• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : كتاب الصلاة .
              • القسم الفرعي : مبحث صلاة الجمعة / بحث الفقه .
                    • الموضوع : الدرس 631 _ صلاة الجمعة 17 .

الدرس 631 _ صلاة الجمعة 17

*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: واتِّحاد الجمعة في فرسخ*
قال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى: «الشَّرط الخامس: وحدة الجمعة، فلا تجوز إقامة جمعتين بينهما أقلّ من فرسخ، بإجماع الأصحاب، وقول الباقر (عليه السَّلام): لا يكون بين الجمعتين أقلّ من ثلاثة أميال؛ ولا فرق بين أن تكون في مِصْر أو مِصْرين، ولا بين أن يكون بينهما نهر عظيم، كدجلة أو لا»[1]. (انتهى كلامه)
وفي المدارك: «أجمع علماؤنا على اعتبار وحدة الجمعة، بمعنى أنَّه لا يجوز إقامة جمعتين بينهما أقلّ من فرسخ، سواء كانتا في مِصْر واحد أو مِصْرين، وسواء فَصَل بينهما نهر عظيم كدجلة أم لا؛ ولم يعتبر غيرهم الفرسخ، لكنِ اختلفوا، فقال الشَّافعي ومالك: لا يجمع في بلد واحد وإن عظم، إلَّا في مسجد واحد، وأجازه أبو حنيفة في موضعين استحساناً، وأجاز بعضهم التعدُّد في البلد ذي الجانبين إذا لم يكن بينهما جسر، وقال أحمد: إذا كبر البلد، وعظُم، كبغداد والبصرة، جاز أن يقام فيه جمعتان وأكثر، مع الحاجة، ولا يجوز مع عدمها»[2]. (انتهى كلامه)
وفي الجواهر: «إجماعاً محصلاً ومنقولاً مستفيضاً أو متواتراً»[3]. (انتهى كلامه)
والإنصاف: أنَّ المسألة متسالم عليها عندنا، بحيث خرجت عن الإجماع المصطلح عليه. ومع ذلك يدلّ عليه: جملة من الرِّوايات:
منها: حسنة محمَّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السَّلام) قال: «يكون بين الجماعتَيْن ثلاثة أميال، يعني لا تكون جمعة إلَّا فيما بينه وبين ثلاثة أميال، وليس تكون جمعة إلَّا بخطبة، قال: فإذا كان بين الجماعتَيْن في الجمعة ثلاثة أميال فلا بأس أن يجمع هؤلاء، ويجمع هؤلاء»[4].
ومنها: موثَّقته عن أبي جعفر (عليه السَّلام) قال: «تجب الجمعة على مَنْ كان منها على فرسخين، ومعنى ذلك: إذا كان إمام عادل، وقال: إذا كان بين الجماعتَيْن ثلاثة أميال فلا بأس أن يجمع هؤلاء ويجمع هؤلاء، ولا يكون بين الجماعتَيْن أقلّ من ثلاثة أميال»[5]. ورواها الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) بإسناده عن محمَّد بن مسلم؛ ولكنَّك عرفت أنَّ إسناد الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) إلى محمَّد بن مسلم ضعيف، إذ فيه عليّ بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه وهما غير مذكورين.

وحُكي عن ابن فهد (رحمه الله) في الموجز: «تجويز تعدّدها فيما دون فرسخ في المندوبة حال الغيبة»[6]. (انتهى كلامه)، وهو في غير محلّه، للتسالم بين الأعلام، كما عرفت، وللرّوايتين المتقدّمتين. ولعلّه فَهِم ذلك من عبارة المصنف (رحمه الله) في الدُّروس في صلاة العيد، قال: «ويشترط فيها الاتحاد، كالجمعة، إذا كانت واجبتَيْن فتنعقد في الفرسخ الواجبة مع المندوبة والمندوبتان، فصاعداً»[7]. (انتهى كلامه)، ولكن من المعلوم أنَّ مرجع الضمير فيها العيدان، لا الجمعة والعيد.
وفي كشف اللثام: «لعلّ المراد من عبارة الموجز: أن العامة إذا صلوها وأراد المؤمنون إقامتها عندهم زمن الغيبة جازت لهم وإن لم يبعدوا عن جمعتهم فرسخا، لبطلانها، لا أنه يجوز للمؤمنين إقامة جمعتين في فرسخ أو أقل، فلم يقل بذلك أحد، ولا دل عليه دليل» [8]. (انتهى كلامه)

