الدرس 134 _اوصاف المستحقين للزكاة 9
الدَّليل الثَّاني: إطلاق بعض نصوص المنع من إعطاء واجب النَّفقة الشَّامل لغير المنفق، كما في صحيحة عبد الرحمان بن الحجَّاج المتقدِّمة: «خمسة لا يعطون من الزَّكاة شيئاً ...»، وكما في رواية زيد الشَّحام المتقدِّمة أيضاً، حيث ورد فيها: «لا يُعطى الجدّ والجدَّة...».
وفيه مضافاً إلى ضعف رواية زيد الشَّحام بأبي جميلة أنَّ المراد منهما أنَّ المزكِّي لا يُعطي أباه ولا ولده ولا مملوكه...، وأنَّ المزكِّي لا يُعطي جدّه ولا جدّته.
وعليه، فالحكم مختصٌّ به، ولا يشمل غيره.
وبالجملة، فإنَّ دعوى الإطلاق ليست تامة.
ومن هنا ذهب جماعة كثيرة من الأعلام إلى الجواز: منهم العلاَّمة (رحمه الله) في جملة من كتبه غير التَّذكرة والمصنِّف (رحمه الله) هنا، وفي البيان، والمحقق الثَّاني (رحمه الله) في فوائد الشرائع، وصاحب المدارك (رحمه الله)، وصاحب الجواهر (رحمه الله). وهو مقتضى الإنصاف عندنا.
وقدِ استدلّ لذلك بدليلَيْن:
الأوَّل: أنَّ موضوع الزَّكاة هو الفقير، وهو حاصل في المقام، ومجرَّد لزوم الإنفاق عليه غيرُ كافٍ في صِدْق الغنى عليه؛ إذِ الغني مَنْ يملك مؤونته فعلاً أو قوَّة، وهو غير حاصل في المقام، ومجرَّد لزوم الإنفاق شرعاً لا يكفي في تحقُّق الغنى.
وعليه، فيندرج في إطلاق أدلّة دفع الزكاة إلى الفقير.
الدَّليل الثَّاني: صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج عن أبي الحسن الأوّل (عليه السلام) «قال: سألتُه عَنِ الرَّجل يكون أبوه أو عمُّه أو أخوه يكفيه مؤنته، أيأخذ من الزَّكاة فيتوسَّع به إن كانوا لا يُوسّعون عليه في كلِّ ما يحتاج إليه؟ فقال: لا بأس»([1]).
ولكن قد يُستشكل في دلالة هذه الصَّحيحة؛ لأنَّها ظاهرة في جواز الأخذ للتَّوسعة إذا كانوا لا يوسِّعون عليه، ومحلّ كلامنا في غير موارد التَّوسعة، وهو أخذ الزَّكاة للقوت.
وبالجملة، فإنَّ هذه الصَّحيحة لا تنهض دليلاً للمقام.
وعليه، فالدَّليل الأوَّل هو المتعيّن.
الأمر الثَّالث: المعروف بين الأعلام أنَّه لا يجوز للغير دفع الزَّكاة إلى زوجة المُوسر مع البذل؛ لأنَّ نفقتها كالعوض عن بضعها، ولذا يضمنها المنفق إذا لم يؤدِّها، بخلاف نفقة الوالد والولد، فالحكم بوجوب النَّفقة على الولد أو الوالد تكليف محض لا يستتبع الحكم الوضعيّ، بخلاف الزَّوجة، فإنَّها تملك النَّفقة في ذمَّة الزَّوج، بحيث لو لم يعطها يكون مديناً لها.
وعليه، فهي مالكة للنَّفقة، فلا تكون فقيرةً من هذه الجهة.
اللَّهمّ إلاَّ أن يُقال: إنَّها تملك عليه النَّفقة يوماً فيوماً، ومثله لا يخرجها عن حدِّ الفقر الَّذي هو عدم ملك مؤنة السَّنة.
وأمَّا إلحاقها بذي الصّنعة الَّذي يظهر من دليل منعه من الزَّكاة أنّ المراد من الفقير الفقير بالفعل أو القوَّة، وأنَّ ذا الصّنعة غنيّ بالقوَّة؛ باعتبار ما هو فيه من الاستعداد، فتكون الزَّوجة من أفراده.
فهو أوَّلاً: قياس.
وثانياً: أنَّه قياس مع الفارق بالدَّليل.
لذا، فإن كان هناك تسالم على عدم الجواز فبه، وإلاَّ فالأحوط وجوباً عدم تناولها للزَّكاة، مع كون الزَّوج مُوسراً وباذلاً.
وأمَّا مع امتناع الزَّوج عن الإنفاق، فمع إمكان إجباره على البذل فلا تتناول الزَّكاة أيضاً؛ لأنَّ الامتناع من الإنفاق مع إمكان الإجبار لا يُوجب انتفاء الغنى بالقوَّة بناءً على أنَّها غنيّة بالقوَّة، على خلاف في المسألة كامتناع المديون مع تمكن الدَّائن من إجباره على أداء دَينه.
نعم، مع صعوبة الإجبار، وعدم إقدام أمثالها عليه، يجوز دفع الزَّكاة إليها؛ هذا كلّه بالنِّسبة لنفقتها.
وأمَّا غير نفقتها، كما إذا كان عندها مَنْ تعوله من مملوك أو غيره، أو عليها دين، فيجوز لها تناول الزَّكاة من غير الزَّوج؛ لإطلاق الأدلة السالم عن المعارض، ووجوب نفقتها على الزَّوج لا يجعلها غنيَّةً بمعنى ملك مؤونة السَّنة لها ولمَنْ تعول، بل أشرنا سابقاً إلى جواز تناولها من الزَّوج المنفق من هذه الحيثيّة، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويجوز للزَّوجة إعطاء زوجها(1)
(1) المعروف بين الأعلام أنَّه يجوز للزَّوجة دَفْع زكاتها إلى الزَّوج مع استحقاقه وإن أنفق عليها منها؛ وذلك لإطلاق الأدلَّة، وانتفاء المانع؛ لأنَّ الممنوع هو دفع الزَّوج زكاته لزوجته الدَّائمة؛ باعتبار أنَّها واجبة النَّفقة ولازمة عليه، وهذا بخلاف العكس.
ونقل عن ابن بابويه (رحمه الله) المنع من إعطائه مطلقاً أي سواء أنفق عليها منها أم لا . وعن ابن الجنيد (رحمه الله) الجواز، لكن لا يُنفق عليه منها ولا على ولدها، ولكن لا دليل على ما ذكراه.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وإعطاء الزَّوجة المستمتع بها(2)
(2) المعروف بين الأعلام أنه يجوز دَفْع الزَّكاة إلى الزَّوجة المتمتع بها، سواء أكان المعطي هو الزَّوج أم غيره، وسواء أكان للإنفاق أم للتَّوسعة، وذلك لعدم وجوب نفقتها.
وحكي القول بالمنع عن بعض الأعلام لإطلاق بعض الروايات.
وفيه: أنَّه لو سُلِّم بوجود هذا الإطلاق، إلاَّ أنَّه مقيَّدٌ بصحيحة عبد الرَّحمان بن الحجَّاج المتقدِّمة، حيث ورد في الذَّيل: «وذلك أنَّهم عياله لازمون له»، فإنَّ التَّعليل بلزوم النَّفقة حاكمٌ على ذلك الإطلاق على فرض وجوده ، فيُقيَّد به، والله العالم.
([1]) الوسائل باب 11 من أبواب المستحقين للزكاة ح1.