وأجاب عن ذلك بعض الأعلام: بأنَّ هذه الرواية مختصَّة بوقتِ الصَيْف، لمراعاة التبريد عند اشتداد الحرّ، فيكون التأخير لهذا الوقت لأجل الإقبال على الصَّلاة، إذ إتيانها قبل هذا الوقت يكون تضييعاً لها، لعدم الإقبال عند اشتداد الحر.
وفيه: أنَّ هذا الكلام، وإن كان لا بأس به، إلاَّ أنَّه خلاف ما ذهب إليه المشهور من عدم الفرق بين فصل الصيف والشتاء، بل ذكر القاسم بن عروة في رواية ابن بكير: «أنه لم أسمع أحداً من أصحابنا يفعل ذلك غير زرارة وغير ابن بكير».
والرواية هكذا: روى محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي في كتاب الرجال عن حمدويه عن محمد بن عيسى عن القاسم بن عروة عن ابن بكير «قال: دَخَلَ زرارة على أبي عبد الله عليه السلام فقال: إنَّكم قلتم لنا: في الظُّهر والعصر على ذراعٍ وذراعَيْن، ثمَّ قلتم: أبردوا بها في الصَيْف، فكيف الإبراد بها؟، وفتح ألواحه لِيَكتب ما يقول، فلمْ يجبه أبو عبد الله عليه السلام بشيءٍ، فأطبق ألواحه، وقال: إنَّما علينا أن نسألكم، وأنتم أعلم بما عليكم، وخرج. ودخل أبو بصير على أبي عبد الله عليه السلام فقال: إنَّ زرارةَ سألني عن شيء فلم أجبه، وقد ضِقتُ من ذلك، فاذهب أنت رسولي إليه، فقل: صلِّ الظُّهر في الصيف إذا كان ظلّك مثلك، والعصر إذا كان مثلَيْك، وكان زرارة هكذا يصلِّي في الصيف، ولم أسمع أحداً من أصحابنا يفعل ذلك غيره، وغير ابن بكير»[i]f210، ولكنَّها ضعيفة لعدم وثاقة القاسم بن عروة.
وخالفها خبر محمَّد بن حكيم[ii]f211 حيث صرّح بعدم الفرق بين الصيف والشتاء.
ولكنّه ضعيفة لعدم وثاقة محمّد بن حكيم.
وبالجملة: فإنّ الأخبار السابقة، وإن كانت مطلقةً من حيث وقت الصيف والشتاء، إلاَّ أنَّه لا بأس بالعمل بموثَّقة زرارة في موردها، والله العالم.
(1) تقدَّم الكلام عنه مفصَّلاً عند قول المصنِّف سابقاً: «فوقت الظُّهر زوال الشَّمس»، فراجع إن شِئْت.
(2) كما عرفت قبل قليل.
(3) ذكرنا ذلك عند قول المصنِّف سابقاً: «فوقت الظُّهر زوال الشَّمس»، فلا حاجة للإعادة.
[i] الوسائل باب 8 من أبواب المواقيت ح33.
[ii] الوسائل باب 8 من أبواب المواقيت ح29.
|