*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: فلو تعدَّدتا واقترنتا بطلتا*
هنا عدَّة صوَّر نذكرها تباعاً:
الصُّورة الأُوْلى: هي ما لوِ اقترنت الجمعتان، فالمعروف بين الأعلام هو الحكم ببطلانهما، لامتناع الحكم بصحتهما معاً، لِمَا تقدَّم من اشتراط الوحدة باتِّفاق الأعلام وبالنصوص، ولا أَوْلويَّة لإحداهما، فلم يبقَ إلَّا الحكم ببطلانهما معاً من غير فرق بين علم كلّ فريق بالآخر وعدمه، لإطلاق ما دلّ عليه من النصّ؛ وأمَّا الإشكال: بأنَّه يستحيل تكليف الغافل، فكيف يثبت الإطلاق؟ ففيه: أنَّ الأحكام الوضعيَّة المستفادة من الأوامر والنواهي لا تتقيَّد بما يقيَّد به الحكم التكليفي، وعليه، فما نحن فيه يكون كغيره من الأجزاء والشَّرائط التي هي أحكام وضعيَّة غير مقيدة اعتبارها بحال العلم.

ثمَّ إنَّ الاقتران يتحقّق باستوائهما في التكبير، كما هو المعروف عند جميع الأعلام، وأكثر العامَّة.
وقال بعض العامَّة: أنَّه يعتبر الشُّروع في الخطبة، لقيامها مقام ركعتين. وفيه: أنَّه بعيد عن الواقع، لأنَّ المتبادر من الأدلَّة إنَّما هو اعتبار الفَصْل بين الصَّلاتين، لا بين الخطبتين، وعليه، فلو خطبا، ولم يكن بينهما الفصل المعتبر، ثمَّ تباعدا على وجه لم يخلّ بالتوالي، أو شرع أحد الإمامين بالخطبة بعد تلبُّس الآخر بالصّلاة، ثمَّ تباعد وصلَّى، فلا مانع من صحّة صلاته، فما لم يشرعا في الصَّلاة لا يحكم ببطلان شيء منهما، فإذا تلبّست إحدى الجماعتَيْن بالصَّلاة فيتعيَّن حينئذٍ على الأخرى مع الإمكان إمَّا الدُّخول معهم في الصَّلاة، أو التباعد عنهم، ومع التعذُّر تصلِّي الجماعة الثانية ظهراً، والله العالِم.

*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وإن سبقت وتعيَّنت صحَّت وصلَّت اللاحقة الظُّهر*
الصورة الثانية: هي ما لو سبقت إحداهما وتعيَّنت.
المعروف بين الأعلام هي صحَّة الأولى وبطلان الثانية.
قال العلّامة (رحمه الله) في التذكرة: «إنَّ ذلك - أي صحَة السَّابقة وبطلان اللاحقة- مذهب علمائنا أجمع»[9]. (انتهى كلامه)
أقول: لعلّ المسألة متسالم عليها. أضف إلى ذلك: أنَّها على طبق القواعد، إذ لا مانع من صحّة الأُولى، لأنَّ الرِّوايات تدلّ على اعتبار الفَصْل بين الجمعتين، والمفهوم منها بحسب التبادر هو الجمعتان الصَّحيحتان، وعليه، فالثانية لا تصلح للمانعيَّة عن صحَّة الأُولى، فهي بذاتها لا تقع إلَّا باطلة، والباطل لا يكون مانعاً عن صحَّة غيره، كما أنَّه لا فرق في بطلان اللاحقة بين علم المصلِّي بأن جمعةً سبقتها، وبين جهله بذلك، لِمَا عرفت من عدم اختصاص شرطيَّة الاتِّحاد بحال العلم.

ثمَّ إنَّه هل وجود الجمعة الأخرى مانع عن صحَّة هذه الجمعة، أم أنَّ صحّة هذه الجمعة مشروط بعدم سبقها، أو اقترانها بالجمعة الأخرى؟

أما تتمة الكلام في المسألة، فيأتي في الدرس القادم، إن شاء الله تعالى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة: ج4، ص129.
[2] مدارك الأحكام: ج4، شرح ص43.
[3] جواهر الكلام: ج11، ص245.
[4] وسائل الشيعة: باب 7 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، ح1.
[5] وسائل الشيعة: باب 7 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، ح2.
[6] مصباح الفقيه: ج2، ص449.
[7] ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة: ج4، ص193.
[8] كشف اللثام: ج4، ص268.
[9] تذكرة الفقهاء: ج4، ص57.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=1587
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء: 24-04-2018
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 04 / 27