قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو ملك ستاً وعشرين جديدة، ففيها بنت مخاض عند تمام حولها(1)
(1) بالاتِّفاق، ويُعلَم وجهها ممَّا تقدَّم، فلا حاجة للإعادة، بل هذه الصُّورة أوضح.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وفي أربعين من الغنم بعد أربعين، وثلاثين من البقر بعد ثلاثين وجه بالوجوب(2)
(2) المعروف بين الأعلام أنَّه لو ملك بعد الأربعين مِنَ الغنم أربعين أخرى في أثناء الحَوْل، فلا يجب عليه إلاَّ شاة واحدة، كما لو كان له هذا المقدار ابتداءً؛ وذلك لعدم كون الأربعين بعد الأربعين نصاباً مستقلاًّ، ولا مكملةً لنصاب آخر؛ لأنَّ الثَّمانين مِنَ الغنم ليست نصاباً، كما هو معلوم.
وبالجملة، فليس عليه إلاَّ شاة واحدة.
ولكنِ احتمل المحقِّق (رحمه الله) في المعتبر أنَّ في الأربعين الثَّانية شاة أيضاً، وجعله المصنِّف (رحمه الله) هنا وجهاً؛ وذلك لحسنة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) «في الشَّاةِ في كُلِّ أربعينَ شاةً شاةٌ...»([1])؛ ولأنَّه نصاب كامل وجبتِ الزَّكاة فيه مع الانفراد، فكذا مَعَ الانضمام.
وقدِ استشكل عليهما: كلُّ مَنْ تأخَّر عنهما، منهم صاحب الجواهر (رحمه الله)، حيث ذكر أنَّ المراد مِنَ الحسنة هو النِّصاب المبتدأ؛ إذ لو ملك ثمانين دفعةً لم يجب عليه شاتان إجماعاً، وأنَّ الفرق واضح بين صورتي الانضمام والانفراد، فلا يقاس أحدهما على الآخر، خصوصاً بعد قولهما (عليهما السلام) في الحسنة المتقدِّمة: «وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ شَيْءٌ، ثُمَّ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ حَتّى تَبْلُغَ عِشْرِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا بَلَغَتْ عِشْرِينَ وَمِائَةً، فَفِيهَا مِثْلُ ذلِكَ شَاةٌ وَاحِدَةٌ»، وما ذكره (رحمه الله) في غاية الصِّحَّة والمتانة.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وقيل: لو ملك بعد الأربعين إحدى وثمانين، فلكلٍّ حول. ورُدَّ: بثَلْم النِّصاب بمستحقِّ المساكين، فاشترط زيادةَ واحدةٍ، وهو سهو، ولو قلنا: بأنَّ الزَّكاة في الذِّمَّة، على القول النادر(1)
(1) لو ملك بعد الأربعين إحدى وثمانين مِنَ الغنم، فهل عليه شيء؟
قال المصنِّف (رحمه الله): قيل إن لكلٍّ منهما حولاً، ثمَّ ردَّ هذا الكلام بنقصان النصاب الثاني بإستحقاق المساكين الشاة في النصاب الأول، فينقص النصاب الثاني، ويصبح مائة وعشرين، فاشترط زيادة الواحدة حتى يكمل النصاب، بأن يملك اثنتين وثمانين بعد الأربعين.
ثمَّ استشكل عليهم المصنِّف (رحمه الله) : بأنَّ هذا سهو، ولو قلنا: بأنَّ الزَّكاة في الذِّمَّة.
وتوضيحه: أنَّه إذا قلنا: إنَّ الزَّكاة متعلِّقة بالذِّمَّة لا بالعين الخارجيَّة، فحينئذٍ لا ينثلم النِّصاب باستحقاق المساكين للشَّاة، ولا تحتاج إلى اشتراط زيادة الواحدة؛ لأنَّ النِّصاب الثَّاني كامل، وهو إحدى وعشرون ومائة.
ومع ذلك، فقد ذكر المصنِّف (رحمه الله) أنَّ ما ذكروه من أنَّه لكلٍّ منهم حول هو سهو، وهو جيد؛ لأنَّ الرِّوايات ظاهرة جدّاً إن لم تكن صريحة في أنَّه بعد الأربعين لا شيء عليه حتى تبلغ مائة وإحدى وعشرين، وهذا هو النِّصاب الثَّاني.
