الدرس46 _اوقات الفرائض والنوافل 26
ومنها: مرسلة داود بن فَرْقد عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام «قال: إذا غابتِ الشَّمسُ فقد دخل وقت المغرب، حتَّى يمضي مقدار ما يصلِّي المصلِّي ثلاث ركعات، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب، والعشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدارُ ما يصلّي المصلّي أربع ركعات، وإذا بقي مقدارُ ذلك فقد خرج وقت المغرب، وبقي وقت العشاء إلى انتصاف الليل»[i]f256، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال، إلاَّ أنَّها واضحة جدّاً، بل نصّ في المطلوب.
وقد يستدلّ أيضاً: بما دل من الأخبار على امتداد العشاء الآخرة إلى منتصف الليل، إذ لم يقل أحد بامتداد وقت العشاء اختياراً إلى ذلك، دون المغرب.
وقد يستدلّ أيضاً: بما ورد من النصوص الظاهرة في جواز تأخير المغرب عن الشفق اختياراً، ولبعض الأعذار التي لا يصلح تأخير الواجب عن وقته لأجلها متمّماً بأنَّه متى ثبت ذلك ثبت إلى النصف، إذ لا قائل بجواز تأخيره عن الشفق اختياراً، وعدم امتداده إلى منتصف الليل.
ومن جملة الأخبار الظاهرة في جواز تأخير المغرب عن الشَّفَق، لبعض الأعذار التي لا يصلح تأخير الواجب عن وقته لأجلها: صحيحة عمر بن يزيد «قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أكون في جانب المصر فتحضرُ المغربُ، وأنا أريد المنزلَ، فإن أخَّرت الصَّلاة حتَّى أصلِّي في المنزل كان أمكن لي، وأدركني المساء، أفأفصلّي في بعض المساجد؟ فقال: صلّ في منزلك»[ii]f257، وهي دالَّة بإطلاقها على جواز تأخير المغرب اختياراً إلى أن يغيب الشَّفَق، ومتى ثبت ذلك وجب القول بامتداده إلى النصف، لعدم القول بالفصل.
والرواية صحيحة، لأنَّ محمَّد بن أبي عمير رواها عن محمَّد بن يونس، وعلي الصيرفي، ومحمَّد بن يونس ثقة.
نعم، عليّ الصيرفي: مجهول الحال، إلا أنَّ وجوده في السند غير مضرّ.
ومن جملة الروايات الدَّالة على جواز تأخير المغرب عن الشَّفق اختِيَاراً: رواية داود الصرمي «قال: كنتُ عند أبي الحسن الثالث عليه السلام يوماً، فجلس يحدِّث حتَّى غابتِ الشَّمسُ، ثمَّ دعا بشمعٍ، وهو جالس يتحدَّث، فلمَّا خرجت من البيت نظرتُ وقد غابَ الشَّفَقُ قبل أن يصلِّي المغرب، ثمَّ دعا بالماء فتوضَّأ، وصلَّى»[iii]f258.
وجه الاستدلال: أنَّه إذا جاز التأخير اختياراً عن الشفق جاز إلى منتصف الليل، لعدم القول بالفصل، ولكنَّ الرواية ضعيفة سنداً، ودلالةً:
أمَّا سنداً: فلِعدم وثاقة داود الصرمي.
وأمَّا دلالة: فلأن فعل الإمام عليه السلام مجمل، فلعلّ التأخير كان لعُذْرٍ.
وأمَّا ما عن الخلاف من انتهاء وقتها مطلقاً بذهاب الشفق فقد يُستدلّ له ببعض الأخبار:
منها: صحيحة زُرَارَةَ والْفُضَيْلِ «قَالا: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: إِنَّ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَقْتَيْنِ، غَيْرَ الْمَغْرِبِ، فَإِنَّ وَقْتَهَا وَاحِدٌ، ووَقْتُهَا وُجُوبُهَا، ووَقْتُ فَوْتِهَا سُقُوطُ الشَّفَقِ»[iv]f259، والشاهد: هو قوله: «ووقت فوتها سقوط الشفق».
وأمَّا قوله عليه السلام في الصدر: «إِنَّ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَقْتَيْنِ، غَيْرَ الْمَغْرِبِ، فَإِنَّ وَقْتَهَا وَاحِدٌ» فقد ورد نظيره في عدةِ أخبارٍ، منها: صحيحة زَيْدٍ الشَّحَّامِ «قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله عليه السلام عَنْ وَقْتِ الْمَغْرِبِ، فَقَالَ: إِنَّ جَبْرَئِيلَ عليه السلام أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله لِكُلِّ صَلَاةٍ بِوَقْتَيْنِ، غَيْرَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، فَإِنَّ وَقْتَهَا وَاحِدٌ، وإنَّ وَقْتَهَا وُجُوبُهَا»[v]f260 : فيمكنُ حملها على أنّ المراد أنَّ آخر وقتها سقوط الشَّفَق.
