الدرس157 _لباس المصلي 30
وأمَّا ما حُكِي عن السّيد عميد الدّين من أنّه كان يقوِّي جلوس القائم ليُومِئ للسَّجود جالساً نظراً إلى كونه حينئذٍ أقرب إلى هيئة السّاجد فيدخل تحت قوله C: «إذا أمرتكم بشيء فاتوا منه ما استطعتم».
وفيه أوَّلاً: أنَّ هذا الحديث نبويّ ضعيف، كما عرفت في أكثر من مناسبة.
وثانياً: أنَّ الواجب حينئذٍ قدِ انتقل إلى الإيماء، فلا معنى للتكليف بالممكن من السّجود، إلاَّ أن يقال: إنَّ إيجاب الإيماء إنّما هو لكونه من المراتب الميسورة للسّجود التي لا تسقط بالمعسور، لا أنّه ماهية أخرى أجنبيّة عنه قد جعله الشارع بدلاً منه تعبّداً.
وفيه أيضاً: أنَّ قاعدة عدم سقوط الميسور بالمعسور ضعيفة سنداً، إذ هو نبويّ مرسل.
وثانياً: أنَّ الإيماء عند العرف غير السّجود، إذ السّجود متقوّم عرفاً بوصول الجبهة إلى الأرض، فالانحناء غير الموجب لوصول الجبهة إلى الأرض أجنبيّ عن ماهية السّجود، فضلاً عن مطلق الإيماء.
وممَّا ذكرنا يندفع أيضاً: ما ذكره المصنِّف R في الذكرى من إيجاب الانحناء فيهما بحسب الممكن، بحيث لا تبدو معه العورة، وأن يجعل السّجود أخفض محافظة على الفرق بينه وبين الركوع.
واحتمل أيضاً وضع اليدين، والركبتين، وإبهامي الرجلين، في السّجود، على الكيفيّة المعتبرة في السّجود.
ومستنده في ذلك كله بحسب ما يظهر من عبارته : قاعدة الميسور.
وفيه: ما عرفته من الجواب السّابق عند الردّ على كلام السيّد عميد الدين، فلا حاجة للإعادة، وأما جعل الإيماء للسّجود أخفض من الرّكوع فقد ورد في خبر أبي البختري المتقدّم، وقد عرفت أنّه ضعيف. وأما تعليله بحصول الفرق بين الركوع والسجود، ففيه: أن الفرق بينهما في القصد.
والخلاصة: أنَّه إن لم يجد السّاتر فإنْ أَمِن الناظر المحترم صلَّى قائماً مُومئاً للرّكوع والسّجود، والأحوط لزوماً الجمع بين صلاة المختار قائماً وراكعاً وساجدّاً، والصَّلاة قائماً، مُومئاً إلى الركوع والسّجود إن أمكن.
بقي الكلام في أنَّ الإيماء هل هو بالرأس، أم بالعينين؟.
والظاهر أنَّ المتبادر من الأمر بالإيماء بدلاً عن الرّكوع والسّجود هو الإيماء بالرأس، كما نصّ عليه غير واحد من الأعلام.
مضافاً: إلى وقوع التصريح به في حسنة زرارة المتقدّمة، حيث ورد في ذَيْلها: «إيماءً برؤوسهما»[i]f186، فلا يكفي الإيماء بالعينين تَغْميضاً وفَتْحاً عند التمكّن من الإيماء بالرأس، فما ذكره السيد أبو القاسم الخوئيW من عدم ورود الرواية بالإيماء بالرأس، وإنّما وردت بالعينين كما في المريض، من هنا اختار الإيماء بالعينين دون الرأس في غير محله كما عرفت.
نعم يكفي الإيماء بالعينين عند تعذر من الإيماء بالرأس.
كما يظهر ذلك ممّا ورد في المريض، بناءً على اتحاد كيفية الإيماء في كلّ مقام يجب الإيماء فيه من باب تنقيح المناط، أو كون المقام أولى من المريض، كما عن المصنِّف في الذكرى.
