الدرس 683 _ صلاة الآيات 3
[الخلاصة]
* في صلاة الايات.
* الكلام في: وجوب صلاة الايات لكلّ مخوّف سماوي.
* الكلام في: وجوب صلاة الايات لكلّ مخوّف أرضي.
* الكلام في: ما اذا انكسفت الكواكب.
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وكلّ مخاوف سماويّ*
المخوف السَّماوي: هو المخوف الحادث فوق الأرض، مثل الرِّياح العظيمة والعواصف الشَّديدة، والظُّلمة الشَّديدة، وكذا الحمرة الشَّديدة، ونحو ذلك.
وأمَّا المخوف الأرضي: فمثل الزَّلْزَلة والنَّار الخارجة من الأرض وسقوط جبل، ونحو ذلك، وقد عرفت حال الزَّلْزَلة من حيث وجوب الصَّلاة لها.
وأمَّا المخوِّف السَّماوي: فالمعروف بين الأعلام وجوب الصَّلاة له، بل في الجواهر: «هو المشهور نقلاً وتحصيلاً، بل في الخلاف: الإجماع عليه» (انتهى كلامه).
وقدِ استُدلّ له ببعض الرِّوايات:
منها: صحيحة زرارة ومحمَّد بن مسلم قالا: «قلنا لأبي جعفر (عليه السّلام): هذه الرِّياح والظُّلَم التي تكون، هل يصلَّى لها؟ فقال: كلّ أخاويف السَّماء من ظُلْمةٍ، أو ريحٍ، أو فَزَعٍ، فصلّ له صلاةَ الكسوفِ حتَّى يَسْكُن»(1). والأمر ظاهر في الوجوب؛ وحَمْلُه على الاستحباب -بقرينة ما في الذَّيل، حيث قال (عليه السّلام): «حتَّى يَسْكُن» ومن المعلوم أنَّه لا تجب إطالة الصَّلاة إلى سُكُون الآية، فيكون ذلك محمولاً على الاستحباب- في غير محلِّه، وذلك لأنَّ قوله (عليه السّلام): «حتَّى يَسْكُن» إمَّا قَيْد للأمر، فيكون تحديداً لمدَّة مشروعيَّة الصَّلاة، نظير قوله تعالى: ﴿أقمِ الصَّلاة لدلوك الشَّمسِ إلى غَسَق اللّيل﴾، أو غايةً له، تنبيهاً على الفائدة المترتِّبة عليها، كما في قول القائل: أَسْلم حتَّى تدخل الجنَّة. ولو فرضنا تكافؤ الاحتمالات، بحيث لم يظهر أنَّه قَيْد للصَّلاة، أو قَيْد للأمر، أو غاية له، فتسقط هذه الاحتمالات عن الحجيَّة، ولا يصلح حينئذٍ أن يكون الذَّيل -وهو قوله (عليه السّلام): «حتَّى يسكن»- قرينة لصرف الأمر، وهو: «فصلِّ لها» عن ظاهره في الوجوب.
ومنها: رواية محمَّد بن مسلم وبُرَيْد بن معاوية المتقدّمة عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السّلام) قالا: «إذا وقعُ الكُسُوف، أو بعض هذه الآيات، فصلِّها، ما لم يُتخوَّف أن يذهبَ وقتُ الفريضةِ، فإنْ تخوَّفتَ فابدأ بالفريضةِ وَاقْطع ما كنت فيه من صلاةِ الكُسُوف، فإذا فرغت من الفريضة فارجع إلى حيثُ كنت قطعت، واحتسب بما مضى»(2). والقدر المتيقَّن من بعض هذه الآيات: هو أخاويف السَّماء، ولو بالنَّظر إلى ما يقتضيه الجمع بينها وبين الصَّحيحة المتقدِّمة المبيِّنة لبعض الآيات التي تقع عليها هذه الإشارة. وفيه ما تقدَّم أوَّلاً: من أنَّها ضعيفة السَّند، لأنَّ طريق الشَّيخ الصَّدوق إلى بُرَيد مجهول، حيث لم يذكر طريقه إليه في المشيخة، وطريقه إلى محمَّد بن مسلم ضعيف أيضاً، بجهالة علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد البرقي، وأبيه. وثانياً: أنَّ الرِّواية مسوقة لبيان حكم آخر، وهو تقديم الفريضة عليها عند المزاحمة، أي أنَّ صلاة الآيات مشروعة في كلّ وقت حصلت فيه الآية، ما لم يُتخوَّف فَوْت الفريضة، وليست بصدد بيان الوجوب.
ومنها: صحيحة عبد الرَّحمان بن أبي عبد الله: «أنَّه سأل الصَّادق (عليه السّلام) عن الرِّيح والظُّلمة تكون في السَّماء والكُسُوف، فقال الصَّادق (عليه السّلام): صلاتهما سواء»(3). ولكنَّ ظاهرها التسوية في الكيفيَّة، لا في الوجوب.