فراجع حسنة الفضلاء المتقدِّمة، وغيرها من الرِّوايات الكثيرة.
ثمَّ إنَّه قد أشرنا سابقاً أنَّ القول: بتعلُّق الزَّكاة في الذِّمَّة هو معروف عند جماعة مِنَ العامَّة.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: الثَّاني: السَّوم، فلا يجب في المعلوفة، وإن كان لا مؤونة فيه أو بعض الحَوْل(1)
(1) مِنَ الشَّرائطِ: السَّومُ: فلا تجب الزَّكاة في المعلوفة. وفي المدارك: «هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب، بل قال المصنِّف في المعتبر: إنَّه قَوْلُ العلماءِ كافَّةً، إلاَّ مَالِكاً، فإنَّه أوجب الزَّكاة في المعلوفة، وقال قومٌ: إنَّه تفرَّد بذلك».
وفي الجواهر: «إجماعاً بقسمَيْه، بل في محكيِّ المعتبر: أنَّه قَوْلُ العلماءِ كافَّةً إلاَّ مَالِكاً، ومحكيِّ المنتهى: لا خلاف فيه بين المسلمين، وعليه علماء الإسلام في الحدائق...».
أقول: أصبح هذا الشَّرط من ضروريَّات الفِقه، فلا حاجة للاستدلال عليه، وإنَّما نذكر جملةً مِنَ الرِّوايات للتَّبرُّك من جهة، ومن جهة أخرى لِمَا فيها من الخصوصيَّات المحتاج إليها للاستدلال على جملة مِنَ التَّفريعات:
من جملة الرِّوايات الواردة في المقام: حسنة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) في حديث زكاة الإبل «قَاْلَ: وَلَيْسَ عَلَى الْعَوَامِلِ شَيْءٌ، إِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى السَّائِمَةِ الرَّاعِيَةِ»([2]).
ومنها: حسنتهم أيضاً عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) في حديث زكاة البقر «قَاْلَ: لَيْسَ عَلَى النَّيِّفِ شَيْءٌ، وَلَا عَلَى الْكُسُورِ شَيْءٌ، وَلَا عَلَى الْعَوَامِلِ شَيْءٌ، إِنَّمَا الصَّدَقَةُ عَلَى السَّائِمَةِ الرَّاعِيَةِ»([3]).
ومنها: حسنة زرارة «قَالَ: قُلْتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): هَلْ عَلَى الْفَرَسِ أَوِ الْبَعِيرِ تكُونُ لِلرَّجُلِ يَرْكَبُهُا شَيْءٌ؟ فَقَالَ: لَا، لَيْسَ عَلى مَا يُعْلَفُ شَيْءٌ، إِنَّمَا الصَّدَقَةُ عَلَى السَّائِمَةِ الْمُرْسَلَةِ فِي مَرْجِهَا عَامَهَا الَّذِي يَقْتَنِيهَا فِيهِ الرَّجُلُ؛ فَأَمَّا مَا سِوى ذلِكَ، فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ»([4]).
ومنها: موثَّقة زرارة «قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) عَنْ صَدَقَاتِ الْأَمْوَالِ، فَقَالَ: فِي تِسْعَةِ أَشْيَاءَ لَيْسَ فِي غَيْرِهَا شَيْءٌ: فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ السَّائِمَةِ وَهِيَ الرَّاعِيَةُ ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْحَيَوَانِ غَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَصْنَافِ شَيْءٌ...»([5]).
ثمَّ ذَكَر المصنِّف (رحمه الله)، وغيره من الأعلام، أنَّه لا تجب الزَّكاة في المعلوفة، وإن لم يكن في العلف على مالكها مؤونة كما لو علفها شخص أجنبيٌّ من ماله الخاصِّ مثلاً وهو على حقٍّ؛ إذ يصدق عليها أنها معلوفة، والأحكام تابعة للعناوين.
خلافاً للتَّذكرة ومحكيِّ الموجز وكَشْفه فيما لو علفها الغير بغير إذن المالك، فتُلْحق بالسَّائمة، واحتمله المصنِّف (رحمه الله) في البيان، وفي المسالك: «لا يخلو من وجه؛ إذ لا مؤونة على المالك فيه».
