الدرس378 _القيام في الصلاة 19
(2) يستفاد ذلك ونحوه من عدة أخبار:
منها: صحيحة أبان ومعاوية بن وهب قال: قال أبو عبد الله N: إذا قمتَ إلى الصَّلاة فقل: (اللَّهمَّ إنّي أُقدّم إليك محمّداً C بين يدي حاجتي وأتوجّه به إليك، فاجعلني به وجيهاً عندك في الدّنيا والآخرة، ومن المقرّبين، واجعل صلاتي به مقبولةً، وذنبي به مغفوراً، ودعائي به مستجاباً، إنّك أنت الغفور الرّحيم)[i]f678.
ومنها: مرسلة عليّ بن النعمان عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله N (قال: كان أمير المؤمنين N يقول: مَنْ قال هذا القول كان مع محمَّد وآل محمَّد إذا قام من قبل أن يستفتحِ الصَّلاة: اللَّهمَّ إنّي أتوجّه إليك بمحمّد وآل محمّد، وأُقدّمهم بين يدي صلاتي، وأتقرّب بهم إليك، فاجعلني بهم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين، مننت عليّ بمعرفتهم، فاختم لي بطاعتهم ومعرفتهم وولايتهم، فإنّها السّعادة، اختم لي بها فإنَّك على كلّ شيءٍ قدير)، ثمّ تصلّي، فإذا انصرفت قلت: (اللَّهمَّ اجعلني مع محمّد وآل محمّد في كلّ عافيةٍ وبلاءٍ، واجعلني مع محمّد وآل محمّد في كلّ مثوى ومنقلب، اللَّهمَّ اجعل محياي محياهم ومماتي مماتهم، واجعلني معهم في المواطن كلّها، ولا تفرّق بيني وبينهم أبداً، إنّك على كلّ شيءٍ قدير)[ii]f679، ولكنّها ضعيفة بالإرسال.
(1) ما ذكره المصنِّف R مستفاد من جملة من الرِّوايات:
منها: صحيحة حمَّاد بن عيسى «قَالَ قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ الله N يَوْماً: (يَا حَمَّادُ!) تُحْسِنُ أَنْ تُصَلِّيَ يا حمّاد؟ قَالَ: فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي! أَنَا أَحْفَظُ كِتَابَ حَرِيزٍ فِي الصَّلَاةِ، َقَالَ: فقال N: لَا عَلَيْكَ، (يَا حَمَّادُ!) قُمْ (فَصَلِّ) صلّ، قَالَ: فَقُمْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ مُتَوَجِّهاً إِلَى الْقِبْلَةِ، فَاسْتَفْتَحْتُ الصَّلَاةَ، ورَكَعْتُ وَسَجَدْتُ، فَقَالَ N: يَا حَمَّادُ! لَا تُحْسِنُ أَنْ تُصَلِّيَ ، مَا أَقْبَحَ بِالرَّجُلِ (مِنْكُمْ)، يَأْتِي عَلَيْهِ سِتُّونَ سَنَةً، أَوْ سَبْعُونَ سَنَةً، فما يُقِيمُ صَلَاةً وَاحِدَةً بِحُدُودِهَا تَامَّةً!، قَالَ حَمَّادٌ: فَأَصَابَنِي فِي نَفْسِي الذُّلُّ، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ! فَعَلِّمْنِي الصَّلَاةَ، فَقَامَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ N مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ مُنْتَصِباً، فَأَرْسَلَ يَدَيْهِ جَمِيعاً عَلَى فَخِذَيْهِ قَدْ ضَمَّ أَصَابِعَهُ، وَقَرَّبَ بَيْنَ قَدَمَيْهِ حَتَّى كَانَ بَيْنَهُمَا ثلاثة (قَدْرُ ثَلَاثِ) أَصَابِعَ مفرجات (مُنْفَرِجَاتٍ)، وَاسْتَقْبَلَ بِأَصَابِعِ رِجْلَيْهِ (جَمِيعاً الْقِبْلَةَ) لَمْ يُحَرِّفْهَا عَنِ الْقِبْلَةِ بخشوع واستكانة...»[iii]f680، إلى آخر الصحيحة المشتملة على كثير من آداب الصَّلاة ومستحبّاتها.
ثمَّ لا يخفى عليك أنَّ إنكار الصَّادق N على حمَّاد صلاته وتعليمه إنَّما هو بالنسبة إلى سنن الصَّلاة وآدابها، لا بالنسبة إلى واجباتها، وإلاَّ لأمره بقضاء ما مضى من صلاته.
ويؤيِّد ما ذكرناه: ما قاله المصنِّف R في الذكرى: «قلت: الظَّاهر أنَّ صلاة حماد كانت مسقطةً للقضاء، وإلاَّ لأمره بقضائها، ولكنَّه عدل به إلى الصَّلاة التامَّة، كما قال، فلا يقيم صلاةً واحدةً بحدودها تامَّة».
