وسهم لذوي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السَّبيل، فالَّذي ﷲ فلرسول اﷲ (ص)، فرسول اﷲ أحقّ به فهو له خاصّة، والَّذي للرَّسول هو لذي القربي والحجّة في زمانه، فالنِّصف له خاصّة، والنِّصف لليتامى والمساكين وأبناء السَّبيل من آل محمّد (عليهم السلام) الَّذين لا تحلّ لهم الصَّدقة ولا الزَّكاة، عوَّضهم اﷲ مكان ذلك بالخُمُس...)([1])، وهي ضعيفة بالإرسال، وبالرَّفع.
ومنها: ما في رسالة المحكم والمتشابه نقلاً من تفسير النعمانّي بإسناده عن عليّ (عليه السلام) (قَاْل: الخُمُس يُخرج من أربعة وجوه: مِنَ الغنائم الَّتي يُصيبها المسلمون مِنَ المشركين، ومِنَ المعادن، ومِنَ الكُنُوز، ومِنَ الغَوْص، ويجري هذا الخُمُس على ستَّة أجزاء، فيأخذ الإِمام منها سهم اﷲ وسهم الرَّسول وسهم ذي القربى، ثمَّ يُقسّم الثَّلاثة السِّهام الباقية بين يتامى آل محمّد، ومساكينهم، وأبناء سبيلهم)([2]).
ولكنَّها ضعيفةٌ؛ لأنَّ في السَّند أحمد بن يوسف بن يعقوب، وهو مجهول، وفي السَّند أيضاً الحسن بن عليّ بن أبي حمزة وأبوه، وهما ضعيفان.
ومنها: رواية زكريا بن مالك الجعفي عن أبي عبد اﷲ (عليه السلام) (أنَّه سأله عن قول اﷲ (عز وجل) : (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)؟ فقال: أمّا خُمُس اﷲ (عز وجل) فللرَّسول يضعه في سبيل اﷲ، وأمَّا خُمُس الرَّسول فلأقاربه، وخُمُس ذوي القربى فهم أقرباؤه، واليتامى يتامى أهل بيته، فجعل هذه الأربعة أسهم فيهم، وأمَّا المساكين وابن السَّبيل فقد عرفت أنَّا لا نأكل الصَّدقة، ولا تحلّ لنا فهي للمساكين وأبناء السَّبيل)([3])، وهي ضعيفة بجهالة زكريا بن مالك الجُعفيّ، وكذا غيرها، وقد عرفت أنَّها ضعيفة.
ولكنَّ الإنصاف: أنَّه لا يبعد الاطمئنان بصدور بعضها، لا سيّما أنَّ معظم الأصحاب قديماً وحديثاً ذهبوا إلى ذلك.
والَّذي يُهوِّن الخطب: أنَّ الآية الشَّريفة صريحةٌ في أنَّ الخُمُس يُقسّم ستّة أقسام.
وأمَّا ما حكاه المحقِّق والعلاّمة (رحمهما اﷲ) عن بعض الأصحاب، ولم نعرف قائله ونُسب إلى ابن الجنيد (رحمه اﷲ) ، من أنَّه يُقسّم الخُمُس خمسة أقسام بحذف سهم اﷲ، فليس تامّاً.
قال صاحب المدارك (رحمه اﷲ): (احتجّ القائل بأنَّه يُقسّم خمسة أقسام بالآية الشَّريفة، قالوا: ومعنى قوله: (فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) أنَّ لرسول اﷲ (ص) خُمُسه، كقوله تعالى: (وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ) ]التوبة: 62]، وقال بعضهم: الافتتاح بذكر اسم اﷲ تعالى على جهة الَّتيمُّن والتّبرُّك؛ لأنَّ الأشياء كلّها له (عز وجل) ...)([4]).
وفيه: أنَّ هذا خلاف ظاهر الآية الشَّريفة، ونحن مأمورون بالعمل بالظَّاهر ما لم تكن قرينةٌ على الخلاف.
ثمَّ قال صاحب المدارك (رحمه اﷲ): (ويدلُّ على هذا القول أيضاً أعني: كونه يُقسّم خمسة أقسام من طريق الأصحاب ما رواه الشَّيخ، عن الحسين بن سعيد، عن حمَّاد بن عيسى، عن رِبعيّ بن عبد اﷲ، عن أبي عبد اﷲ (عليه السلام)، قال: (كان رسول اﷲ (ص) إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له، ثمَّ يُقسّم ما بقي خمسة أخماس، ويأخذ خُمُسه، ثمَّ يُقسّم أربعة أخماس بين النَّاس الَّذين قاتلوا عليه، ثمَّ قسَّم الخُمُس الَّذي أخذه خمسة أخماس، يأخذ خُمُس اﷲ (عز وجل) لنفسه، ثمَّ يُقسّم الأربعة الأخماس بين ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السَّبيل، يُعطي كلّ واحدٍ منهم حقّاً، وكذلك الإمام يأخذ كما أخذ رسول اﷲ (ص))([5])، وهذه الرواية أصحُّ ما بلغنا في هذا الباب، ومقتضاها أنَّ للإمام (عليه السلام) خُمُس الخُمُس خاصة، والباقي لبقية الأصناف.
