• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : الاجتهاد والتقليد / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 53 _ الاجتهاد والتقليد 53 .

الدرس 53 _ الاجتهاد والتقليد 53

القول الرابع: ما عن ظاهر ابن إدريس من أن العدالة عبارة عن: اجتناب جميع الكبائر التي منها الإصرار على الصغائر واقعاً سواء كان ذلك عن ملكة أو كان بعضها عنها، والآخر عن مجرّد اتفاق. وقد اتضح جوابه ممّا تقدّم.

والإنصاف، أن العدالة كما عرفت: وهي الاستقامة الواقعية في جادة الشرع فيعتبر في كون الرجل عادلاً كونه في الواقع مواظباً على الطاعات ومجتنباً عن المعاصي الظاهرية والباطنية كالكبر والحسد والشرك والنفاق والرياء في العبادات، وغير ذلك من الأمور الخفيّة التي لا يطلع عليها غالباً إلّا علّام العيوب.
وبالجملة: فهي من الأوصاف الغير القابلة للإحساس، وإنما يستكشف وجودها بوجود آثارها كالمواظبة على فعل الطاعات والتجنّب عن المعاصي الباطنية والظاهرية. هذا ما يفهم من مجموع الأخبار المتقدمة، ولا يرد عليه شيء ممّا تقدّم، والله العالم.
ومن لوازم ما ذكرناه: هو زوال العدالة بمجرّد ارتكاب الذنب، وإنما تعود بالتوبة إلى الله تعالى. وبالجملة، فالتوبة أي الندامة على ما فعل مع الاستغفار من لوازم الاستقامة الواقعية في جادة الشرع. وعليه، فلا تقبل من الرجل بمجرّد قوله: ((تبت)) من دون معرفة الندم الباطني منه.
ثم أنه قد أشرنا سابقاً: أن العدالة لها مراتب متفاوتة، وليس المراد منها فيما أخذت موضوعاً لحكم من الأحكام خصوصاً أعلى المراتب التي لا يتخلف مقتضاها، ولا يغلبها المزاحم فإن ذلك خلاف إطلاق الأدلة ويستوجب ندرة وجودها بل يمتنع إحراز وجود هذه المرتبة في أكثر الأعصار فيلزم منه تعطيل الأحكام واختلال النظام بل يكفي حصول أدنى مراتب العدالة.

وقد اتضح ممّا تقدّم أيضاً: انه لا يشترط في حصول العدالة أن يكون اجتنابه عن المعاصي لشدّة ورعه وتقواه بل يكفي ولو لفقد المزاحم ممّن ضعفت شهوته عن المعصية لمرضٍ أو هرم ٍأو تشويش بال ونحو ذلك، فيصدق عليه انه اجتنب عن المعاصي فيكون عادلاً، وكذا لو كان ذلك لعدم الابتلاء أو لقصور الفاعل عن الحرام. والله العالم.

ثم أنه هل يعتبر في العدالة الاجتناب عن منافيات المروّة أم لا؟
والمراد بالمروّة -على حسب ما عرّفها جماعة من الأعلام-: هي أن لا يفعل ما تنفر النفوس عنه عادة وعرفاً، بحيث يُعدّ عيباً عند الناس أو خلاف المتعارف فيما بينهم وإن لم يكن محرماً شرعياً في نفسه، كما إذا خرج أحد الأعلام ومشى في الطريق من دون عمامة في بلد لا يتعارف فيه ذلك أو جلس في الطريق مع أكله للطعام في بلد لا يتعارف فيه ذلك أيضاً، ونحو هذه الأمور. هذا كلّه، إذا لم يلزم هتك نفسه المحترمة فيحرم حينئذٍ، لأنه مناف للعدالة لا من باب خلاف المروة بل من جهة ان الشارع المقدّس حرّمه.
والخلاصة: ان ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأزمنة والأمكنة.

إذا عرفت ذلك، فقد اعتبر جماعة من الأعلام في تحقق مفهوم العدالة: الاجتناب عن منافيات المروّة، بل نسبه الشيخ الأنصاري إلى المشهور بين من تأخر عن العلّامة حيث عرفوا العدالة بأنها هيئة راسخة تبعث على ملازمة التقوى والمروّة.
وأيضاً في الذخيرة والكفاية: دعوى الشهرة على اعتبار المروّة في عدالة الشاهد والإمام، بل عن الماحوزية: نقل حكاية الإجماع على ذلك، وعن ظاهر المفاتيح: أن المشهور جعلها جزءً من مفهوم العدالة.
والعجب، أن جماعة ممّن ذهبوا إلى اعتبار المروة في العدالة ذهبوا إلى أن ارتكاب المعصية الصغيرة لا يضّر بالعدالة، وهذا أمر غريب، إذ كيف تذهب العدالة بارتكاب أمر مباح مخالف لعادة الناس، قد رخصّ الشارع المقدّس بارتكابه، ولا تذهب بارتكاب ما منع الشارع المقدّس عن ارتكابه وهو المعصية الصغيرة؟


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2049
  • تاريخ إضافة الموضوع : الإثنين: 24-02-2020
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28