الدرس 1164 _كتاب الخمس 44
فيما لوِ ادَّعاه كلٌّ منهما، فهل يُقدّم قول المالك أم لا؟
ذهب كثير من الأعلام إلى تقديم قول المالك، منهم الشَّيخ (رحمه اﷲ) في المبسوط، والمحقِّق (رحمه اﷲ) في المعتبر، والعلاَّمة (رحمه اﷲ) في الإرشاد، بل نسبه بعضهم إلى المشهور.
وعن الشَّيخ (رحمه اﷲ) في الخلاف أنَّه يُقدّم قول المستأجر أو
المستعير، وقدِ اختاره العلاَّمة (رحمه اﷲ) في المختلف، واستقربه المصنِّف (رحمه اﷲ) في البيان.
وأمَّا مَنْ ذهب إلى تقديم قول المالك، فقد يُستدلّ له بثلاثة أدلَّةٍ:
الأوَّل: بأنَّ الملك إنَّما هو للمالك، فهو ذو اليد، وعلى المستأجر أو المستعير الإثبات.
الثَّاني: أنَّ يد المالك أصليّةٌ، ويد المستأجر أو المستعير فرعيّةٌ.
الثَّالث: أنَّ دار المالك كيده.
وفيه: أمَّا الدَّليل الأوَّل: فليس تامّاً؛ لأنَّ ذا اليد عند العرف هو المستأجر أو المستعير، أو لا أقلّ أنَّ هناك تساوياً من هذه الجهة، فلا يتعيّن الإثبات على المستأجر أو المستعير.
وأمَّا الدَّليل الثَّاني: فهو أيضاً ليس تامّاً؛ لأنَّ كون يد المستأجر أو المستعير يداً فرعيّة لا أثر له في ما نحن فيه؛ لأنَّ كونها يداً فرعيّة إنَّما يترّتب عليها سقوطها عن الحُجِّيّة بالنِّسبة إلى العين المستأجرة أو المستعارة، فلا تدلّ اليد على ملكيّة العين للمستأجر أو المستعير؛ للعلم بأنّها للمالك، وهما أجنبيّان عنها.
وأمَّا حُجِّيّة اليد على ما في داخل الأرض من كنز ونحوه، فهي باقية، فلا موجب لتقديم يد المالك.
وأمَّا الدَّليل الثَّالث: فحاله كالأوَّل والثَّاني؛ لأنَّ دار المالك إنَّما تكون كيده إذا كانت تحت يده فعلاً، والأمر ليس كذلك؛ لأنَّها بالفعل تحت يد المستأجر أو المستعير.
وأمَّا مَنْ ذهب إلى تقديم قول المستأجر أو المستعير، فقد يُستدلّ له بأمرَيْن ذكرهما المصنِّف (رحمه اﷲ) في البيان:
الأوَّل: أنَّ ثبوت يد المستأجر أو المستعير على العَين حقيقيّ، وثبوت يد المالك عليها حُكميّ.
الثَّاني: أنَّه يُستبعد إجارة دارٍ فيها كنز.
وفيه: أنَّ الدَّليل الثَّاني هو مجرّد استبعاد لا يُفيد إلاَّ الظَّنّ، وهو لا يُغني عنِ الحقّ شيئاً.
وأمَّا الدَّليل الأوَّل: فليس تامّاً أيضاً؛ إذ يصدق على كلٍّ منهما أنَّ يده عليها حقيقةً.
هذا، وقد ذكر بعض الأعلام أنَّه يُعمل بقرينة الحال، أي يجب مراعاة أقوى اليدَيْن، وهي تختلف باختلاف المقامات، فقد تكون يد المالك أقوى، كما لو كانت مدّة الإجارة والإعارة قليلةً جدّاً، بحيث يكون احتمال كون الكنز لهما ضعيفاً جدّاً.
وقد يكون الأمر بالعكس، كما لو اشترى شخص الأرض أو الدَّار وآجرها مدَّةً طويلةً بعد أن سكن فيها مدَّةً قليلةً، بحيث يكون احتمال كون الكنز له ضعيفاً جدّاً.
وبالجملة، فإنَّه يُؤخذ بأقوى اليدَيْن، بحيث تكون الأقوائيّة موجبةً لسقوط اليد الضَّعيفة عن الحُجِّيّة.
ومن هنا ذهب المشهور إلى أنَّ الرَّاكب للدَّابّة أولى بها من قابض لجامها في حال ادّعائهما لها لكونه ذا اليد عرفاً عليها دون القابض، وإن كان القابض ذا يد عليها لو لم يكن الرَّاكب.
والإنصاف: أنَّه يتّضح حكم هذا الأمر الثَّاني ممَّا ذكرناه في الأمر الأوَّل.
وحاصله: أنَّه إذا كان الكنز عتيقاً قديماً، بحيث نعلم أنَّ صاحبه مات وليس له وارث فعليّ، فهو للإمام (عليه السلام)، كما تقدّم.
وأمَّا إذا لم يكن عتيقاً، بحيث نعلم بوجود مالك فعليّ له، ولكنَّه مجهول، ففي هذه الحالة إن قلنا: إنَّ يد المستأجر أو المستعير هي اليد الفعليّة على الأرض، أو الدار دون يد المالك، فيُقبل قوله في دعواه، ونحكم بأنَّ الكنز له بمقتضى حجّـيّة اليد.
وأمَّا إن قلنا: بأنَّ يد المالك أيضاً فعليّة، فحكم هذه المسألة هو حكم التَّداعي، كما لا يخفى، واﷲ العالم.