وأجاب عنها الشَّيخ في الاستبصار: بأنَّها إنَّما تضمَّنت حكاية فعله (ص)، وجاز أن يكون (عليه السلام) أخذ دون حقّه توفيراً للباقي على المستحقِّين.
وهو بعيد جدّاً؛ لأنَّ قوله (عليه السلام): (وكذلك الإمام يأخذ كما أخذ رسول اﷲ (ص))، يأبى ذلك)([6])، انتهى كلام صاحب المدارك (رحمه اﷲ).
ويظهر منه (رحمه اﷲ) الميل إلى القول: بأنَّ الخُمُس يُقسّم خمسة أقسام.
وفيه: أوَّلاً: أنَّ الصَّحيحة لا ظهور لها في أنَّه ليس لرسول اﷲ (ص) سهم، بل هي ظاهرة في أنَّ الأسهم إنَّما هي على ما فرضه اﷲ تعالى في كتابه.
ولكنَّه (ص) كان يكتفي في مقام القسمة بسهم اﷲ، فيأخذه لنفسه ويُقسِّم الباقي.
وبعبارةٍ أُخرى: أنَّ ما ذكره جماعةٌ من الأعلام منهم الشَّيخ (رحمه اﷲ) في الاستبصار من أنَّ الصَّحيحة إنَّما تضمَّنت حكاية فعلٍ، في محلِّه، فلعلَّه (ص) أخذ دون حقِّه توفيراً للباقي على المستحقِّين.
وبالجملة، فإنَّ الفِعْل مجملٌ لا ظهور فيه في حذف السَّهم، كما هو المدَّعى.
وأمَّا قوله (عليه السلام) في ذيل الصَّحيحة: (وكذلك الإمام...)، فالمتبادر منه: أنَّ الإمام (عليه السلام) أيضاً كان كرسول اﷲ (ص) يستوفي سائر السِّهام ما عدا سهمه (عليه السلام)، لا سهم الرَّسول (ص).
وبالجملة، فإنَّ المراد من قوله (عليه السلام): (وكذلك الإمام) هو التَّشبيه في الأخذ لا التَّشبيه في كيفيّة التَّقسيم.
ثمَّ إنّنا لو التزمنا بأنَّها دالّةٌ على حذف السَّهم وإسقاطه، إلاَّ أنَّها دالَّةٌ على حذف سهم رسول اﷲ (ص)، لا سهم اﷲ تعالى، وهذا لم يقل به أحدٌ من الأعلام، حتَّى ابن الجنيد (رحمه اﷲ)، فإنَّه على ما نُسِب إليه قائل بحذف سهم اﷲ تعالى، لا سهم رسول اﷲ (ص).
وعليه، فيكون الكلُّ مُعرِضاً عنها، وإعراض الجميع يُوجب الوهن، بخلاف إعراض المشهور فقط.
ومع قطع النَّظر عن إعراض الجميع عنها، فإنَّه لا يمكن العمل بها؛ لأنَّها مخالفة للكتاب المجيد، لأنَّه صريحٌ في القِسْمة على ستَّة سهام، وهي دالَّة على كون القِسْمة على خمسة سهام، وما خالف الكتاب المجيد يكون ساقطاً عن الحجيّة، بل يُضرب به عرض الجدار.
ومع قطع النَّظر عن كل ذلك، فإنَّها بناءً على دلالتها على حذف السَّهم تُحمل على التَّقية؛ لموافقتها لمذهب أكثر العامَّة، كما في المدارك.
والخلاصة إلى هنا: أنَّ ما ذهب إليه الأعلام من كون الخمس يُقسّم ستّة سهام هو الصَّحيح، واﷲ العالم.
([1]) الوسائل باب 1 من أبواب قسمة الخُمُس ح9.
([2]) الوسائل باب 1 من أبواب قسمة الخُمُس ح12.
([3]) الوسائل باب 1 من أبواب قسمة الخُمُس ح1.
([4]) المدارك: ج5، ص396.
([5]) الوسائل باب 1 من أبواب قسمة الخُمُس ح3.
([6]) المدارك: ج5، ص396، 397.