الدرس34 _اوقات الفرائض والنوافل 14
والإنصاف: هو كما ذكره صاحب المدارك من حيث السند، إلاَّ أنَّ متنها قد يوجَّه ويخرج عن الاضطراب والتهافت، بحيث يمكن الاستشهاد به لمذهب الشيخ.
وحاصله: أنّه من المعلوم أنّ قامة كلّ إنسان سبعة أقدام بأقدامه، وثلاث أذرع ونصف بذراعه، فلذلك يعبّر عن السّبع بالقدم، وعن طول الشاخص الذي يقاس به الوقت بالقامة، وإن كان في غير الإنسان، وقد جرت العادة بأن تكون قامة الشاخص الذي يجعل مقياساً لمعرفة الوقت ذراعَا، وكان رحل رسول الله صلى الله عليه وآله الذي كان يقيس به الوقت أيضاً ذراعاً، فلأجل ذلك كثيراً ما يعبّر عن القامة بالذِّراع، وعن الذِّراع بالقامة، وربَّما يعبّر عن الظِلّ الباقي عند الزَّوال من الشاخص بالقامة أيضاً، وكأنَّه كان اصطلاحاً معهوداً، وبناء هذا الحديث على إرادة هذا المعنى، أي: الشاخص الذي هو ذراع.
وعليه، فاشتراك هذه الألفاظ بين هذه المعاني صار سبباً لاشتباه الأمر في المقام، وحينئذٍ فيكون مراد السائل: أنه ما معنى ما جاء في الحديث من تحديد أول وقتِ الظُّهر والعصر تارةً بصيرورة الظلّ قامة وقامتين، وأخرى بصيرورته ذراعاً وذراعَيْن، وأخرى قدماً وقدمَيْن. وجاء من هذا القبيل مرةً، ومن هذا أخرى، فكيف يصحّ التعبير عن شيءٍ واحدٍ بمعاني متعدِّدة؟ فأجاب عليه السلام: بأنّ المراد بالقامة التي يحدّد بها أوّل الوقت، التي هي بإزاء الذِّراع ليس قامة الشخص الذي هو شيء ثابت غير مختلف، بل المراد مقدار ظلّها الذي يبقى على الأرض عند الزوال، الذي يعبّر عنه بظلّ القامة، وهو يختلف بحسب الأزمنة والبلاد، مرةً يكثر، ومرة يقلّ، وإنّما يطلق عليه القامة في زمان يكون مقداره ذراعاً فإذا زاد الفيء أعني: الذي يزيد من الظل بعد الزوال بمقدار ذراعٍ حتّى صار مساوياً للظلّ فهو أوّل وقت الظهر، وإذا زاد ذراعَيْن فهو أوّل وقت العصْر.
وأما قوله عليه السلام: «فإذا كان ظلّ القامة أقلّ أو أكثر...»، فمعناه أنّ الوقت إنَّما يضبط حينئذٍ بالذراع والذراعين خاصَّة دون القامة والقامتَيْن، وأما التحديد ففي أكثر الأحاديث بالقدمين والأربعة، وهو مساوٍ للتحديد بالذِّراع والذِّراعين، وما جاء نادراً بالقدم والقدمين فإنَّما أُرِيد به تخفيف النافلة، وتعجيل الفريضة، طلباً لفضل أوّل الوقت فأوّل.
وعليه، فيمكن أن لا يكون في المرسلة إجمال، ولا اضطراب، ولا تهافت، وهي دالّة على مذهب الشيخ، ولكن بزمانٍ خاصٍّ، ومخاطب مخصوصٍ، فهي دالّة على مذهبه بشكل جزئيّ فقط.
والذي يهوِّن الخطب: أنَّها ضعيفة معرَض عنها عند الأصحاب، والله العالم بحقائق أحكامه.
(1) الروايات الواردة في ذلك كثيرة جدّاً، أمَّا الأخبار الدَّالة على انتهاء وقت الفضيلة بالقدمَيْن والأربعة أقدام:
فمنها: صحيح الفُضَلاء المتقدّم عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام «أنَّهما قالَا: وقتُ الظّهرِ بعد الزَّوال قدمان، ووقتُ العصر بعد ذلك قدمان»[i]f197.
ومنها: رواية محمَّد بن الفرج «قال: كتبتُ أسأل عن أوقاتِ الصَّلاة، فأجاب: إذا زالتِ الشَّمسُ فصلِّ سبّحتك، وأُحبّ أن يكون فراغك من الفريضة والشَّمس على قدمين، ثمّ صلّ سبّحتك، وأُحبّ أن يكون فراغك من العصر والشَّمس على أربعة أقدام، فإن عجَّل بك أمرٌ فابدأ بالفريضتَيْن، واقضِ بعدهما النوافلَ، فإذا طلع الفجر فصلّ الفريضة، ثمَّ اقضِ بعدُ ما شِئْتَ»[ii]f198، ولكنّها ضعيفة بجهالة كلّ مَنْ موسى بن جعفر، وميمون بن يوسف النخّاس ، مضافاً إلى كون المكتوب إليه مجهولاً، إذ لا قرينة على كونه المعصوم عليه السلام.
