الدرس 176 / الخميس: 29-نيسان-2021
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ومنه النَّجْش، وهو رفع السِّعر ممَّن لا يريد الشِّراء للحضِّ عليه، وكَرِهَه قومٌ، والأقرب: التَّحريم؛ لأنَّه خديعة، ولا يبطل العقد. وقال ابن الجنيد: إذا كان مِنَ البائع أبطله. وقال القاضي: يتخيَّر المشتري؛ لأنَّه تدليس. وقطع في المبسوط بأنَّه لا خيار إذا لم تكن بمواطاة للبائع (بمواطأة البائع)، وقوَّى عدم الخيار أيضاً مع مواطاته (مواطأته). وقيَّد الفاضلان الخيار بالغبن، كغيره مِنَ العقود. (انتهى كلامه)
(1) المعروف بين الأعلام أنَّ النَّجش بالنُّون المفتوحة والجيم السَّاكنة أو المفتوحة حرام، بل اتفقوا على حرمته، بل هو حرام أيضاً عند العامَّة.
وفي الواقع، فقد تسالم المسلمون على حرمته في الجملة، وفي الجواهر: «بل لعلَّ العقل شاهد على قُبْحه؛ باعتبار كونه غِشًّا وخدعةً وتدليساً، وإغراء بالجهل وإضراراً...»، قال الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط: «النَّجْش حرام، وهو أن يزيد رجل في ثمن سلعة زيادةً لا تسوى بها، وهو لا يريد شراءها، وإنَّما يزيد ليقتدي به المستام، فهذا هو النَّجْش...».
وعن جماعة مِنَ الأعلام أنَّ النَّجش أن يزيد الرَّجل في ثمن السِّلعة غير مريد شراءها، بل لِيَسمَعه غيره، فيزيد لزيادته، شرط المواطأة مع البائع، أو الأعمّ، وهذا هو الإنصاف عندنا؛ إذ لا مُوجِب لحصر النَّجش بالمواطأة مَعَ البائع، بل هو أعمُّ، وكذا عرَّفه جماعة مِنَ اللُّغويين.
ثمَّ إنَّه قدِ استُدلَّ على حرمته مضافاً إلى التسالم بين الأعلام بروايتَيْن:
الأولى: رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله): الْوَاشِمَةُ وَالمتوشِمَةُ، وَالنَّاجِشُ وَالْمَنْجُوشُ، مَلْعُونُونَ عَلى لِسَانِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله)»[1]f231، وهي ضعيفة بمحمَّد بن سنان، وهذه مِنَ الرِّوايات القليلة التي يروي فيها محمَّد بن سنان عن عبد الله بن سنان.
ويظهر من هذه الرِّواية أنَّ الحرمة مختصَّة بما إذا تواطأ النَّاجش مَعَ البائع على النَّجْش، لقوله (صلّى الله عليه وآله): «مَلْعُونُونَ عَلى لِسَانِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله).
الثَّانية: ما رواه الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) في كتاب معاني الأخبار بإسناده عَنِ القاسم بن سلام بإسناد متَّصل إلى النَّبيِّ (صلّى الله عليه وآله) «أنَّه قَاْل: لَاْ تَنَاجَشُوا ولَاْ تَدَابَرُوا»[2]f232، قال: «ومعناه أن يزيد الرجل في ثمن السلعة، وهو لا يريد شراءها ليسمعه غيره، فيزيد بزيادته، والناجش خائن، والتدابر الهجران».
وهذه الرِّواية ضعيفة بعدم وثاقة جملة مِنَ الأشخاص، وجهالة آخرين، وهي أيضاً مختصَّة بصورة التَّواطؤ مَعَ البائع.
والخلاصة: أنَّ العمدة في الاستدلال هو التَّسالم بينهم على الحرمة، مع عدم الفرق بين التَّواطؤ وغيره.
ثمَّ لا يخفى عليك أنَّ النَّجش، وإن كان حراماً، إلاَّ أنَّه لا يبطل البيع به، وقد صرَّح الأعلام بالصِّحَّة، منهم الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط، قال: «فإذا ثبت تحريمه، فالمشتري إذا اقتدى به، وزاد في الثَّمن، واشتراه، كان الشِّراء صحيحاً؛ لأنَّه لا دليل على فساده»؛ وهو مقتضى الإنصاف؛ لأنَّ النَّهي نهي مولوي، وليس إرشاديًّا، وقد عرفت أنَّ النَّهي المولوي لا يدلُّ على الفساد.
هذا، وقد نقل المصنِّف (رحمه الله) عن ابن الجنيد (رحمه الله) أنَّه أبطله مَعَ المواطأة بين النَّاجش والبائع، ولكنه في غير محلِّه.
ثمَّ إنَّه قد ذهب القاضي (رحمه الله) إلى ثبوت الخيار للمشتري مطلقا؛ لكونه تدليساً.
وذهب جماعة من الأعلام إلى أنَّه لا خيار له، سواء مع مواطاة البائع أم لا، منهم الشَّيخ في المبسوط، حيث قال: «فإذا ثبت صحَّته، فهل للمشترى الخيار أم لا؟ يُنْظَر، فإنْ كان النَّجش من غير أمر البائع ومواطأته فلا خيار له؛ لأنَّه لا يفسخ عليه البيع بفعل غيره إن كان بأمره ومواطأته، اختلف فيه، فمنهم مَنْ قال: لا خيار له، ومنهم مَنْ قال: له الخيار؛ لأنه تدليس، والأوَّل أقوى».
ومقتضى الإنصاف وفاقاً لجماعة من الأعلام، منهم صاحب الجواهر (رحمه الله) : التَّفصيل بين لُزُوم الغَبْن وعدمه، فإنْ لزم منه الغَبْن فلِلْمشتري الخيار؛ لِما سيأتي إن شاء الله تعالى من أنَّ المغبون له حقُّ الفسخ، وسنذكر الدَّليل عليه.
وأمَّا إذا لم يلزم منه الغَبْن فلا خيار له؛ لأنَّ الأصل في العقود اللُّزوم، والله العالم والهادي.
الوسائل باب 49 من أبواب آداب التِّجارة ح2.
الوسائل باب 49 من أبواب آداب التِّجارة ح4.
|