ثمَّ إنَّ صاحب الجواهر (رحمه الله) بعد أن ذَكَر الصَّحيحة، قال: ««كان النَّبيُّ (صلى الله عليه وآله) إذا هبَّت رِيح صفراء، أو حمراء، أو سوداء، تغيَّر وجهُه واصفرّ، وكان كالخائف الوَجِل، حتَّى ينزل من السَّماء قَطْرة من مطر، فيرجع إليه لونُه، ويقول: قد جاءتكم بالرَّحمة». ثمَّ قال صاحب الجواهر (رحمه الله): «بناءً على أنَّه من تتمَّة الخبر، لأنَّه مرسل آخر للصَّدوق، كما هو الظَّاهر» (انتهى كلامه).
قال السَّيّد الحكيم (رحمه الله) بعد ذكر الصّحيحة: «وما في ذَيْله من قوله: «وكان النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) إذا هبَّت رِيح ...»» (انتهى كلامه).
أقول: لا وجه لتوهُّم أنَّه ذَيْل للصَّحيحة، لأنَّ الصَّدوق (رحمه الله) ذَكَره مستقلّاً، ولم يذكره عَقِيب الصَّحيحة، حتَّى يتوهم أنَّه ذَيْل لها. وعليه: فهي رواية مرسلة مستقلة(4). ثمَّ لو فرضنا أنَّه ذَيْل للصَّحيحة فلا يدلّ على إرادة التسوية في الوجوب، بل تَرْك ذِكر صلاته (صلى الله عليه وآله) فيه يشير إلى عدم الوجوب.
ومنها: التعليل الواقع في رواية الفضل بن شاذان المتقدِّمة عن الرِّضا (عليه السّلام)، حيث قال: «إنَّما جُعِل للكسوف صلاة لأنَّه من آيات الله، لا يُدرى أَلِرحمة ظهرت أم لعذاب ...»(5). وفيه: ما عرفته سابقاً من أنَّها ضعيفة سنداً: بجهالة أكثر من شخص؛ ودلالةً: لأنَّ ما ذُكِر من التعليل إنَّما هو حكمة للتشريع، لا علة يدور الحكم مدارها.
ومنها: عموم مرسلة دعائم الإسلام عن جعفر بن محمَّد (عليه السّلام) قال: «يصلِّي في الرَّجفة والزَّلْزَلة، والرِّيح العظيمة، والظُّلمة، والآية تحدث، وما كان مثل ذلك، كما يصلِّي في صلاةِ كُسُوف الشَّمس والقمر سواء»(6). وفيه أوَّلاً: أنَّها ضعيفة بالإرسال. وثانياً: أنَّها ظاهرة في التسوية في الكيفيَّة، لا في الوجوب.
والخلاصة إلى هنا: أنَّه تجب الصَّلاة بكلّ مخوِّف سماوي للصَّحيحة الأُولى، وهي صحيحة زرارة ومحمَّد بن مسلم.
وأمَّا المخوِّف الأرضي: فإن كانت الزَّلْزَلة فقد عرفت فيما تقدَّم أنَّه تجب الصَّلاة لها.
وأمَّا غيرها من المخوِّف الأرضي، فلم يتعرّض للوجوب فيه إلَّا جماعة من الأعلام. وقد ذهب إلى عدم الوجوب فيه مَنْ ذهب إلى الوجوب في الأخاويف السَّماوية.
والإنصاف: أنَّه لا يوجد عندنا دليل قويّ على الوجوب لكلّ مخوِّف أرضي. نعم، أوجب المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى الصَّلاة للرَّجفة، قال: «وقد تضمَّنته الرِّواية، وصرَّح به ابن أبي عقيل، وهو ظاهر الأصحاب أجمعين» (انتهى كلامه). ويقصد بالرِّواية صحيحة الرَّهْط المتقدِّمة، حيث ورد فيها: «أنَّ صلاة كُسُوف الشَّمس والقمر والرَّجفة والزَّلْزَلة ...». ولكنَّك عرفت أنَّها واردة في الكيفيَّة، وليست بصدد بيان الوجوب منها. كما أنَّ الرَّجفة وردت في مرسلة دعائم الإسلام المتقدِّمة، وقد عرفت أنَّها ضعيفة، كما أنَّها ظاهرة في التسوية في الكيفيَّة، لا في الوجوب.
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولا يجب بكسوف الكواكب*
المعروف بين الأعلام عدم وجوب الصَّلاة بانكساف سائر الكواكب بعضها ببعض، أو بانكسافها بأحد النَّيرَيْن، وذلك لخروجه عن منصرف إطلاق اسم الخسوف والكسوف، فلا يصدق عليها عرفاً أنَّها انخسفت أو انكشفت. نعم، قد تجب الصَّلاة لها، لا لصدق اسم الكُسُوف عليها، بل لاندراجها في المخوِّفات السَّماوية إذا حصل الخوف عادةً لعامَّة مَنْ أحسَّ بها، لِما عرفت سابقاً أنَّه تجب الصَّلاة لكلِّ مخوِّف سماويّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وسائل الشيعة: باب 2 من أبواب صلاة الكسوف والآيات، ح1.
(2) وسائل الشيعة: باب 5 من أبواب صلاة الكسوف والآيات، ح4.
(3) وسائل الشيعة: باب 5 من أبواب صلاة الكسوف والآيات، ح2.
(4) من لا يحضره الفقيه: ج1، ص345، ح20.
(5) وسائل الشيعة: باب 1 من أبواب صلاة الكسوف والآيات، ح3.
(6) دعائم الإسلام: ج1، ص202.