أقول: إنَّ ما ذَكَره الشَّهيد الثَّاني (رحمه الله)، وغيره من أنَّه يشكل الحكم فيما لو علفها الغير من مال نفسه؛ نظراً إلى المعنى المقصود والحكمة المقتضية لسقوط الزَّكاة معه، وهي المؤونة على المالك الموجبة للتَّخصيص، كما اقتضته في الغلاَّت عند سقيها بالدَّوالي في غير محلِّه؛ إذ لا يعتدُّ بمثل هذه العِلَّة المستنبطة في الأحكام الشَّرعيَّة التَّعبُّديَّة، وقيام الرِّوايات في الغلاَّت بما ذَكَره لا يقتضي الحَمْل عليه هنا؛ لحرمة القياس.
وعليه، فالإنصاف: هو دوران الحكم مدار صحَّة إطلاق السَّائمة عليها وعدمه، فمتى صدق عليها اسم المعلوفة فلا زكاة، وإن كان العلف مِنَ الأجنبي، بحيث لم يتكلَّف المالك عليها شيئاً مِنَ المؤونة.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولا عبرة باللَّحظة، وفي اليوم في السَّنة، بل في الشَّهر تردُّد، أقربه: بقاء السَّوم؛ للعرف، والشَّيخ: اعتبر الأغلب(1)
(1) المعروف بين الأعلام أنَّه لا بدَّ مِنِ استمرار السَّوم طوال الحَوْل، كما يستفاد من حسنة زرارة المتقدِّمة «إِنَّمَا الصَّدَقَةُ عَلَى السَّائِمَةِ الْمُرْسَلَةِ فِي مَرْجِهَا عَامَهَا الَّذِي يَقْتَنِيهَا فِيهِ الرَّجُلُ...»([6])، والمَرْج بالجيم : مرعى الدَّواب.
ثمَّ إنَّه قدِ اختلفت كلمات الأعلام فيما يتحقَّق به السَّوم، وما ينقطع به.
فقد ذهب المحقِّق (رحمه الله) في الشَّرائع، وجملة مِنَ الأعلام منهم العلاَّمة (رحمه الله) في جملة من كتبه إلى أنَّه لو علفها بعضاً، ولو يوماً في السَّنة، استأنف الحَوْل عند استئناف السَّوم.
وقدِ اعترف جميع الأعلام بأنَّه لا اعتبار فيما لو علفها لحظة، وعَنِ العلاَّمة (رحمه الله) في المنتهى، والمصنِّف (رحمه الله) هنا أي الدُّروس عدم قدح اليوم في السَّنة، بل ذَكَر المصنِّف (رحمه الله) أنَّه لا يقدح اليوم في الشَّهر، وعن فوائد الشرائع: «أنَّه لا يقدح اليوم في الشَّهر».
وعَنِ الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط والخلاف أنَّه يراعى الأغلب في مجموع السَّنة، فلو كانت سائمةً سبعة أشهر، ومعلوفةً في خمسة أشهر، كفى في صِدْق السَّوم، وقد نصَّ (رحمه الله) في المبسوط على سقوط الزَّكاة مَعَ التَّساوي.
وقد علّق ابن إدريس (رحمه الله) على ما ذَكَره الشيخ (رحمه الله) من أنَّه يراعى الأغلب في مجموع السَّنة: «بأنَّه أوهن من بيت العنكبوت».
هذا، وعَنِ العلاَّمة (رحمه الله) في التَّذكرة والتَّحرير، والشَّهيد والمحقِّق الثَّانِيَيْن (رحمهما الله)، إرجاع ذلك إلى العرف، بل في الحدائق: «والظَّاهر أنّه هو المشهور بين المتأخِّرين»، واختاره صريحاً الشَّيخ الأنصاري (رحمه الله) مصرِّحاً بعدم كون العلف يوماً أو يومَيْن؛ لعارض على خلاف العادة منافياً له. وهذه هي الأقوال في المسألة.
أقول: ما ذكره المتأخِّرون من أنَّ الأصحَّ الرُّجوع في ذلك إلى العرف، لا محيص عنه، ولكن وقع الخلاف في تحقيق الصِّدق العرفي على سبيل الحقيقة دون مسامحة.
والإنصاف في هذه المسألة: يتوقَّف على بيان مقدِّمة يتَّضح الحال من خلالها.
