الدرس 15 _ الاصول الرجالية 1
الفصل السابع: الأصول الرجالية
أقول: لقد ثبت أنّ التصنيف في علم الرجال منذ زمن قديم، فهو من زمن الحسن بن محبوب، وربّما من قبله أيضاً، ولكن الكثير من هذه التصنيفات لم تصل إلينا، وإنّما المعروف أنّ هناك خمسة أصول رجالية للمتقدمين، والتي تشكّل العمدة في علم الرجال.
وأمّا تصنيفات المتأخرين، أي بعد الشيخ الطوسي رحمه الله، ومتأخرّي المتأخرين، فهي كثيرة جداً، وربّما نتطرّق إلى تفصيلها إن شاء الله تعالى حسب ما يقتضيه المقام.
الأصول الرجالية المتقدّمة:
الأوّل: رجال الكشّي:
وقد قال النجاشي رحمه الله عن صاحبه: «محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي أبو عمرو، كان ثقة، عيناً، وروى عن الضعفاء، كثيراً، وصحب العياشي، وأخذ عنه، وتخرّج عليه وفي داره التي كانت مرتعاً للشيعة وأهل العلم.
له كتاب الرجال، كثير العلم، وفيه أغلاط كثيرة. أخبرنا أحمد بن علي بن نوح وغيره، عن جعفر بن محمد، عنه بكتابه»[1].
وقال الشيخ الطوسي رحمه الله: «محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي، يكنّى أبا عمرو، ثقة، بصير بالأخبار وبالرجال، حسن الاعتقاد.
له كتاب الرجال، أخبرنا به جماعة، عن أبي محمد التلعكبري، عن محمد بن عمر بن عبد العزيز أبي عمرو الكشي»[2].
وقال رحمه الله: «صاحب كتاب الرجال، من غلمان العياشي، ثقة، بصير بالرجال والأخبار، مستقيم المذهب»[3].
أقول: هذا أكثر ما قد نجده فيما يخصّ حياة الكشّي، وهو من طبقة الشيخ الكليني رحمه الله، وقد توفّي في سنة وفاته ووفاة السفير الرابع للحجّة عليه السلام المعروفة بـ (سنة تساقط النجوم)، وفاة العديد من الأعلام في هذه السنة، وهي سنة للهجرة. وقد اتضح من ترجمته أنّه درس على العياشي رحمه الله.
وقد قال النجاشي رحمه الله في ترجمته للعياشي: «محمد بن مسعود بن محمد بن عيّاش السلمي السمرقندي أبو النضر المعروف بالعياشي، ثقة، صدوق، عين من عيون هذه الطائفة، وكان يروي عن الضعفاء كثيراً. وكان في أوّل أمره عامّي المذهب، وسمع حديث العامّة، فأكثر منه، ثمّ تبصَّر وعاد إلينا، وكان حديث السنّ، سمع أصحاب علي بن الحسن بن فضال، وعبد الله بن محمد بن خالد الطيالسي، وجماعة من شيوخ الكوفيين والبغداديين والقمّيين.
قال أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله: سمعت القاضي أبا الحسن علي بن محمد قال لنا أبو جعفر الزاهد: أنفق أبو النضر على العلم والحديث تركة أبيه سائرها، وكانت ثلاثمائة ألف دينار، وكانت داره كالمسجد بين ناسخ أو مقابل أو قارىء أو معلق مملوءة من الناس»[4].
وكما ذكرنا، فإنّ الكشّي مصنّف أحد أهم الأصول الرجالية، وهو معروف بــــ (رجال الكشّي)، وعن بعض الأعلام أنّ اسم كتابه (معرفة الناقلين عن الأئمّة الصادقين)، ويظهر من فهرست الشيخ الطوسي رحمه الله أنّ اسمه (معرفة الرجال).
ومهما يكن، فإنّه غير موجود اليوم، وإنّما الموجود ما حرَّره وهذَّبه واختاره الشيخ الطوسي منه، وهو كتاب (اختيار معرفة الرجال).
وكذا فعل ابن طاووس رحمه الله، إلاّ أنّ ما اختاره من كتاب الكشّي الذي كان لديه تعرّض بعضه إلى التلف، فقام صاحب المعالم رحمه الله بتحرير مختار ابن طاووس من كتاب الكشّي، وجعله في كتاب سماه (التحرير الطاووسي).
