الدرس 704 _ صلاة الإستسقاء 5
[الخلاصة]
* في صلاة الاستسقاء.
* الكلام في: جواز صلاة الاستسقاء جماعة أو فرادى.
* الكلام في: استحباب الجهر بالقراءة فيها.
* اما انه يستحب للإمام أن يحول رداءه، فهذا ما يأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.
وقد روى الصَّدوق (رحمه الله) في الفقيه، قال: «وقال الصَّادق (عليه السلام): جارَ أصحاب فرعون إلى فرعون، فقالوا له: غارَ ماء النِّيل، وفيه هلاكنا، فقال: انصرفوا اليوم، فلمَّا كان من اللَّيل توسَّط النِّيل ورفع يديه إلى السَّماء، وقال: اللَّهمَّ إنَّك تعلم أنِّي أعلم أنَّه لا يقدر على أنْ يجيء بالماء إلَّا أنت فجئنا به؟ فأصبح النِّيل يتدفَّق».[1] ولكنَّها ضعيفة بالإرسال. قال العلَّامة (رحمه الله) في المنتهى: «فعلى هذه الرِّواية -أي الرِّواية التي ذكرناها عن أصحاب فرعون- لو خرجوا جاز أن لا يمنعوا لأنَّهم يطلبون أرزاقهم من الله تعالى، وقد ضمنهم لهم في الدُّنيا فلا يمنعون من طلبها، فلا تبعد إجابتهم، وقول مَنْ قال: إنَّهم ربَّما ظنُّوا أنَّ ما حصل من السُّقيا بدعائهم ضعيف، لأنَّه لا يبعد أن يتَّفق نزول الغيث يوم خروجهم بانفرادهم فيكون أعظم لفتنتهم» (انتهى كلامه).
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويقول المؤذِّن: الصَّلاة ثلاثاً*
المعروف بين الأعلام: أنَّه لا أَذان ولا إقامة لصلاة الاسْتِسْقاء، بل هو متسالم عليه بينهم، وقد دلَّت عليه أيضاً بعض الرِّوايات المتقدِّمة: كرواية مُرَّة مولى محمَّد بن خالد، ولكنَّها ضعيفة كما عرفت. وبالجملة، أنَّه لا ريب في المسألة.
وقد ذكروا أيضاً: أنَّه يقول بدلهما: الصَّلاة ثلاثاً.
قال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى: «أَذانها أن يقول: الصَّلاة -ثلاثاً- ويجوز النَّصْب بإضمار اِحضروا وشبهه، والرَّفع بإضمار مبتدأ أو خبر، كما سبق في العيد، وقال بعض العامة: يقول: الصَّلاة جامعة، ولا مانع منه» (انتهى كلامه).
ولا يخفى عليك: أنَّه لا يوجد في الأخبار المتقدِّمة ما يدلّ على ما ذكره الأعلام، فإنَّ لم يكن هناك تسالم عليه يُؤتى بذلك برجاء المطلوبيَّة، والله العالم.
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وتُصلَّى جماعةً ويجوز فرادًى*
قال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكْرَى: «وتجوز جماعةً وفرادًى، والجماعة أفضل لأنَّ الاجتماع على الدُّعاء قَمِنٌ بالإجابة، لقوله (صلى الله عليه وآله): مَنْ صلَّى صلاةً جماعةً، ثمَّ سأل الله حاجةً قُضَيت له، ولأنَّه (صلى الله عليه وآله) صلَاها جماعةً» (انتهى كلامه).
أقول: من المتَّفق عليه عند الكلّ أنَّه يجوز إتيانها جماعةً، والرِّواية التي ذَكَرها المصنِّف في الذِّكرى ذَكَرها المحقِّق (رحمه الله) في المعتبر، وهي ضعيفة بالإرسال.
وأمَّا جواز إتيانها فرادًى: فهو على القاعدة، إذ لا يوجد ما يدلّ على المنع، وقد عرفت أنَّ صلاة العيد المستحبَّة يجوز إتيانها فرادًى، وصلاة الاسْتِسْقاء هي كصلاة العيد، فلا إشكال من هذه الجهة.
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو في الأوقات الخمسة* أي الأوقات التي يكره ابتداءً النافلة فيها.
ثمَّ اعلم أنَّه اختلف الأعلام في وقت صلاة الاسْتِسْقاء:
صرَّح جماعة من الأعلام: أنَّ وقتها مثل وقت صلاة العيد، منهم الشَّهيد الثاني في الرَّوض، ومنهم المصنِّف (رحمه الله) في البيان، حيث قال: «ووقتُها وقتُ العيد» (انتهى كلامه).
ونقل المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى عن ظاهر كلام الأصحاب أنَّ وقتها وقت صلاة العيد، قال فيها: «ووقتُها وقتُ العيد في ظاهر كلام الأصحاب، وصرَّح ابن أبي عقيل بأنَّ الخروج في صدر النَّهار، وأبو الصَّلاح عند انبساط الشَّمس، وابن الجنيد بعد صلاة الفجر، والشَّيخان لم يعيِّنا وقتاً إلَّا أنَّهما حكما بمساواتها العيد، كما في رواية تعليم الصَّادق (عليه السّلام)، وقال في التذكرة: تُوقَع بعد الزَّوال، ونقله ابن عبد البرّ عن جماعة من العلماء» (انتهى كلامه).
والإنصاف: أنَّه يجوز في أيِّ وقت، إذ لا دليل على التخصيص بوقت معيَّن. وأمَّا إطلاق المماثلة في حسنة هشام المتقدِّمة عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «سألته عن صلاة الاسْتِسْقاء، فقال: مثل صلاة العيدَيْن ...».[2] فهو لا يشمل الوقت ونحوه من الأمور الخارجة عن الكيفيَّة القائمة بنفسها، وذلك لانصرافها عنه. فقول صاحب المدارك (رحمه الله): «ويستفاد من هذه الرِّواية -أي حسنة هشام- أنَّ هذه الصَّلاة مثل صلاة العيد كيفيَّةً ووقتاً وخطبةً» (انتهى كلامه). في غير محلِّه.
نعم: لا بأس أن يُؤتى بها في بعض الأزمنة الشَّريفة لأنَّها أرجى للإجابة. ولعلَّه لذا حُكي عن العلَّامة (رحمه الله) في التذكرة: «أنَّ الأقرب عندي إيقاعها بعد الزَّوال، لأنَّ ما بعد العصر أشرف» (انتهى كلامه).
ولكنْ نقل المصنِّف (رحمه الله) في البيان: أنَّ الإتيان بها بعد الزَّوال هو المشهور بين العامَّة. أقول: إذا كان الأمر كذلك فلا يكون الإتيان بها بعد الزَّوال أفضل، لأنَّ الله سبحانه وتعالى جَعَل الرُّشْد في خلافها، والله العالم بحقائق أحكامه.
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويجهر فيها بالقراءة*
المعروف بين الأعلام: أنَّه يستحبّ الجهر بالقراءة فيها وبالقنوت.
أمَّا الجهر بالقراءة: فقد ورد في جملة من الرِّوايات السَّابقة، لكنَّ الرِّوايات الوارد الجهر بالقراءة فيها ضعيفة السَّند.
وأمَّا الجهر بالقنوت: فلعلَّه للمشابهة في صلاة العيدين؛ ومن هنا أيضاً يستدلّ للجهر بالقراءة لمشابهتها لصلاة العيدين.
([1]) من لا يحضره الفقيه: ج1، ص334، رقم: 1502.
([2]) وسائل الشيعة: باب 1 من أبواب صلاة الاستسقاء، ح1.