وحاصلها: أنَّ المشتقَّات تختلف باختلاف المبادئ:
فقد يكون المبدأ في بعضها مأخوذاً على نحو الفِعْليَّة، فينتفي المشتقُّ بمجرد انقضاء المبدأ، مثل الأكل والشُّرب والقعود والقيام، فإنَّ هذه المبادئ تنقضي عَنِ الذَّات بمجرد أن تنتهى منها، فالأكل ينقضي عَنِ الآكل بمجرد أن يتوقَّف عنه، والقعود ينقضي عَنِ القاعد بمجرد أن ينتقل إلى حال أخرى، كالقيام مثلا، وهكذا.
وقد يكون بعضها مأخوذاً على نحو الحِرْفة والصَّنعة، كالتِّجارة والخِيَاطة.
وعليه، فهي أطول من المبادئ الفِعْليَّة؛ إذ من طبيعتها أن لا تنقضي عَنِ الذَّات بمجرد الانتهاء منها، وإنَّما تنقضي بالإعراض عنها، فالنَّجَّار نجَّارٌ حقيقةً حتَّى حال نومه، وعدم انشغاله بالنِّجارة؛ لأنَّ تلبُّسَه بهذا المبدأ تلبُّسٌ شأنيٌّ.
وقد يكون بعض المبادئ مأخوذاً على نحو المَلَكَة، كالاجتهاد، وهذه أطول مِنَ المبادئ الفِعْليَّة والحِرْفيَّة؛ لأنَّها لا تنتهى بمجرد الانتهاء منها، كالفعلية، ولا بمجرد الإعراض عنها، والتوقُّف عن ممارستها، كالحِرْفيَّة، وإنَّما تنتهي بطروِّ النِّسيان على المجتهد، فالمجتهد مجتهد حقيقةً حتَّى بعد فراغه من عمليَّة الاستنباط، بل حتَّى بعد توقُّفه عن ممارسة الفِقْه برمَّته، طالما أنه ما زال ذاكِراً لقواعد الاستنباط، فإذا نِسِيَ، بحيث لم يعد قادراً على استنباط الأحكام، لم يصدق عليه أنَّه مجتهد.
إذا عرفت ذلك، فنقول: هل المبدأ في المشتقَّ هنا وهو السَّائمة، أي الرَّاعية مأخوذ على نحو الفِعْليَّة، بحيث لو أمسكتِ السَّائمة عَنِ الرَّعي، كما لو نامت أو تلبَّست بالعلف، فيصحُّ أن يقال في حقِّها: إنَّها ليست سائمةً، بل هي نائمة أو معلوفة؟
والإنصاف: أنَّه ليس مأخوذاً على نحو الفِعْليَّة، ولا على نحو الحِرْفة والصَّنعة، ولا على نحو المَلَكة، وإنَّما أُخذِت على نحو شبه الحِرْفة والصَّنعة، فإذا أُطلِقت السَّائمة فيراد منها الاتِّصاف بالرَّعي بحسب ما جرت العادة عليه عند العرف، فإذا قال شخص: عندي مائة غنمة سائمة، فيصدق عند العرف أنَّها سائمة، ولو تلبَّست فعلاً بالنَّوم أوِ الشَّرب أو حتى بالعلف اليسير، فلو عُلِفت هذه الغنم في الشَّهر يوماً، أو بعض يوم، فلا يضر ذلك في صدق السوم عليها عرفاً.
وليس هذا من باب المسامحة العرفيَّة، بل لأجل أن حصول هذا العلف خلال السَّوم ليس منافياً لِمَا يُفهَم عرفاً من إطلاق اسم السَّائمة، وهي الدَّابَّة التي تغتذي بالرَّعي على النهج المتعارف عند أهلها، وليس العلف اليسير في خلال الرَّعي خلاف المتعارف.
نعم، إذا استمرَّ العلف أسبوعاً أو أكثر متواصلاً، فينقطع هذا العنوان حينئذٍ عند العرف، ولا يقال: إنَّها سائمة.
