الدرس 635 _ صلاة الجمعة 21
لا زال الكلام في أركان الخطبة، وما هو معتبرٌ فيها.
أقول:
أمَّا اعتبار «الحمد الله» في كلٍّ من الخطبتين: فموضع وفاق بين الأعلام، بحيث أصبحت من الأمور المسلَّمة عندهم، ولم يخالِف في ذلك أحد من الأعلام، ومع ذلك فإنَّ النصوص متّفقة عليه ما عدا رواية العِلل، ففي موثَّقة سماعة قال: «قال أبو عبد الله (عليه السَّلام) ينبغي للإمام الذي يخطب بالنَّاس يوم الجمعة أن يلبس عمامةً في الشِّتاء والصِّيف، ويتردّى ببرد يمنية أو عدنيّ، ويخطب وهو قائم، يحمد الله ويثني عليه، ثمَّ يوصي بتقوى الله، ثمَّ يقرأ سورةً من القرآن صغيرة (قصيرة) ثمَّ يجلس، ثمَّ يقوم فيحمد الله، ويثني عليه، ويصلِّي على محمَّد (صلى الله عليه وآله) وعلى أئمَّة المسلمين، ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات، فإذا فرغ من هذا أقام المؤذِّن، فصلَّى بالنَّاس ركعتين، يقرأ في الأُولى بسورة الجمعة، وفي الثانية بسورة المنافقين»[1]. وفي صحيحة محمَّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السَّلام) في خطبة يوم الجمعة: «وذَكَر خطبةً مشتملةً على حمد الله، والثَّناء عليه، والوصيَّة بتقوى الله والوعظ (إلى أن قال): واقرأ سورة من القرآن، وادعُ ربَّك، وصلِّ على النَّبيِّ (صلى الله عليه وآله)، وادعُ للمؤمنين والمؤمنات، ثمَّ تجلس قدر ما يمكن هنيئة، ثمَّ تقوم وتقول: وذَكَر الخطبة الثانية، وهي مشتملة على حمد الله والثناء عليه، والوصيَّة بتقوى الله والصَّلاة على محمَّد وآله، والأمر بتسمية الأئمة (عليهم السَّلام) إلى آخرهم، والدُّعاء بتعجيل الفرج (إلى أن قال): ويكون آخر كلامه أنَّ الله يأمر بالعَدْل والإحسان -الآية-»[2].
أمَّا رواية العِلَل غير المشتملة على التحميد، حيث ورد فيها: «... وإنما جعلت خطبتين ليكون واحدة للثناء على الله والتمجيد والتقديس لله عزّ وجلّ، والأخرى للحوائج والأعذار والانذار والدعاء، ولما يريد أن يعلمهم من أمره ونهيه ما فيه الصلاح والفساد»[3].
ففيها: أوَّلاً: أنَّها ضعيفة السَّند، كما تقدم بجهالة أكثر من شخص. وثانياً: أنَّها ظاهرة في بيان ما هو الغرض الأصلي في تشريع الخطبة، وليست بصدد بيان كيفيَّة الخطبة، وما يعتبر فيها، حتَّى تكون منافيةً للرِّوايات المتقدِّمة.
ثمَّ إنّه: هل يجب أن يكون التحميد بصيغة: «الحمد الله»؟
قال العلَّامة (رحمه الله) في التذكرة: «ويجب في كلِّ خطبة منهما حَمْد الله تعالى، ويتعيَّن "الحمد لله" عند علمائنا أجمع (إلى أن قال): فهل يجزئه لو قال: الحمد للرَّحمان، أو لربِّ العالمين؟ إشكال، ينشأ مِنَ التنصيص على لفظ الله تعالى، ومِنَ المساواة في الاختصاص به»[4]. (انتهى كلامه)
وقال العلَّامة (رحمه الله) في نهاية الأحكام: «والأقرب إجزاء الحَمْد للرَّحمان»[5]. (انتهى كلامه)
أقول: لا يبعد اختصاص التحميد بلفظ «الحمد لله» لورود ذلك في صحيحة ابن مسلم المتقدِّمة، وأمَّا ما في موثَّقة سماعة المتقدِّمة: «ويحمد الله» فهو منصرف إلى ما ذكرناه، أي: «الحمد لله».
ويؤيِّده: دعوى الإجماع، والتأسِّي بالنَّبيّ (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السَّلام)، بل لا يبعد اعتبار الثَّناء على الله تعالى زيادةً على «الحمد لله» كما في موثَّقة سماعة وصحيحة ابن مسلم المتقدِّمتَيْن. ويؤيِّده أيضاً: أنَّه معقد إجماع الخلاف والغنية. ويؤيِّده أيضاً: التأسِّي بالنَّبيِّ (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السَّلام).
قال في كشف اللثام: «وذكرهم -أي العلماء- الحمد والثناء جميعا موافقة لخبر سماعة، فأما المراد بهما واحد، أو الثناء هو الوصف بما هو أهله، والحمد هو الاتيان بلفظه أو الشكر»[6]. (انتهى كلامه)
وأمَّا اعتبار «الصَّلاة على النَّبيِّ وآله (صلى الله عليه وآله)» في كلٍّ من الخطبتين:
فقد ذكر صاحب المدارك (رحمه الله): «أنَّه موضع وفاق بين علمائنا وأكثر العامَّة»[7]. (انتهى كلامه)
وفي الجواهر: «فخيرة الأكثر نقلا وتحصيلا وجوبها، بل هو من معقد إجماع الخلاف والغنية والتذكرة وغيرها، بل لا خلاف فيه فيما أجد في الثانية»[8]. (انتهى كلامه)
وحُكي: عن السَّيد المرتضى (رحمه الله)، وموضع من السَّرائر، والمحقِّق (رحمه الله) في المعتبر والنافع، عدم وجوبها في الخطبة الأُولى، لموثَّقة سماعة المتقدِّمة.
أقول: مقتضى الصِّناعة العلميَّة، وإن كان هو عدم الوجوب في الخطبة الأُولى، لأنَّ موثَّقة سماعة قرينة على حَمْل ذِكْرها في صحيحة ابن مسلم المتقدِّمة في الخطبة الأُولى على الاستحباب، ولا تصلح صحيحة ابن مسلم لتقييد موثَّقة سماعة، لِعدم التنافي بينهما، بل الجمع العرفي بينهما هو ما ذكرناه؛ ولكن مع ذلك، فإنَّ الأحوط وجوباً ذِكْرها في الخطبة الأُولى أيضاً، وذلك للإجماع المتقدِّم، فإنَّ الإجماع المنقول بخبر الواحد وإن لم يكن حجَّةً، ولكن نحتاط في قباله، والله العالم.
أما الوعظ، فيأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] وسائل الشيعة: باب 24 و 25 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، ح1 و 2.
[2] وسائل الشيعة: باب 25 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، ح1.
[3] وسائل الشيعة: باب 25 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، ح6.
[4] تذكرة الفقهاء: ج4، ص65.
[5] نهاية الأحكام: ج2، ص33.
[6] كشف اللثام: ج4، ص250.
[7] مدارك الأحكام: ج4، شرح ص32.
[8] جواهر الكلام: ج11، ص209.