ومنها: رواية يزيد بن خَلِيْفة: «قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ الله عليه السلام: إِنَّ عُمَرَ بْنَ حَنْظَلَةَ أَتَانَا عَنْكَ بِوَقْتٍ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الله عليه السلام: إِذاً لَا يَكْذِبُ عَلَيْنَا، قُلْتُ: ذَكَرَ أَنَّكَ قُلْتَ: إِنَّ أَوَّلَ صَلَاةٍ افْتَرَضَهَا اللَّه عَلَى نَبِيِّه الظُّهْرُ، وهُوَ قَوْلُ اللَّه عَزَّ وجَلَّ: «أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ﴾ ]الإسراء: 78[، فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ لَمْ يَمْنَعْكَ إِلاَّ سُبْحَتُكَ، ثُمَّ لَا تَزَالُ فِي وَقْتٍ إِلَى أَنْ يَصِيرَ الظِّلُّ قَامَةً، وهُوَ آخِرُ الْوَقْتِ، فَإِذَا صَارَ الظِّلُّ قَامَةً دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ، فَلَمْ تَزَلْ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ حَتَّى يَصِيرَ الظِّلُّ قَامَتَيْنِ، وذَلِكَ الْمَسَاءُ، فَقَالَ: صَدَقَ»[i]f192، ولكنَّها ضعيفة، لعدم وثاقة يزيد بن خليفة.
ومنها: رواية محمّد بن حكيم «قال: سمعتُ العبد الصالح عليه السلام وهو يقول: إنَّ أَوَّلَ وقتِ الظُّهر زوالُ الشَّمسِ، وآخرَ وقتِها قامةٌ من الزَّوال، وأوَّلَ وقتِ العصْر قامةٌ، وآخرَ وقتِها قامتان، قلت: في الشتاء والصيف سواء؟ قال: نعم»[ii]f193، وهي ضعيفة أيضاً لعدم وثاقة محمّد بن حكيم، وكذا غيرها من الروايات الكثيرة.
ثمّ إنّ المراد بالقامة قامة الإنسان المتعارفة، وهي سبعة أقدام، والقدم قدره: شبر متعارف.
هذا، وقد ورد في بعض الأخبار تفسير القامة بالذِّراع، والقامتَيْن بالذِّراعَيْن، وهي ثلاث روايات:
الأولى: موثّقة عليّ بن حنظلة «قالَ: قال أبو عبد الله عليه السلام: في كتابِ عليٍّ عليه السلام: القامةُ ذراعٌ، والقامتان الذراعان»[iii]f194، والمراد من محمّد بن زياد الوارد في السند هو ابن أبي عمير.
الثانية: رواية عليّ بن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام «قال: قال له أبو بصير: كمِ القامة؟ قال: فقال: ذراع، إنَّ قامةَ رَحْل رسول الله صلى الله عليه وآله كانت ذراعاً»[iv]f195، وهي ضعيفة بــــ عليّ بن أبي حمزة، وبإسناد الشيخ إلى علي بن الحسن الطاطري.
أقول: في هذه الرواية قرينة على كون المراد من القامة هو غير قامة الإنسان، وهي قوله: «إنّ قامة رحل رسول الله صلى الله عليه وآله»، ومن المعلوم أنَّ رحل رسول الله صلى الله عليه وآله كان يقاس به الظلّ، وكانت قامته ذراعاً.
ومن هنا قال في محكيّ الوافي: «تفسير القامة بالذِّراع إنما يصحّ إذا كان قامة الشاخص ذراعاً فيعبَّر عن أحدهما بالآخر، كما دلّ عليه حديث أبي بصير، لا مطلقاً».
الثالثة: مرسلة يونس الآتية إن شاء الله تعالى: وهي ضعيفة بالإرسال، وبعدم وثاقة صالح بن سعيد.
ثمَّ إنَّه مع وضوح كون المراد بالقامة إذا أطلقت في الأخبار هي قامة الإنسان، إلاَّ أنَّ صاحب الحدائق ناقش في دلالة الأخبار التي ورد فيها التحديد بالقامة والقامتَيْن، وذكر أنَّ المفهوم من الأخبار ما عدا رواية يزيد بن خليفة : أنَّ لفظ القامة الوارد في الروايات: بمعنى الذِّراع، والقامتَيْن بمعنى الذراعَيْن.
وأمَّا رواية يزيد بن خليفة: فقد اعترف بظهورها في المدَّعى أي: قامة الإنسان لِمَا فيها من قوله عليه السلام: «وذلك المساء»، لوضوح عدم دخول المساء بصيرورة الظلّ ذراعاً أو ذراعَيْن، وإّنما يتحقق بصيرورته مثل قامة الإنسان أو مثليه، ولكنّه حَمَلَها على التقية.