والخلاصة: أنَّ الأقوى عدم انقطاع السَّوم لو عَلَفها يوماً في كلِّ شهر، والله العالم والهادي إلى الصَّواب.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولا فرق بين أن يكون العَلَف لعُذْر أو لا، ولا بين أنْ تعتلف بنفسها أو بالمالك أو بغيره، من دون إذن المالك أو بإذنه، من مال المالك أو غيره(1)
(1) كلُّ ذلك لإطلاق الأدلَّة؛ لصِدْق الخروج في الجميع عَنِ اسم السَّائمة.
خلافاً للمحكيِّ عَنِ التَّذكرة والمُوجَز وكَشْفه فيما لو علفها الغير بغير إذن المالك، فتُلْحق بالسَّائمة؛ إذ لا مؤونة على المالك فيه.
وقد عرفت الجواب سابقاً: بأنَّه لا يعتدُّ بمثل هذه العِلَّة المستنبطة في الأحكام الشَّرعيَّة التَّعبُّديَّة.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولوِ اشترى مرعى فالظَّاهر أنَّه علف، أمَّا استئجار الأرض للرَّعي، أو ما يأخذه الظَّالم على الكلأ، فلا(1)
(1) ولعلَّ وجه التَّفرقة عند المصنِّف (رحمه الله): هو أنَّه في مورد الشِّراء تكون الغرامة في مقابلة الكلأ، فيكون مملوكاً، فيصدق عليه العلف، بخلاف الاستئجار، إذ عليه تكون الغرامة في مقابلة الأرض، فلا يصدق العلف.
وهكذا لو صانع الظَّالم فأعطاه مالاً ليرعى في الأرض المباحة، فلا يصدق العلف، بل يصدق عليها عنوان السَّائمة.
وقال المصنِّف (رحمه الله) في البيان: «ولو اشترى مرعى في موضع الجواز، فإن كان ممَّا يَسْتَنْبِتُه النَّاس، كالزُّروع فعُلِف، وان كان غيره فعندي فيه تردُّد؛ نظراً إلى الاسم والمعنى».
وفيه: ما ذكرناه سابقاً، من عدم كون المدار على الغرامة وعدم المؤونة، ولا على مُلْك العلف وغيره، بل على صِدْق الاسم.
والإنصاف: أنَّه يصدق عليها عنوان السَّائمة في الجميع، بلا فرق بين ما لو صانع المالك الظَّالم على الرَّعي في الأرض المباحة، فأعطاه مالاً مقابل ذلك، وبين ما لوِ استأجر أرضاً للرَّعي، وبين ما لوِ اشترى مرعى؛ لأنَّ الظَّاهر عند العرف أنَّ الرَّعي في المرعى سَوْم، سواء أكان مُلْكاً أم غيره.
ثمَّ إننا لو شككنا في صِدْق السَّوم في هذه الموراد، فالإنصاف: وجوب الزَّكاة أيضاً؛ لِمَا ذكرناه في علم الأصول من وجوب الاقتصار في المخصِّص المنفصل الدَّائر بين الأقلّ والأكثر في الشبهة المفهوميّة على القدر المتيقَّن الذي يقطع بخروجه من تحت العامِّ.
وقد عرفت أنَّ الرِّوايات دلَّت على وجوب الزَّكاة في الأنعام الثلاث، وهي مطلقة، خرّجنا المعلوفة منها بالدَّليل المنفصل وهو حسنة زرارة المتقدِّمة: «لَيْسَ عَلى مَا يُعْلَفُ شَيْءٌ، إِنَّمَا الصَّدَقَةُ عَلَى السَّائِمَةِ الْمُرْسَلَةِ»([7]).
وعليه، فما قطع بصِدْق المعلوفة عليه، فهو خارج حكم المطلق، وهو وجوب الزَّكاة، أما ما عداه فراجع إلى حكم المطلق، أي وجوب الزَّكاة، والله العالم.
([1]) الوسائل باب 6 من أبواب زكاة الأنعام ح1.
([2]) الوسائل باب 7 من أبواب زكاة الأنعام ح1.
([3]) الوسائل باب 7 من أبواب زكاة الأنعام ح2.
([4]) الوسائل باب 7 من أبواب زكاة الأنعام ح3.
([5]) الوسائل باب 8 من أبواب ما تجب فيه الزَّكاة وما تستحب فيه ح9.
([6]) الوسائل باب 7 من أبواب زكاة الأنعام ح3.
([7]) الوسائل باب 7 من أبواب زكاة الأنعام ح3.
|