قال العلاّمة المامقاني رحمه الله: «وأمّا أصل كتاب الكشّي، فلم نقف عليه، ولم نقف على من وقف عليه بعد السيد ابن طاووس، فإنّه أيضاً قد اختار منه ومن كتب أخرى أيضاً، ورتّبه وبوّبه، ولكنّا لم نعثر عليه، وكان عند العلاّمة، وكلّ ما ينقله عن الكشّي، فإنّما ينقل عنه لا عن اختيار الشيخ، وقد أصاب نسخة ابن طاووس تلف في جملة من المواضع، بحيث صارت نسخ الكتاب بكامله متعذّرة، فتصدّى صاحب المعالم لجمع ما أمكن منه وتحريره وتهذيبه، وسمّاه بـ (التحرير الطاووسي)، وعندي منه نسخة تعبنا في تصحيحها»[5].
وقد ذكر العلاّمة التستري رحمه الله: وأمّا رجال الكشّي، فلم تصل نسخته صحيحة إلى أحد حتى الشيخ والنجاشي، حتى قال النجاشي فيه: «كتاب كثير العلم، لكن فيه أغلاط كثيرة»، وتصحيفاته أكثر من أن تحصى، وإنّما السالم منه معدود، بل قلّما تسلم رواية من رواياته من التصحيف، بل وقع في كثير من عناوينه، بل وقع فيه خلط أخبار ترجمة بأخبار ترجمة أخرى.
ثمّ إنّ الشيخ اختار مقداراً منه مع ما فيه من الخلط والتصحيف، وأسقط منه أبوابه وإن بقي ترتيبه، لأنّ عرضه كان مجرّد معرفة حالهم المذكور فيه دون من كانوا من أصحابه (ص)، والقهباني الذي رتّب اختيار الشيخ منه أراد إصلاح بعض ما فيه، فزاد في إفساده....
ثمّ بالنسبة إلى اختيار معرفة الرجال، فيختلف من نسخة إلى أخرى.
وقد ذكر البعض أنّ الشيخ إنّما لجأ إلى تهذيب (رجال الكشّي) لإخراج رجال العامة.
وهو في غير محلّه، لأنّنا نجد العديد من العامة فيه، منهم: محمد بن المنكدر، وعمرو بن خالد، وعمرو بن جميع، وحفص بن غياث، ومسعدة بن صدقة، وغيرهم.
وعليه، فالصحيح أنّه حرّره لما فيه من الأغلاط والإبهام.
ومهما يكن من شيء، فإنّ كتاب الكشّي يتميّز عن باقي الأصول بذكره الروايات المفيدة للتوثيق والتضعيف مع السند، ممّا يكشف عن أنّ توثيقاته وتضعيفاته في أغلبها حسّية، إذْ قلّما نجد أنّه وثّق أو ضعّف بلا ذكر رواية يفيد مضمونها التوثيق أو التضعيف.
كما نجد في هذه الروايات الكثير من الأحكام الشرعية ممّا يجعل الكتاب مصدراً من مصادر التشريع.
وكذا، فهو لا يخلو من أصول الدين، ومن الآداب، وذكر معاجز المعصومين عليهم السلام.
من هذه الروايات ما رواه عن محمد بن مسعود قال: «حدّثني علي بن محمد القمّي، قال: حدّثني محمد بن أحمد بن يحيى، عن ابن الريان، عن الحسن بن راشد، عن علي بن إسماعيل، عن أبي خالد، عن زرارة قال: قال لي زيد بن علي عليه السلام وأنا عند أبي عبد الله عليه السلام: ما تقول يا فتى في رجل من آل محمد استنصرك؟ فقلت: إن كان مفروض الطاعة نصرته، وإن كان غير مفروض الطاعة فلي أن أفعل ولي أن لا أفعل، فلمّا خرج قال أبو عبد الله عليه السلام: أخذته والله من بين يديه ومن خلفه، وما تركت له مخرجاً»[6].
ومنها: ما رواه عن زرارة بن أعين قال: «جئت إلى حلقة بالمدينة فيها عبد الله بن محمد وربيعة الرأي، فقال عبد الله: يا زرارة سل ربيعة عن شيء ممّا اختلفتم؟ فقلت: إنّ الكلام يورث الضغائن، فقال لي ربيعة الرأي: سل يا زرارة. قال قلت: بمَ كان رسول الله (ص) يضرب في الخمر؟ قال بالجريد والنعل، فقلت: لو أنّ رجلاً أُخِذَ اليوم شارب خمر، وقُدِّم إلى الحاكم ما كان عليه؟ قال: يضربه بالسوط، لأنّ عمر ضرب بالسوط، قال: فقال عبد الله بن محمد: يا سبحان الله يضرب رسول الله (ص) بالجريد، ويضرب عمر بالسوط، فيترك ما فعل رسول الله (ص) ويأخذ ما فعل عمر؟!»[7].