والإنصاف مضافاً لضعف الروايات المفسِّرة للقامة بالذِّراع والقامتَيْن بالذِّراعَيْن : أنَّ ما ذكره صاحب الحدائق ينافي الأخبار المستفيضة التي ورد فيها أنَّ حائط مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله كان قامة، فإذا مضى من فيئِهِ ذراعٌ صلَّى الظُّهر، مع أنَّه لم يقصد بها إلاَّ قامة الإنسان، بل لو كانت الروايات الثلاث المتقدِّمة صحيحة السند، فلا بدّ من طرحها، أو ردّ علمها إلى أهلها، لما ذكرناه، والله العالم.
(1) كما عن الشيخ في التهذيب، وفخر المحقِّقِين في الإيضاح، على ما حُكيَ عنهما، بل عن الأخير نسبته إلى كثير من الأصحاب، وإن كان الإنصاف عدم وضوح هذه النسبة إليهم.
ثمَّ إنّ حاصل ما ذهب إليه الشيخ: هو أنْ يصير ظلّه الحادث مثل ظله الباقي، وهذا معنى قول المصنِّف: (مثل المتخلّف قبل الزوال).
وقد أُشكِل على ما ذهب إليه الشيخ: بأنَّه يلزم اختلاف الوقت في الزيادة، والنقصان، اختلافاً فاحشاً، حيث إنّ الظلّ الأوّل قد ينعدم، أو يقرب من الانعدام، وقد يبقى قريباً من الِمثْل، بحيث تتحقّق المماثلة في أوائل الأخذ في الزيادة، بل قد يبقى في أغلب الأماكن في أواخر الخريف، وأوائل الشتاء بمقدار المِثل، أو أزيد فيلزم منه خلوّ الفريضة عن التوقيت.
ومهما يكن، فقدِ استَدلّ الشيخ في التهذيب لاعتبار المماثلة بين الفيءِ الزائد والظلّ الأوّل، المعبّر عنه: بمِثل المتخلّف قبل الزوال : بمرسلة يُونُسَ عَنْ بَعْضِ رِجَالِه عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام «قَالَ: سَأَلْتُه عَمَّا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: أَنْ صَلِّ الظُّهْرَ إِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ قَامَةً وقَامَتَيْنِ، وذِرَاعاً وذِرَاعَيْنِ، وقَدَماً وقَدَمَيْنِ، مِنْ هَذَا، ومِنْ هَذَا، فَمَتَى هَذَا؟ وكَيْفَ هَذَا؟ وقَدْ يَكُونُ الظِّلُّ فِي بَعْضِ الأَوْقَاتِ نِصْفَ قَدَمٍ. قَالَ: إِنَّمَا قَالَ: ظِلُّ الْقَامَةِ، ولَمْ يَقُلْ: قَامَةُ الظِّلِّ، وذَلِكَ أَنَّ ظِلَّ الْقَامَةِ يَخْتَلِفُ: مَرَّةً يَكْثُرُ، ومَرَّةً يَقِلُّ، والْقَامَةُ قَامَةٌ أَبَداً لَا تَخْتَلِفُ، ثُمَّ قَالَ: ذِرَاعٌ وذِرَاعَانِ، وقَدَمٌ وقَدَمَانِ، فَصَارَ ذِرَاعٌ وذِرَاعَانِ تَفْسِيراً للْقَامَةِ والْقَامَتَيْنِ فِي الزَّمَانِ الَّذِي يَكُونُ فِيه ظِلُّ الْقَامَةِ ذِرَاعاً، وظِلُّ الْقَامَتَيْنِ ذِرَاعَيْنِ، فَيَكُونُ ظِلُّ الْقَامَةِ والْقَامَتَيْنِ، والذِّرَاعِ والذِّرَاعَيْنِ، مُتَّفِقَيْنِ فِي كُلِّ زَمَانٍ مَعْرُوفَيْنِ، مُفَسَّراً أَحَدُهُمَا بِالآخَرِ، مُسَدَّداً بِه، فَإِذَا كَانَ الزَّمَانُ يَكُونُ فِيه ظِلُّ الْقَامَةِ ذِرَاعاً كَانَ الْوَقْتُ ذِرَاعاً مِنْ ظِلِّ الْقَامَةِ، وكَانَتِ الْقَامَةُ ذِرَاعاً مِنَ الظِّلِّ، وَإِذَا كَانَ ظِلُّ الْقَامَةِ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، كَانَ الْوَقْتُ مَحْصُوراً بِالذِّرَاعِ والذِّرَاعَيْنِ، فَهَذَا تَفْسِيرُ الْقَامَةِ والْقَامَتَيْنِ، والذِّرَاعِ والذِّرَاعَيْنِ»[v]f196 قال صاحب المدارك: «وهذه الرواية ضعيفة بالإرسال، وجهالة صالح بن سعيد، ومتنها متهافت مضطرب، لا يدلّ على المطلوب...»، وقد وافقه على ذلك كثير من الأعلام.
[i] الوسائل باب 5 من أبواب المواقيت ح6.
[ii] الوسائل باب 8 من أبواب المواقيت ح29.
[iii] الوسائل باب 8 من أبواب المواقيت ح26.
[iv] الوسائل باب 8 من أبواب المواقيت ح16.
[v] الوسائل باب 8 من أبواب المواقيت ح34.
|