• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : الاجتهاد والتقليد / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 51 _ الاجتهاد والتقليد 51 .

الدرس 51 _ الاجتهاد والتقليد 51

القول الثالث: ان العدالة عبارة عن ملكة نفسانية تبعث على ملازمة التقوى والمروّة.
بملازمة التقوى: اجتناب الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر.
والمراد بالمروّة: أن لا يفعل ما تنفر النفوس منه عادة، ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأزمنة والأمكنة.

وحكي عن مصابيح الظلام: ان هذا التعريف للعدالة -أي أنها ملكة نفسانية...الخ- هو المشهور بين الأصحاب.
بل عن الشيخ نجيب الدين العاملي نسبته إلى العلماء، ولعلّ مراده المتأخرون وإلّا فقد ذكر بعض الأعلام أن المتقدمين لم يأخذ أحد منهم ذلك في التعريف للعدالة.
بل في الكفاية وعن الذخيرة: «لم أعثر على هذا التعريف لغير العلّامة وليس في الأخبار له أثر ولا شاهد عليه فيما أعلم وكأنهم اقتفوا في ذلك أثر العامّة». (انتهى كلامه).

وعليه: فالعدالة بناءً على ذلك هي هيئة راسخة لا تحصل دفعة واحدة بل حصولها تدريجي، كما أنها لا تزول إلّا بالتدريج، ويحصل معرفتها للشخص بالمعاشرة بحيث يحصل من ملاحظة حاله الوثوق والاطمئنان بأنه لا يعصي الله سبحانه وتعالى.

وقد تحصل الملكة عن بعض المعاصي، كما هو المشاهد في كثير من الناس، فإنهم يجتنبون عن الزنا بالأم والأخت والبنت، وعن اللواط بولده، وعن أكل القاذورات كالغائط ونحوه، وعن المشي في الأسواق عارياً، ولهم في هذه الأمور ملكة راسخة بحيث تبعثهم على تركها ويعسر عليهم مخالفة مقتضاها.

وأما حصول الملكة عن جميع المعاصي بحيث يعسر عليه مخالفة مقتضاها بالنسبة إلى جميع المعاصي أي يعسر عليه ارتكاب المحرمات كل المحرمات فهو أمر ممكن وواقع لبعض الناس، ولا يعرف ذلك من الشخص إلّا بالاختبار الباطني، وتتبع الآثار حتى تطمئن نفسه بحصولها عن جميع المعاصي.

ولكن ذكر صاحب الجواهر (رحمه الله): «انه بناءً عليه، لا يمكن الحكم بعدالة شخص أبداً إلّا في مثل المقدّس الأردبيلي والسيد هاشم على ما ينقل من أحوالهما بل ولا منهما، فإنه أي نفس تطمئن بأنهما كان يعسر عليهما كل معصية ظاهرة وباطنة.
كلا، ان ذلك لبهتان وافتراء بل الإنسان من نفسه لا يعرف كثيراً من ذلك. (إلى أن قال): فدعوى أنه بمجرّد الخلطة على جملة من أحواله يحصل الجزم والاطمئنان بأنه في سائر المعاصي- ظاهرها وباطنها ما عرض له مقتضاها وما لم يعرض – له ملكة يعسر عليه مخالفتها مقطوع بفسادها.
كيف وقد سئل الأردبيلي -على ما نقل- ما تقول لو جاءت امرأة لابسة أحسن الزينة متطيّبة بأحسن الطيب وكانت في غاية الجمال وأرادت الأمر القبيح منك فاستعاذ بالله من أن يبتلى بذلك ولم يستطع أن يزكي نفسه. (ثم قال بعد ذلك): ومراعاة الأخبار تقضي بأن العدالة أمرها سهل كما ينبئ عنه الحثّ على الجماعة سفراً وحضراً وقولهم إذا مات الإمام أو أحدث قُدِّم شخص آخر ممن خلفه.
على أن أمر العدالة محتاج إليه في كثير من الأشياء كالطلاق والديون والوصايا وسائر المعاملات وهي على هذا الفرض في غاية الندرة بل لا يخلو من العسر والحرج قطعاً. (إلى أن قال): بل قد يقطع بعدم وجود الملكة في أكثر أصحاب النبيِّ (صلّى الله عليه وآله) ولذلك صدر منهم ما صدر من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكتمان الشهادة حتى ورد أنهم كلّهم دخلهم شك عدا المقداد وأبي ذر وسلمان وعمار.
واحتمال زوالها عنهم بمجرّد موت النبيِّ (صلّى الله عليه وآله) مستبعد جدّاً كما في سائر الملكات إذا الظاهر أن الملكة على تقدير زوالها إنما تزول بالتدريج لا دفعة كما اتفق لهم فتأمل مضافاً إلى أن الحكم بزوالها عند عروض ما ينافيها -من معصية أو خلاف مروّة- ورجوعها بمجرّد التوبة ينافي كونها ملكة... إلخ». (انتهى كلام صاحب الجواهر).
أقول: قبل الاستدلال لهذا القول الثالث. أن ما ذكره صاحب الجواهر فيه مغالطة، لأن ما ذكره إنما يتمّ في خصوص المرتبة العالية من العدالة فهي التي لا يتخلّف مقتضاها ولا يغلبها المزاحم. وهذه المرتبة العالية جدّاً هي يندر وجودها بل يمتنع إحراز وجود هذه المرتبة في أكثر الأعصار.
وأما المرتبة الدانية، فهي ثابتة وهي ليست بهذه الصعوبة. ومن المعلوم ان ملكة العدالة كسائر الملكات تتفاوت بالقوة والضعف. وهذه المرتبة الدانية قد يغلبها المزاحم من قوتي الشهوة والغضب فتتخلّف عن مقتضاها كملكتي الشجاعة والكرم، حيث قد يتخلّف عن مقتضاها أحياناً، ولذا قيل: «إن الجواد قد يكبو والسيف قد ينبو».


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2043
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء: 18-02-2020
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29