الدرس27 _اوقات الفرائض والنوافل 7
هذا، وذكر بعضهم أنَّه ينعدم الظلّ في أطول أيام السنة بيومٍ تقريباً في مدينة الرسول صلى الله عليه وآله، وما قاربها في العرض، لمساواته للميل الأعظم، إلاَّ بدقائق لا تكاد تظهر للحسِّ.
ولكن لم نتحقّق من ذلك لِمَا ذكره بعض الأعلام من أنّ مدينة الرسول صلى الله عليه وآله تبعد عن خط الاستواء أكثر من ثلاثة وعشرين درجةً، والذي هو الميل الأعظم للشَّمس.
وعليه، فلا ينعدم فيها الظِلّ.
نعم، يتفق الانعدام في مكة المكرَّمة شرَّفها الله تعالى ، وما قاربها، في العرض قبل الانتهاء بستةٍ وعشرين يوماً، وبعده كذلك، لنقصان عرضها عن الميل الأعظم، فينعدم فيها حينئذٍ في يومَيْن: الأوَّل حال صعودها، والثاني: حال رجوعها، وكذا صنعاء ونحوها ممَّا كان عرضها أنقص من الميل الأعظم، إلاَّ أنّ اليومين فيها غيرهما في مكة قطعاً، لما بين البلدين من الاختلاف في العرض، وصنعاء أقرب إلى خط الاستواء، إذ تبعد عنه أربع عشرة درجةً، وأربعون دقيقةً.
وممَّا ذكرنا تعرف عدم صحَّة ما ذكره المصنِّف هنا وفي الذكرى، تبعاً للمحكيّ عن العلاَّمة من أنّه ينعدم الظِلّ في أطول أيام السنة في مكّة، وصنعاء، إذ قد عرفت أنّه ينعدم قبل الانتهاء بكثير خصوصاً في صنعاء لنقصان عرضهما عن الميل الأعظم للشَّمس، فكيف ينعدم الظلّ فيهما في ذلك اليوم؟!.
ثمَّ إنّ هذه العلامة لمعرفة زوال الشَّمس لا اختصاص لها بموضع دون موضع، بل هي مطَّرِدة في جميع الأماكن، وهي تامَّة النفع، يتساوى فيها العامي والعالم، إذ ليست هي إلاَّ وضع مقياس في الأرض بأيِّ طورٍ كان، وبها أيضاً يميَّز الوقت الذي يُشَكّ في كونه قبل الزوال، أو بعده، فإنَّه ينصب مقياسٌ، ويقدَّر ظلّه، ثمّ يصبر قليلاً، فإن نقص عن الأوّل علم بذلك: أنَّ الوقت لم يدخل، وإن زاد: استكشف به دخول الوقت.
ولكن الإنصاف: أنَّ هذه العلامة على حُسْنِها لا يمكن معرفة أوَّل الوقت على سبيل التحقيق بها، لأنَّ زيادة الظلّ بعد نقصانه، وإن كانت من لوازم أوَّل الوقت عقلاً، لكنَّ تمييزها حِسّاً يتوقَّف غالباً على مُضِيّ مقدارٍ معتدٍ به من الزوال.
ومهما يكن، فقد ورد التنبيه على هذه العلامة في بعض الأخبار:
منها: مرفوعة سماعة، حيث رواها الشيخ في التهذيب، بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى رفعه عن سماعة «قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك! متى وقت الصلاة؟ فأقبلَ يلتفتُ يميناً وشمالاً، كأنَّه يطلبُ شيئاً، فلمَّا رأيتُ ذلك تناولتُ عوداً فقلت: هذا تطلب؟ قال: نعم، فأخَذَ العود فنصب بحيال الشَّمس، ثمَّ قال: إنَّ الشَّمس إذا طلعت كان الفيءُ طويلاً، ثمَّ لا يزالُ ينقُص حتَّى تزول، فإذا زالت زادت، فإذا استبنت الزيادة فصلِّ الظُّهر، ثمَّ تمهّل قدر ذراع، وصلّ العصرَ»[i]f174، ولكنَّها ضعيفة بالرفع.