ويمكن حملها: على ما ذكره الأصحاب في المبحث السابق، وهو أنَّ لكلِّ صلاة وقتَيْن، حيث حكى ابن البرَّاج عن بعض الأصحاب قولاً: بأنَّ المغربَ وقتُها واحدٌ عند غروب الشَّمس، وذكروا هذه الروايات الدَّالة على ذلك، قال صاحب الجواهر: «إلاَّ أنَّه قول نادر بين الطائفة، مجهول القائل، يجب على الفقيه طرحه، وعدم الالتفات إليه، إن أراد باتحاد وقتها عدم وقت آخر لها في جميع الأحوال الاختيارية، والاضطرارية إلى أن قال: بل، وكذا إن أراد بالاتحاد المذكور عدمَ اتِّساع الوقت الأوَّل الذي هو للفضيلة، أو للمختار، وأنَّه ليس إلاَّ مقدار أدائها من أوَّل الغروب...».
أقول: الأفضل أن تُحمل هذه العبارة وهي «إِنَّ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَقْتَيْنِ، غَيْرَ الْمَغْرِبِ، فَإِنَّ وَقْتَهَا وَاحِدٌ» على أنَّ المراد: أنَّ باقي الصلوات كالظهرين، والفجر لها وقت للنافلة، وهو أوَّل دخول الوقت، وبعده يكون الوقت للفريضة، إلاَّ المغرب، حيث إنَّ نافلتها بعد الفريضة، وأمَّا صلاة العشاء، فلِأنَّ وقتها، وإن كان يدخل بالغروب، ونافلتها بعدها، إلاَّ أنَّ الأفضل أنَّ تؤخَّر بعد صلاة المغرب بمقدارِ أربعِ ركعاتٍ نافلة المغرب.
والتأمُّل في بعض الأخبار الواردة في المقام يؤيِّد ما ذكرناه.
والخلاصة: أنَّ الأقوى في الاستدلال لِمَا ذكره الشيخ في الخلاف هو ما ذكر في ذَيْل صحيحة زرارة والفُضَيل: «وَوَقْتَ فَوْتِهَا سُقُوطُ الشَّفَقِ».
واستدلّ له أيضاً: بصحيحة بكر بن محمَّد عن أبي عبد الله عليه السلام «أنَّه سأله سائل عن وقت المغرب، فقال: إنَّ الله يقولُ في كتابه لإبراهيم: «فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَـذَا رَبِّي »، فهذا أوَّل الوقت، وآخر ذلك غيبوبة الشَّفَق...»[vi]f261؛ وبموثَّقة إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام «قالَ: سألتُه عن وقتِ المغربِ، قال: ما بين غروب الشَّمس إلى سقوط الشَّفَق»[vii]f262.
والإنصاف: أنَّ هذه الرواياتِ محمولة على وقت الفضيلة، فالمراد بقوله عليه السلام في ذَيْل صحيحة زرارة والفضيل المتقدِّمة: «وَوَقْتَ فَوْتِهَا سُقُوطُ الشَّفَقِ» أي: فوت الفضيلة، وكذا في صحيحة بكر بن محمد، فقوله: «وآخر ذلك غيبوبة الشَّفَق» أي: آخر الفضيلة، وهكذا غيرها.
وأمَّا الوجه في الحمل على ما ذكرناه: فهو للروايات المستفيضة، أو المتواترة، الدَّالة على صحَّة فعلها اختياراً بعد الوقت المزبور.
وأمَّا ما ذكره الشيخ في أكثر كتبه من أنَّ آخره غيبوبة الشفق المغربي للمختار، وربع الليل مع الاضطرار وبه قال ابن حمزة، وأبو الصَّلاح الحلبي فقد يُستدلّ لهم بخبر عمر بن يزيد «قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أكونُ مع هؤلاءِ، وأنصرفُ من عندهم عند المغرب، فأمرّ بالمساجد فأقيمت الصَّلاة، فإن أنا نزلتُ أصلِّي معهم لم أستمكن (أتمكن خ ل) من الأذان والإقامة، وافتتاح الصَّلاة، فقال: إتتِ منزلك وانزع ثيابك، وإن أردت أن تتوضَّأ فتوضَّأ، وصلِّ، فإنَّك في وقتٍ إلى ربع الليل»[viii]f263.
[i] الوسائل باب 17 من أبواب المواقيت ح4.
[ii] الوسائل باب 19 من أبواب المواقيت ح14.
[iii] الوسائل باب 19 من أبواب المواقيت ح10.
[iv] الوسائل باب 18 من أبواب المواقيت ح2.
[v] الوسائل باب 18 من أبواب المواقيت ح1.
[vi] الوسائل باب 16 من أبواب المواقيت ح6.
[vii] الوسائل باب 16 من أبواب المواقيت ح29.
[viii] الوسائل باب 19 من أبواب المواقيت ح11.