ومنها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر N «قال: إذا قمتَ في الصَّلاةِ فلا تلصقْ قدمَك بالأخرى، دعْ بينهما فصلاً إصبعاً أقلّ ذلك إلى شبر أكثره، وأسدل منكبيك، وأرسل يديك، ولا تشبّك أصابعك، وليكونا على فخذيك قبالة ركبتيك، وَلْيكن نظرك إلى موضع سجودك، فإذا ركعت فصفّ في ركوعك بين قدميك تجعل بينهما قدر شبر، وتمكّن راحتيك من ركبتيك إلى أن قال: وَلْيكن نظرك إلى بين قدميك...»[iv]f681، إلى آخر الصَّحيحة المشتملة على كثير من الآداب والمستحبّات.
واللافت للنظر في هاتين الصّحيحتين أنه ورد في صحيحة حمّاد بن عيسى في الرّكوع: «وغمّض عينيه N»، وفي صحيحة زرارة قال: في الرّكوع: «وَلْيكن نظرك إلى ما بين قدميك».
وأجاب المصنِّف R في الذكرى عن ذلك بقوله: «و (غمّض عينيه) لا ينافيه ما اشتهر بين الأصحاب من استحباب نظره إلى ما بين قدميه كما دل عليه حديث زرارة، لأنَّ النَّاظر إلى ما بين قدميه تَقْرب صورته من صورة المغمّض، والشَّيخ قال في النهاية: وغمّض عينيك، فإنْ لم تفعل فَلْيكن نظرك إلى ما بين رجليك، فأراد بالتغميض معناه الحقيقي...»، ولا بأس بما ذكره المصنِّف R من أنَّ المراد التغميض المجازي لا الحقيقي، جمعاً بين الأخبار.
وممَّا يدلّ على استحباب الإقبال بالقلب على الله عز وجل صحيحة زرارة الثانية عن أبي جعفر N «قال: إذا قمتَ إلى الصَّلاة فعليك بالإقبال على صلاتك، فإنّما (يحسب) لك منها ما أقبلت عليه، ولا تعبث فيها بيديك ولا برأسك ولا بلحيتك، ولا تحدِّث نفسك إلى أن قال: ولا تقم إلى الصَّلاة متكاسلاً ولا متناعساً ولا متثاقلاً، فإنَّها من خلال النفاق، فإنَّ الله سبحانه نهى المؤمنين أن يقوموا إلى الصَّلاة وهم سكارى، يعني سكر النوم، وقال للمنافقين: « وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلا ﴾ ]النساء: 142[»[v]f682.
ويؤيِّد ما ذكره المصنِّف R هنا: ما هو مذكور في الفِقه الرَّضوي، قال: «فإذا أردت أن تقوم إلى الصَّلاة، فلا تقم إليها متكاسلاً ولا متناعساً ولا مستعجلاً ولا متلاهياً، ولكن تأتيها على السكون والوقار والتؤدة، وعليك الخشوع والخضوع، متواضعاً لله عزَّوجل متخاشعاً، عليك خشية، وسيماء الخوف، راجياً خائفاً بالطمأنينة على الوجل والحذر، فقف بين يديه كالعبد الآبق المذنب بين يدي مولاه، فصفّ قدميك، وانصب نفسك، ولا تلتفت يميناً وشمالاً، وتحسب كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك، ولا تعبث بلحيتك، ولا بشيء من جوارحك، ولا تفرقع أصابعك، ولا تحكّ بدنك، ولا تولع بأنفك، ولا بثوبك، ولا تصلّ وأنت متلثّم، ولا يجوز للنّساء الصّلاة وهنّ متنقبّات، ويكون بصرك في موضع سجودك ما دمت قائماً، وأظهر عليك الجزع والهلع والخوف، وارغب مع ذلك إلى الله عزَّ وجل، ولا تتكئ مرةً على إحدى رجليك ومرةً على الأخرى...»[vi]f683، وأسنده المصنِّف R في الذكرى إلى الشَّيخ الصَّدوق R.
وقد ذكرنا في أكثر من مناسبة أنَّ كتاب الفِقه الرَّضوي لم يثبت أنَّه للإمام N، بل لعلّ الثابت أنّه لوالد الشّيخ الصّدوق R، إلاّ ما كان فيه بعنوان (رُوي)، فتكون روايةً مرسلةً.
ويظهر من رواية ثالثة لزرارة عدم استحباب بعضها للمرأة، قال في الوسائل: «وبهذه الأسانيد عن حمّاد بن عيسى عن زرارة، قال: إذا قامت المرأة في الصّلاة جمعت بين قدميها، ولا تفرج بينهما، وتضمّ يديها إلى صدرها لمكان ثدييها، فإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها لئلاّ تطأطئ كثيراً، فترتفع عجيزتها، فإذا جلست فعلى أليتيها، ليس كما يجلس الرّجل، وإذا سقطت للسّجود بدأت بالقعود، وبالرّكبتين قبل اليدين...»[vii]f684.
وهذه الرّواية بطريق الكليني والشَّيخ موقوفة على زرارة، ولكنَّ الشيخ الصَّدوق R في العِلل أسندها إلى أبي جعفر N، فتكون صحيحة، والله العالم بحقائق أحكامه.
[i] الوسائل باب 15 من أبواب القيام ح3.
[ii] الوسائل باب 15 من أبواب القيام ح2.
[iii] الوسائل باب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح1.
[iv] الوسائل باب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح3.
[v] الوسائل باب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح5.
[vi] الفقه الرضوي: باب الصلوات المفروضة.
[vii] الوسائل باب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح4.