الدرس 171 _زكاة الفِطرة 4
بقي في المقام شيء، وهو أنَّه لو تحرَّر من المملوك شيءٌ، فقد ذكر الأعلام أنَّ فِطرته عليه وعلى مولاه بالنِّسبة.
أقول: إذا عاله المولى في هذه الحالة، فلا إشكال في أنَّ الفِطْرة على مولاه المعيل؛ لأنَّ العيلولة كافية في الوجوب.
وعليه، فالكلام في صورة انتفاء العيلولة، فالمعروف بينهم أنَّه تجب الزَّكاة بالنِّسبة مع حصول باقي الشَّرائط، قال صاحب الجواهر (رحمه الله): «ضرورة عدم وجوب زكاة الجميع على المولى، لأصالة براءة ذمَّته بالنِّسبة إلى الجزء الحُرّ، كأصالة براءة ذمَّة المكاتب عنها بالنِّسبة إلى الجزء الرِّقّ بعد إطلاق الأدلَّة في كون زكاة المملوك على مولاه، فليس حينئذٍ إلاَّ كون الفِطْرة عليهما بالنِّسبة لاندراج حكم الجُزء في دليل حكم الكُلّ...».
وحكي عن الشيخ (رحمه الله) في المبسوط: «سقوط الزكاة عنه وعن المولى إذا لم يُعِلْهُ المولى، لأنه ليس بحرٍّ فيلزمه حكم نفسه، ولا هو مملوك فتجب زكاته على مالكه، لأنَّه قد تحرر بعضه، ولا هو في عيلولة مولاه فتلزمه فطرته لمكان العيلولة». قال صاحب المدارك (رحمه الله): بعد نقله لكلام الشيخ (رحمه الله) «ولا يخلو من قوة».
أقول: ما ذكره صاحب المدارك من كلام الشيخ (رحمهما الله) لا يُوجد فيه شيءٌ من القوَّة، كما ستعرف، كما أنَّ ما ذكره صاحب الجواهر (رحمه الله) ليس تامّاً.
وتوضيح ذلك: أننا إذا اخترنا ما ذهب إليه الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) من كون فطرة المكاتب عليه كما هو كذلك للصَّحيحة المتقدِّمة فالأمر هنا أوضح، أي الوجوب أولى لتحرُّر بعضه.
وأمَّا إذا لم نقبل به، فالوجوب حينئذٍ على المكاتب الَّذي تحرَّر بعضه؛ لإطلاقات أدلَّة وجوب الفطرة على كلِّ مكلَّفٍ، وتقييدها بالمملوك غير المكاتب لا يمنع من التّمسُّك بها في غيره وهو ما لو تحرَّر بعضه .
وعليه، فلا موجب للسُّقوط، كما أنَّه لا موجب للتَّوزيع عليه وعلى المولى بالنِّسبة؛ إذ لا دليل على وجوب ذلك على المولى إذا لم يكن معيلاً.
وما ذكره صاحب الجواهر (رحمه الله) من إطلاق الأدلة في كون زكاة المملوك على مولاه، فقد عرفت أنَّه في غير محله؛ إذ سياقها يشهد بأنَّ الزكاة على المولى لكونه معيلاً، لا مطلقاً، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: غير المغمى عليه(1)
(1) المعروف بين الأعلام أنَّه لا تجب الزَّكاة على مَنْ هلَّ عليه هلال شوال وهو مغمى عليه، قال في المدارك: «هذا الحكم مقطوعٌ به في كلام الأصحاب، وقد ذكره العلاَّمة وغيره مجرّداً عن الدَّليل، وهو مشكلٌ على إطلاقه، نعم لو كان الإغماء مستوعباً لوقت الوجوب اتَّجه ذلك». وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه أيضاً».
ثمَّ إنَّه أشكل على صاحب المدارك (رحمه الله): بأنَّ الدَّليل على عدم الوجوب موجودٌ، وهو أصل البراءة عن الوجوب فيما إذا أفاق في الأثناء؛ لأنَّ الأدلَّة ظاهرة في اعتبار حصول الشَّرائط عند الهلال، فلا عبرة بالبلوغ والإفاقة من الجنون والإغماء بعده؛ لأنَّ وقت الوجوب هو وقت رؤية الهلال، وأمَّا امتداد الوقت إلى صلاة العيد أو إلى الزَّوال فهو من جهة الأداء والإخراج، وليس امتداداً لوقت الوجوب.
