الدرس 159 / الإثنين: 29-آذار-2021
المسألة الثَّانية: ما كانت عامرةً بالأصالة، أي لا مِنْ معمِّر، كأطراف الأنهار والشُّطوط والآجام، ونحوها.
والبحث في هذه المسألة يقع من جهتَيْن:
الأُولى: هل هذه الأرض للإمام (عليه السلام)، بحيث تكون داخلةً في الأنفال، أم أنَّها مِنَ المباحات الأصليَّة؟
الثَّانية: على فرض كونها للإمام (عليه السلام)، فهل تُمْلَك بالحيازة أم لا؟
أمَّا الجهة الأولى: فالمعروف بين الأعلام أنَّ كلَّ أرض لم يجرِ عليها مُلْكُ مسلمٍ، فهي للإمام (عليه السلام)، ومنها ما كان عامراً بالأصالة.
وعَنِ التَّذكرة الإجماع عليه، وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه، بل قيل: إنَّه طفحت به عباراتهم...».
أقول: قدِ استُدلَّ على أنَّها مُلْك للإمام (عليه السلام) بما ورد في جملة مِنَ الأحاديث من أنَّ الأرض كلَّها للإمام (عليه السلام).
ولكنَّ الظَّاهر أنَّ المراد منها الملكيَّة الحقيقيَّة، لا الملكيَّة الاعتباريَّة، كما هو محلُّ الكلام.
والإنصاف: أنَّ الدَّليل على كونها مُلْكاً للإمام (عليه السلام) هو ما ورد في جملة من الرِّوايات من أنَّ مِنَ الأنفال كلُّ أرضٍ لا ربَّ لها، فإنَّها تشمل العامرة، ومِنَ المعلوم أنَّ الأنفال مُلْك للإمام (عليه السلام).
منها: موثَّقة إسحاق بن عمَّار «قَاْلَ: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عَنِ الأنفالِ، فَقَاْل: هِيَ القُرَى التي قَدْ خَرِبتْ وانْجَلَى أَهْلُها فهيَ ﷲ وللرَّسولِ، ومَاْ كان للمُلُوكِ فهُوَ للإِمامِ، ومَاْ كان مِنَ الأرضِ الخربة لم يُوجَفْ عليه بخيلٍ ولا ركابٍ، وكلُّ أرض لَاْ ربَّ لها، والمعادن منها، ومَنْ ماتَ، ولَيْسَ لَهُ مولى، فمالُه مِنَ الأنفال»[1]f158.
ومنها: ما في تفسير العياشي عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) «قَاْل: لَنَا الأنفالُ، قلتُ: ومَاْ الأنفال؟ قَاْل: مِنْهَا المعادنُ والآجامُ، وكلُّ أرضٍ لا ربَّ لها، وكلُّ أرضٍ بادٍ أهلُها فَهُوَ لَنَا»[2]f159، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال.
لا يقال: إنَّ إطلاق موثَّقة إسحاق، وكذا رواية أبي بصير بناءً على اعتبارها مقيَّد بما في مرسلة حمَّاد بن عيسى، حيث عدَّ من جملة الأنفال: «كلُّ أرضٍ ميتةٍ، لا ربَّ لها...»[3]f160، فيُفهَم منها أنَّ الأرض غير الميتة ليست للإمام (عليه السلام).
وفيه أوَّلاً: أنَّ الرِّواية ضعيفة بالإرسال.
وثانياً: أنَّ الوصف لا مفهوم له، كما عرفت في علم الأصول، فلا يُفهَم منها أنَّ الأرض غير الميتة ليست للإمام (عليه السلام).
والخلاصة إلى هنا: أنَّ الأرض العامرة بالأصالة هي مُلْك للإمام (عليه السلام).
الجهة الثَّانية: فإنْ قلنا: بأنَّ هذه الأرض مِنَ المباحات الأصليَّة، كما ذهب إليه بعضهم، فلا إشكال في أنَّها تملك بالحيازة.
وأمَّا على القول: بأنَّها مُلْك للإمام (عليه السلام) كما هو الصحيح فقد يستدلُّ على تملُّكها بالحيازة بعموم النَّبويِّ: «مَنْ سَبَق إلى مَاْ لا يَسْبقُه إليه المُسْلمُ فَهُوَ أحقُّ بِهِ»f161.
وفيه أوَّلاً: أنَّه ضعيف بالإرسال.
وثانياً: أنَّ الظَّاهر منه هو المباحات الأصليَّة التي لا مالك لها.
وأمَّا الأراضي التي لها مالك شخصيٌّ مثل الإمام (عليه السلام) في موردنا، وغير الإمام (عليه السلام) في باقي الموارد، فلا بدَّ فيها مِنَ الإذن من مالكها، وإلاَّ كانت الأحقيَّة ثابتة لكلِّ واحد لو سَبَق إلى مُلْك الغير قبل أن يسبقه صاحبه، وهذا ممَّا لا يمكن الالتزام به.
نعم، ورد في خصوص الشِّيعة أنَّه ما كان للأئمَّة S فهو لشيعتهم، كما في روايات التَّحليل، وهي كثيرة.
وأمَّا في غير الشِّيعة، فقد يستدلُّ لتملُّكهم لها بصِدْق عنوان الإحياء على الأرض العامرة بالأصل، كما لو غرس شجراً فيها أو حفر وادياً، ففي معتبرة السَّكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: قال رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله): مَنْ غَرَس شَجَراً فيها، أَوْ حَفَرَ وَادِياً بديّاً (بَدْءاً)، لم يَسْبِقْه إليه أحدٌ، وأَحَيى أَرْضاً ميتةً، فَهِيَ لَهُ، قضاءً مِنَ الله ورسولِه (صلّى الله عليه وآله)»[5]f162.
ومِنَ المعلوم أنَّ غَرْس الشَّجر هو إحياء بلا إشكال، وبما أنَّه لا خصوصيَّة لغرس الشَّجر، فيستدلُّ به على جميع أفراد الإحياء، سواء أكان بالشَّجر أم بغيره.
ثمَّ إنَّه لو فرضنا عدم صِدْق الإحياء إلاَّ أنَّه لا إشكال في صِدْق عنوان التَّعمير فتملك بإعمارها، كما في حسنة محمَّد بن مسلم «قال: سمعتُ أبا جعفر (عليه السلام) يقول: أيُّما قومٍ أَحْيُوا شيئاً مِنَ الأرضِ وعَمَرُوها فهُمْ أحقُّ بها، وهِيَ لهم»[6]f163.
والخلاصة إلى هنا: أنَّ هذه الأرض تملك بالإحياء أو بالإعمار، وتملك بالتَّحليل للشِّيعة، والله العالم والهادي.
الوسائل باب 1 من أبواب الأنفال ح20.
الوسائل باب 1 من أبواب الأنفال ح28.
الوسائل باب 1 من أبواب الأنفال ح4.
المستدرك باب 1 من أبواب إحياء الموات ح4.
الوسائل باب 2 من أبواب إحياء الموات ح1.
الوسائل باب 1 من أبواب إحياء الموات ح4.
|