وأمَّا الرّواية الواردة في المريض فهي مرسلة مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله N «قَالَ: يُصَلِّي الْمَرِيضُ (قاعداً) قائمِاً، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ على ذلك صَلَّى جالِساً، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أن يصلّي جالساً صلَّى مُسْتَلْقِياً، يُكَبِّرُ، ثمَّ يَقْرَأُ، فَإِذَا أَرَادَ الرُّكُوعَ غَمَّضَ عَيْنَيْهِ، ثمَّ سَبَّحَ، فإذا سبَّح فَتَحُ عَيْنَيْهِ، فَيَكُونُ فَتْحُ عَيْنَيْهِ رَفْعَ رَأْسِهِ مِنَ الرُّكُوعِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ غَمَّضَ عَيْنَيْهِ ثمَّ سَبَّحَ، فَإِذَا سَبَّحَ فَتَحَ عَيْنَيْهِ، فَيَكُونُ فَتْحُ عَيْنَيْهِ رَفْعَ رَأْسِهِ مِنَ السُّجُودِ، ثمَّ يَتَشَهَّدُ وَيَنْصَرِف»[ii]f187.
ولكنَّها ضعيفة بالإرسال وبجهالة محمّد بن إبراهيم، فإنّه مشترك بين عدّة أشخاص، فيهم الضعيف والمجهول، والثقة، ولا مميِّز في البين.
ثمَّ إنّه يكفي مسمّى الإيماء لصدق الامتثال، والله العالم بحقائق أحكامه.
(1) المعروف بين الأعلام استحباب الجماعة للعراة، بل ظاهر جماعة من الأعلام الإجماع، بل هو صريح المصنِّف R في الذكرى، حيث قال: «يستحب للعراة الصَّلاة جماعة رجالاً كانوا، أو نساءً، إجماعاً، لعموم شرعية الجماعة، وأفضليتها، ومنع بعض العامّة من الجماعة إلاّ في الظلمة حذراً من بدوّ العورة...».
أقول: ويدلّ على مشروعيّة الجماعة مضافاً لإطلاق الأدلَّة خصوص صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله N «قال: سألته عن قوم صلُّوا جماعة، وهم عراة، قال: يتقدّمهم الإمام بركبتَيْه ، ويصلّي بهم جلوساً وهو جالس»[iii]f188.
وموثَّق إسحاق بن عمَّار «قال: قلت لأبي عبد الله N قوم قُطِع عليهم الطريقُ، وأُخِذت ثيابُهم، فبقوا عراةً، وحضرتِ الصَّلاة، كيف يصنعون؟ فقال: يتقدَّمهم إمامُهم، فيجلس، ويجلسون خلفه، فيُومِئ إيماءً بالركوع والسَّجود، وهم يركعون، ويسجدون خلفه على وجوههم»[iv]f189.
وبالجملة، لا إشكال في ثبوت الاستحباب، وإنَّما الكلام في كيفية الصَّلاة جماعة، فالمعروف بينهم إطلاق الجلوس فيها من غير تفصيل بين أمن المطّلِع وعدمه، كما هو مقتضى إطلاق الصحيحة والموثقة، بل نسب المحقِّق R في المعتبر إطلاق الجلوس إلى أهل العلم.
ولكنَّ هذا الإطلاق معارَض بإطلاق أدلَّة وجوب القيام على العاري مع أَمْن المطّلِع، ونسبة المعارضة هي عموم وخصوص من وجه، فإنَّ صحيحة عبد الله بن مسكان المتقدِّمة «في رجلٍ عريانٍ ليس معه ثوبٌ، قال: إذا كان حيث لا يراه أحدٌ فليصلِّ قائماً»[v]f190، خاصَّة في صورة الأَمْن من المطّلِع، ومطلقة من حيث الجماعة والانفراد، والروايتان المتقدِّمتان خاصّتان في الجماعة، ومطلقتان من حيث الأَمْن من المطّلِع وعدمه، فيجتمعان في مورد الجماعة مع الأَمْن من المطّلِع، فصحيحة ابن مسكان تدلّ على الصَّلاة من قيام، والروايتان تدلاَّن على الصَّلاة من جلوس، ومقتضى القاعدة هو التساقط في مورد الاجتماع بعد عدم وجود المرجِّح.
وتكون النتيجة: هي الرجوع إلى إطلاقات أدلَّة اعتبار القيام في الصَّلاة.
ولكنَّ الإنصاف: أنّ الإطلاق في الروايتين جارٍ مجرى الغالب من عدم حصول الأَمْن من المطّلِع، لأنّ الاجتماع ملازم بحسب العادة لعدم الأَمْن من المطّلِع.
وعليه، تكون الروايتان غير منافيتين لصحيحة ابن مسكان.
ومن هنا يجب القيام على المصلّين عراةً جماعة، مع الأمن من المطّلِع لظلمة، أو عمًى، أو نحوهما، بل نسبه في المدارك إلى الأكثر.