الدرس 195 _زكاة الفِطرة 28
ومنها: رواية إسحاق بن المبارك في حديث «قَاْل: سألتُ أبا إبراهيم (عليه السلام) عن صدقة الفِطْرة، أُعطيها غير أهل الولاية من هذا (هؤلاء) الجيران؟ قَاْل: نعم، الجيران أحقُّ بها»([1])، وهي ضعيفة بعدم وثاقة إسحاق بن المبارك.
ومنها: موثَّقة إسحاق بن عمَّار عن أبي إبراهيم (عليه السلام) « قَاْل: سألتُه عن صدقة الفِطْرة، أُعطيها غير أهل ولايتي من فقراء جيراني؟ قَاْل: نعم، الجيران أحقُّ بها، لمكان الشُّهرة»([2]).
ولكن لا يخفى عليك أنَّ هذه الموثَّقة محمولةٌ على التَّقيّة؛ لقوله (عليه السلام): «لمكان الشُّهرة»، أي لئلاَّ يُعرف بأنَّه مؤمن إذا لم يُعطهم، فتكون خارجةً عن محلِّ الكلام.
الطَّائفة الثَّالثة: الدَّالّة على جواز إعطائهم إذا لم يجد المؤمن، وبها نرفع اليد عن إطلاق الرِّوايات في الطَّائفتَيْن المتقدِّمتَيْن:
منها بل هي العمدة : موثَّقة الفُضَيل المتقدِّمة عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَاْل: كان جدِّي (ص) يُعطِي فطرته الضَّعفة، ومَنْ لا يجد، ومَنْ لا يتولَّى، قَاْل: وقال أبو عبد الله (عليه السلام): هي لأهلها إلاَّ أن لا تجدهم، فإن لم تجدهم فلمَنْ لا ينصب، ولا تنقل من أرض إلى أرض...»([3])، فهذه الموثَّقة تقيّد الرِّوايات المتقدِّمة.
وتصبح النَّتيجة: أنَّه يجوز إعطاؤها للمخالِف الَّذي لا ينصب العداء، إذا لم يُوجد المؤمن.
وأمَّا رواية مالك الجهنيّ «قَاْل: سألتُ أبا جعفر (عليه السلام) عن زكاة الفِطْرة، فقال: تُعطيها المسلمين، فإنْ لم تجد مسلماً فمستضعفاً، وأعطِ ذا قرابتك منها إن شئت»([4]).
فهي أوَّلاً: ضعيفة بعدم وثاقة مالك الجهنيّ، ووجوده في كامل الزِّيارات لا ينفع؛ لأنَّه ليس من مشايخه المباشرين.
وثانياً: أنَّه لا يمكن العمل بظاهرها؛ لأنَّها ظاهرة في جواز الإعطاء للمستضعف الكافر إذا لم يُوجد المسلم، وهو غيرُ ممكنٍ.
اللَّهمّ إلاَّ أن يُحمل المسلم هنا على المؤمن، فيبقى الإشكال السَّنديّ، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويستحبُّ اختصاص القرابة والجيران مع الصِّفات(1)
(1) في المدارك: «لا ريب في استحباب تخصيص الأقارب بها، ثمَّ الجيران مع الاستحقاق...».
أقول: يدلُّ على ذلك مضافاً إلى التَّسالم بينهم جملة من الرِّوايات:
منها: معتبرة السُّكونيّ عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَاْل: سُئل رسول الله (ص): أيّ الصَّدقة أفضل؟ قَاْل: على ذي الرَّحم الكاشِح»([5])، الكاشِح: الَّذي يُضمر لك العداوة.
ومنها: مرسلة الصَّدوق في الفقيه «قَاْل: قَاْل (عليه السلام): لا صدقةَ وذو رحمٍ محتاج»([6])، أي: لا صدقة كاملة، وهي ضعيفة بالإرسال.
ومنها: صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَاْل: سُئِل عن الصَّدقة على مَنْ يسأل على الأبواب، أو يمسك ذلك عنهم ويُعطيه ذوي قرابته؟ قَاْل: لا، بل يبعث بها إلى مَنْ بينه وبينه قرابة، فهذا أعظم للأجر»([7])، وكذا غيرها مما سنذكره إن شاء الله تعالى قريباً في باب الصَّدقة.
وأمَّا بالنِّسبة لاستحباب اختصاص الجيران بها، فيدلّ عليه جملة من الرِّوايات:
منها: موثقة إسحاق بن عمَّار «قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الفطرة، فقال: الجيران أحقُّ بها...»([8]).
ومنها: رواية إسحاق بن المبارك المتقدِّمة أيضاً في حديث «قَاْل: سألتُ أبا إبراهيم (عليه السلام) عن صدقة الفِطْرة إلى أن قال: نعم، الجيران أحقُّ بها»([9])، وهي ضعيفة بعدم وثاقة إسحاق بن المبارك، وكذا غيرها.
ولعلَّ الوجه في تقديم الأرحام على الجيران هو أنَّ علاقة القرابة أقوى من علاقة الجوار.
([1]) الوسائل باب 15 من أبواب زكاة الفطرة ح5.
([2]) الوسائل باب 15 من أبواب زكاة الفطرة ح2.
([3]) الوسائل باب 15 من أبواب زكاة الفطرة ح3.
([4]) الوسائل باب 15 من أبواب زكاة الفطرة ح1.
([5]) الوسائل باب 20 من أبواب الصدقة ح1.
([6]) الوسائل باب 20 من أبواب الصدقة ح4.
([7]) الوسائل باب 20 من أبواب الصدقة ح6.
([8]) الوسائل باب 9 من أبواب زكاة الفطرة ح10.
([9]) الوسائل باب 15 من أبواب زكاة الفطرة ح5.