أقول: لا يوجد ما يدلّ على أنَّ عدم الإغماء عند الهلال من الشَّرائط إلاَّ التَّسالم المدَّعى، ولو فرضنا عدم ثبوت هذا التَّسالم، فيكفي حينئذٍ في الوجوب الإفاقة بعد الغروب، ولا معنى حينئذٍ لأصل البراءة.
والَّذي يهوِّن الخطب: أنَّ المسألة متفق عليها، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: المالك أحد نُصُب الزَّكاة، أو قوت سنته على الأقوى. ولا تجب على الفقير، خلافاً لابن الجنيد، وتجب على المكتسب قوت سنته إذا فضل عنه صاع(1)
(1) المعروف بين الأعلام: أنَّه يُشترط في وجوب زكاة الفطرة الغنى، فلا تجب على الفقير.
أقول: يقع الكلام في أمرَيْن:
الأوَّل: في اشتراط الغنى.
الثَّاني: فيما يتحقَّق به الغنى المقتضي لوجوب الزَّكاة.
أمَّا الأمر الأوَّل: قال صاحب المدارك (رحمه الله): «فذهب الأكثر إلى اشتراطه، بل قال العلاَّمة (رحمه الله) في المنتهى: إنَّه قول علمائنا أجمع، إلاَّ ابن الجنيد، وقال ابن الجنيد: تجب على مَنْ فضل عن مؤنته ومؤنة عياله ليومه وليلته صاع، وحكاه في الخلاف عن كثير من أصحابنا، والمعتمد الأوّل...».
وفي الجواهر تعليقاً على قول المحقِّق (رحمه الله): فلا تجب على الفقير : «للأصل والإجماع بقسمَيْه الَّذي لا يقدح في المحكيّ منه خلاف الأسكافي حيث أوجبها على مَنْ فضل على مؤونته ومؤونة عياله ليومه وليلته صاع فضلاً عن المحصّل منه، وإن حكاه في الخلاف عن كثير من علمائنا، إلاَّ أنَّا لم نتحقّقه، بل المتحقّق خلافه...».
أقول: قد يستدلّ لاشتراط الغنى بجملة من الأدلَّة:
منها: التَّسالم بين الأعلام قاطبةً، قديماً وحديثاً، وفي جميع الأعصار والأمصار، ولا تضر مخالفة ابن الجنيد (رحمه الله)، مع احتمال أن يكون مراده مؤونة يومه وليلته في مجموع السَّنة، فيكون موافقاً للأعلام، وأمَّا ما حكاه الشَّيخ (رحمه الله) في الخلاف فقد عرفت جوابه ممَّا ذكره صاحب الجواهر (رحمه الله).
والخلاصة: أنَّ هذا الدَّليل الأوَّل لاشتراط الغنى متينٌ.
ومنها: جملة من الرِّوايات بلغت حدّ الاستفاضة:
منها: صحيحة الحلبيّ عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: سُئِل عن رجل يأخذ من الزَّكاة عليه صدقة الفِطْرة؟ قال: لا»([1]).
والمراد بأخذ الزَّكاة: أخذها من حيث الفقر والمَسْكنة؛ لأنَّه المتبادر؛ إذِ الأصل في مصرف زكاة الفِطْرة هو الفقر والمَسْكنة.
وأمَّا أخذها من باب سهم الغارمين، أو سهم سبيل الله، أو ابن السَّبيل، ونحوها، فإنَّه وإن كان ممكناً، إلاَّ أنَّه غير متبادر من الصَّحيحة.
وعليه، فتدلّ على نفي الفِطرة عن الفقير.
ومنها: موثَّقة إسحاق بن عمَّار «قال: قلتُ لأبي إبراهيم (عليه السلام): على الرَّجل المحتاج صدقة الفطرة؟ قال: ليس عليه فطرة»([2])، والمراد من الرَّجل المحتاج: هو الرَّجل الفقير.
([1]) الوسائل باب 2 من أبواب زكاة الفطرة ح1.
([2]) الوسائل باب 2 من أبواب زكاة الفطرة ح6.