ومنها: رواية علي بن أبي حمزة «قالَ: ذُكِرَ عندَ أبي عبد الله عليه السلام زوال الشَّمس، قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام: تأخذون عوداً طوله ثلاثة أشبار، وإن زاد فهو أَبْين، فيُقام، فما دام ترى الظلّ ينقص، فلم تزل، فإذا زاد الظلّ بعد النقصان فقد زالتْ»[ii]f175، ولكنَّها ضعيفة بــــ عليّ بن أبي حمزة.
ومنها: مرسلة الصدُوق «وقال الصادق عليه السلام: تبيان زوال الشَّمس أن تأخذ عوداً طوله ذراع، وأربع أصابع، فتجعل أربع أصابع في الأرض، فإذا نقص الظلّ حتَّى يبلغ غايته، ثمَّ زاد فقد زالتِ الشَّمس، وتفتّح أبوابُ السماءِ، وتهبُّ الرياحُ، وتقضى الحوائج العظام»[iii]f176، وهي ضعيفة بالإرسال.
العلامة الثانية: هي معرفته بالأقدام، كما يدلّ عليه صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام «قال: تزولُ الشَّمس في النصفِ من حزيرانَ على نصفِ قدمٍ، وفي النصف من تموز على قدم ونصف، وفي النصفِ من آبَ على قدمَيْن ونصفٍ، وفي النصف من أيلولَ على ثلاثةِ أقدام ونصف، وفي النصف من تشرينَ الأوَّل على خمسة أقدام ونصف، وفي النصف من تشرينَ الآخر على سبعةٍ ونصف، وفي النصف من كانونَ الأوَّلِ على تسعة ونصف، وفي النصف من كانون الآخر على سبعة ونصف، وفي النصف من شباط على خمسة ونصف، وفي النصف من آذار على ثلاثة ونصف، وفي النصف من نيسان على قدمين ونصف، وفي النصف من أيار على قدم ونصف، وفي النصف من حزيران على نصف قدم»[iv]f177، وهذه الصحيحة رواها الشيخ الصدوق في الفقيه، وروها الشيخ أيضاً في التهذيب بطريق صحيح إلى عبد الله بن سنان.
ورواها الصدوق أيضاً في الخِصَال، إلاَّ أنَّها بهذا الطريق ضعيفة، لجهالة الحسن بن إسحاق التميمي، والحسن بن أخي الضبي.
هذا، وقد ذكر جماعة من الأعلام منهم العلاَّمة في المنتهى، والشيخ البهائي (رحمهما الله) أنَّ هذه الرواية مختصَّة بالعراق، وما قاربها، لأنَّ عرض البلاد العراقية يناسب ذلك، ولأنّ الرواي لهذا الحديث وهو عبد الله بن سنان عراقي، من أهل الكوفة.
وعن صاحب المنتقى والعلاَّمة في التذكرة (رحمهما الله): أنَّهما ذكرا أنَّ النظر والاعتبار يدلاّن على أنّ هذا مخصوص بالمدينة، ولا يخفى أنَّ هذا مبني على أن يكون عرض المدينة زائداً على الميل الأعظم، وعدمِ انعدام الظلّ فيه أصلاً، كما نقلنا ذلك سابقاً عن بعض الأعلام.
وقد توقف المحقِّق في المعتبر في هذه الرواية، لتضمنها نقصاناً عمَّا دلَّ عليه الاعتبار.
والإنصاف: أنَّ ما في الرواية تحديد تقريبيّ، فلا يتوجّه عليه الإشكال بأنَّ اختلاف الأشهر في ازدياد الظلّ ونقصانه تدريجيّ الحصول، فكيف جعل في الرواية ازدياده في ثلاثة أشهر الصيف: قدماً قدماً، وفي أشهر الخريف: قدمَيْن قدمَيْن، ونقصانه في الشتاء والربيع: بعكس ذلك؟! فإنَّ المقصود بالرواية بحسب الظاهر : بيان ما يُعرف به الزوال تقريباً، والتنبيه على اختلاف الظلِّ في الفصول الأربعة، وبيان مقدار التفاوت على سبيل الإجمال.