الدرس 74 _ كيفية تحمّل الرواية ونقلها وآداب نقلها 4
الطريق الرابع: المناولة
وهي أن يناول الشيخ طالب العلم كتاباً. وهي على قسمين:
الأوّل: أن تكون المناولة مقرونة بالإجازة.
الثاني: أن تكون مجرّدة عنها.
أمّا القسم الأوّل من المناولة، فلا إشكال في اعتبارها، بل ذكر جماعة من الأعلام أنّ مرجع هذا القسم من المناولة إلى الإجازة، فلا ينبغي إفراده بالبحث.
ومهما يكن، فهناك عدّة مراتب لهذا القسم من المناولة:
الأولى: أن يدفع الشيخ إلى الطالب أو التلميذ تمليكاً أو عارية لنسخ أصل سماعه، ويقول له: (هذا سماعي من فلان أو روايتي عنه فاروه عنّي) أو (أجزت لك روايته عنّي) ثمّ يملّكه إيّاه ويقول: خذه وانسخه ثمّ ردّه إليّ.
وهذه المرتبة أعلى مراتب المناولة، وهي دون السّماع والقراءة في الرتبة على الأقوى، لاشتمال كلّ من السّماع والقراءة على ضبط الرواية وتفصيلها بما لا يتحقق بالمناولة.
الثانية: أن يدفع الطالب إلى الشيخ سماع الشيخ أصلاً فيتأمّله الشيخ وهو عارف ثمّ يعيده إلى الطالب، ويقول له: (هو حديثي أو روايتي عن فلان أو عمّن ذكر فيه فاروه عنّي أو أجزت لك روايته عنّي).
وقيل: إنّ هذه المرتبة من المناولة دون سابقتها.
ولكن الإنصاف أنّها مثلها.
الثالثة: أن يناول الشيخ الطالب سماعه ويجيزه ثمّ يرجعه الشيخ ويمسكه عنده، ولا يبقيه عند الطالب، فيرويه الطالب عنه إذا وجده وظفر به على وجه يثق معه بموافقته لما تناولته الإجازة على ما هو معتبر في الإجازات المجردة عن المناولة.
ومن هنا، قيل: إنّ هذه المرتبة لا يظهر لها مزية على الإجازة المجردة عن المناولة.
ولكن ذكر الشهيد الثاني رحمه الله في الرعاية أنّ المشهور بين شيوخ الحديث قديماً وحديثاً أنّ لها مزية معتبرة على الإجازة المجردة في الجملة باعتبار تحقق أصل المناولة[1].
الرابعة: أن يأتي الطالب إلى الشيخ بكتاب، ويقول: هذا روايتك فناولنيه وأجز لي روايته، فيجيبه عليه اعتماداً على الطالب، من دون نظر فيه، ولا تحقق لروايته له.
والإنصاف: أنّ الشيخ إن وثق بالطالب وبمعرفته، بحيث كان ثقة عنده ومتيقظاً وممّا يصلح الاعتماد إليه، فتصحّ حينئذٍ هذه المرتبة من المناولة، وتكون منه أيضاً إجازة.
وأمّا إذا لم يثق الشيخ بالطالب ولا بمعرفته، فلا تصحّ هذه المرتبة من المناولة.
وأمّا القسم الثاني من المناولة: وهي المناولة المجرّدة عن الإجازة، بأن يناوله كتاباً ويقول: (هذا سماعي أو روايتي أو حديثي) مقتصراً عليه، من غير أن يقول: (إروه عنّي ولا أجزت لك روايته عنّي).
واختلف الأعلام في جواز الرواية بها على قولين:
أحدهما: المنع، وهو المحكي عن الفقهاء، وأصحاب الأصول، ومنهم الشهيد الثانيرحمه الله، ولا يوجد دليل يصلح للاعتماد عليه.
ثانيهما: الجواز، وهو المحكي عن بعض المحدّثين استناداً إلى حصول العلم بكونه مروياً له مع إشعارها بالإذن له في الرواية.
وهذا هو الإنصاف، إذ لا يعقل للمنع وجه من رواية ما تحمّله بالمناولة المجردة وأي مدخل لإذن الشيخ بعد إذن الإمام عليه السلام، بل أمره برواية الأحاديث، بل وضبطها ونشرها بين الشيعة في المجالس.
ويشهد لما ذكرناه: ما رواه الكليني عن محمد بن يحيى بإسناده عن أحمد بن عمر الحلاّل، قال: قلت: لأبي الحسن الرضا عليه السلام: «الرجل من أصحابنا يعطيني الكتاب ولا يقول اروه عني. يجوز لي أن أرويه عنه؟ قال: فقال: إذا علمت أنّ الكتاب له، فاروه عنه»[2].
والرواية صحيحة، لأنّ محمد بن يحيى يروي عن أحمد بن عمر الحلاّل بواسطة محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن عيسى بن عبيد.
وأمّا استثناء ابن الوليد لما يرويه محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن عيسى بن عبيد، فقد أجبنا عنه سابقاً. وسيأتي تفصيل ذلك عند التكلم عن كتاب نوادر الحكمة.
بقي في المقام شيء، وحاصله: أنّه كيف يؤدّي الرواية مَن تحمّلها بالمناولة؟
والمعروف بين جماعة من الأعلام، أنّه إذا روى بالمناولة يقول: (حدّثنا فلان مناولة) أو (أخبرنا مناولة) ولا يقتصر على حدّثنا وأخبرنا لإيهامه السّماع أو القراءة.
وذكر بعض أنّه يجوز أن يطلق.
ولكن الإنصاف: هو المنع من إطلاق ذلك، بل لا بدّ من ضميمة القيد بالمناولة.