وأمَّا ما حُكي عن ظاهر المفيد (رحمه الله): من الاختصاص بالمساكين، فقد يُستدلّ له بجملة من الرِّوايات:
منها: صحيحة الحلبيّ عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَاْل: صدقة الفِطْرة على كلِّ رأسٍ من أهلك إلى أن قال: عن كلِّ إنسانٍ نصف صاعٍ من حِنطة أو شعير، أو صاع من تمر أو زبيب لفقراء المسلمين...»([1]).
ومنها: رواية يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَاْل: سألته عن الفِطْرة، مَنْ أهلها الَّذي يجب لهم؟ قَاْل: مَنْ لا يجد شيئاً»([2])، و«مَنْ لا يجد شيئاً» يعني الفقراء والمساكين.
ولكنَّها ضعيفة بعدم وثاقة جعفر بن محمَّد بن مسعود.
ومنها: رواية الفُضيل عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَاْل: قلتُ له: لمَنْ تحلُّ الفِطْرة؟ قَاْل: لِمَنْ لا يجد...»([3])، وهي ضعيفة أيضاً بإسماعيل بن سهل.
ومنها: موثَّقة زرارة «قَاْل: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): أعلى مَن قَبل الزَّكاة زكاة؟ فقال: أمَّا من قَبِل زكاة المال فإنَّ عليه زكاة الفِطْرة، وليس على مَنْ يقبل الفِطْرة فطرةٌ»([4])، وهي موثَّقة، فإنَّ عليَّ بن محمَّد بن الزُّبير القُرشيّ الواقع في إسناد الشَّيخ (رحمه الله) إلى ابن فضَّال من المعاريف، ما يكشف عن وثاقته.
والجواب عن هذه الرِّوايات: أنَّها محمولة على الاهتمام بشأن الفقراء، حيث إنَّهم المصرف الأعظم لها، نحو ما ورد في زكاة المال، فلا تدل على الاختصاص.
الأمر الثَّاني: المعروف بين الأعلام: أنَّ زكاة الفطر لا تُعطى لغير المؤمن مطلقاً، كما في زكاة المال.
وذهب جمع من الأعلام إلى جواز إعطائها لغير المؤمن من المستضعفين إذا لم يُوجد مؤمن: منهم الشَّيخ (رحمه الله)، حيث جوَّز إعطاءها للمخالف الَّذي لا ينصب العِداء إذا لم يُوجد المؤمن، وهو مقتضى الإنصاف كما سيتضح لك إن شاء الله تعالى .
أقول: النُّصوص الواردة على ثلاث طوائف:
الأُولى: الرِّوايات الدَّالَّة على عدم إعطائها لغير المؤمن:
منها: صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعريّ عن الرِّضا (عليه السلام) «قَاْل: سألتُه عن الزَّكاة، هل تُوضع فيمَنْ لا يَعرف؟ قَاْل: لا، ولا زكاة الفِطْرة»([5]).
ومنها: ما رواه الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) في عيون أخبار الرِّضا (عليه السلام) بأسانيده عن الفضل بن شاذان عن الرِّضا (عليه السلام) «أنَّه كتب إلى المأمون: وزكاة الفِطْرة فريضة إلى أن قال: ولا يجوز دفعها إلاَّ إلى أهل الولاية»([6])، ولكنَّها ضعيفة بجهالة عبد الواحد بن محمَّد بن عبدوس النَّيشابوريّ العطَّار، وكذا غيرها.
الطَّائفة الثَّانية: الرِّوايات الدَّالّة على جواز الإعطاء مطلقاً:
منها: صحيحة عليّ بن يقطين «أنَّه سأل أبا الحسن الأوَّل (عليه السلام) عن زكاة الفِطْرة، هل يصلح أن تُعطى الجيران والظَّؤورة ممَّنْ لا يعرف ولا ينصب؟ فقال: لا بأس بذلك إذا كان محتاجاً»([7]).
ومنها: موثقة إسحاق بن عمَّار «قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الفِطْرة، فقال: الجِيران أحقُّ بها، ولا بأس أن يُعطى قيمة ذلك فضَّةً»([8]).
([1]) الوسائل باب 6 من أبواب زكاة الفطرة ح11.
([2]) الوسائل باب 14 من أبواب زكاة الفطرة ح3.
([3]) الوسائل باب 14 من أبواب زكاة الفطرة ح4.
([4]) الوسائل باب 2 من أبواب زكاة الفطرة ذيل ح10.
([5]) الوسائل باب 5 من أبواب المستحقين للزكاة ح1.
([6]) الوسائل باب 14 من أبواب زكاة الفطرة ح5.
([7]) الوسائل باب 15 من أبواب زكاة الفطرة ح6.
([8]) الوسائل باب 9 من أبواب زكاة الفطرة ح10.
|