وأمَّا ما دلّ على الذِّراع فعدّة أخبارٍ أيضاً، منها: موثَّقة عبيد بن زرارة «قال: سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن أفضل وقت الظُّهر، قال: ذراع بعد الزَّوال، قال: قلت: في الشتاء والصيف سواء؟ قال: نعم»[iii]f199، وهي موثَّقة، لأنّ الميثمي الواقع في السند مردَّد بين أحمد بن الحسن، ويعقوب بن شعيب، وعلي بن إسماعيل بن شعيب وكلهم ثقات.
ويظهر من بعض الأخبار أنَّ مبدأ وقت الفضيلة بعد مضيّ ذراعٍ للظُّهر، وذراعَيْن للعصْر:
منها: صحيح زرارة المتقدّم عن أبي جعفر عليه السلام «قال: سألته عن وقت الظهر فقال: ذراعٌ من زوال الشَّمسِ، ووقتُ العصْرِ ذراعان (ذراعاً) من وقت الظُّهر، فذاك أربعة أقدام من زوال الشَّمس، ثمّ قال: إنّ حائط مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله كانَ قامةً، وكان إذا مضى منه ذراعٌ صلَّى الظُّهرَ، وإذا مضى منه ذراعان صلَّى العصرَ، ثمَّ قال: أتدري لِمَ جُعِلَ الذراع والذراعان؟ قلت: لِمَ جَعِلَ ذلك، قال: لمكان النافلة...»[iv]f200، فإنّ صدره، وإن كان ظاهراً في بيان منتهى وقت الفضيلة، إلاَّ أنَّ ذَيْله، وهو قوله: «إذا مضى منه ذراع صلى...»، واضح جدّاً في أنَّ الذِّراع والذِّراعين مبدأ وقت الفضيلة.
ومنها: حسنة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث «قال: كانَ حائطُ مسجدِ رسول الله صلى الله عليه وآله قبل أن يظلَّل قامةً، وكان إذا كان الفيءُ ذراعاً وهو قدر مربض عنز صلَّى الظهر، فإذا كان ضعف ذلك صلَّى العصْر»[v]f201، وهي واضحة من حيث كونِ مبدأ وقت الفضيلة تحقّق الذِّراع.
وهناك أيضاً طائفة من الأخبار يظهر منها أنّ مبدأ وقت فضيلة صلاة الظُّهر بلوغ الظلّ قدماً بعد الزَّوال وصلاة العصر قدمَيْن:
منها: صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق المتقدمة «قال: سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن وقتِ الظَّهرِ، فقال: بعدَ الزَّوالِ بقدَمٍ، أو نحو ذلك، إلاَّ في يوم الجُمُعة، أو في السفرِ، فإنَّ وقتها حينَ تزولُ»[vi]f202.
ومنها: موثقة سعيد الأعرج عن أبي عبد الله عليه السلام: «قال: سألته عن وقت الظهر أهو إذا زالت الشمس؟ فقال: بعد الزوال بقدم، أو نحو ذلك، إلا في السفر أو يوم الجمعة، فإن وقتها إذا زالت»[vii]f203.
وأمَّا استثناء الجُمُعة والسفر: فلسقوط النافلة في السفر، وتقدُّمها على الزَّوال يوم الجمعة.
ومنها: موثَّقة ذَرِيْح المحاربي عن أبي عبد الله عليه السلام «قال: سألَ أبا عبد الله عليه السلام أناس، وأنا حاضر إلى أن قال: فقال بعض القوم: إنَّا نصلِّي الأُولى إذا كانت على قدَمَيْن، والعصْر على أربعةِ أقدامٍ، فقال أبو عبد الله عليه السلام: النصفُ من ذلك أحبُ إليَّ»[viii]f204.
[i] الوسائل باب 8 من أبواب المواقيت ح1.
[ii] الوسائل باب 8 من أبواب المواقيت ح31.
[iii] الوسائل باب 8 من أبواب المواقيت ح25.
[iv] الوسائل باب 8 من أبواب المواقيت ح3.
[v] الوسائل باب 8 من أبواب المواقيت ح7.
[vi] الوسائل باب 8 من أبواب المواقيت ح11.
[vii] الوسائل باب 8 من أبواب المواقيت ح17.
[viii] الوسائل باب 8 من أبواب المواقيت ح22.