وعندنا جملة من الروايات دلّت على إتباع أشخاص معينين، ومن المعلوم أنه لا وجه لاتّباعهم إلا كونهم من العلماء المجتهدين المأخوذ عنهم الحلال والحرام:
منها: صحيحة أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن (عليه السّلام)، قال: «سألته وقلت من أعامل وممّن آخذ وقول من أقبل. فقال: العمري ثقتي فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدي، وما قال لك عنّي فعنّي يقول. فاسمع وأطع فإنه الثقة المأمون.
قال: وسألت أبا محمد (عليه السّلام) عن مثل ذلك. فقال: العمري وابنه ثقتان فما أدّيا عنّي فعنّي يؤديان، وما قالا لك فعنّي يقولان فاسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان الحديث».[1] وقوله (عليه السّلام): فما أديّا إليك عنّي فعنّي يؤديان، يشمل الرواية والفتوى، فإن الفقيه إذا أفتى بمسألة مستنداً فيها إلى رواية أهل البيت (عليهم السلام) يصدق عليه أنه أدّى عنهم (عليه السّلام).
ومنها: صحيحة عبد الله بن أبي يعفور، قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السّلام): انه ليس كل ساعة ألقاك ولا يمكن القدوم ويجيء الرجل من أصحابنا فيسألني وليس عندي كل ما يسألني عنه. فقال: ما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي فإنه سمع من أبي وكان عنده وجيهاً».[2]
ومنها: صحيحة شعيب العقرقوفي، قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السّلام): فربما احتجنا أن نسأل عن الشيء فمن نسأل. قال: عليك بالأسدي يعني أبا بصير».[3]
ومنها: صحيحة عليّ بن المسيّب الهمداني، قال: «قلت للرضا (عليه السّلام): شقتي بعيدة ولست أصل إليك في كل وقت فممّن آخذ معالم ديني. قال: من زكريا بن آدم القمّي المأمون على الدين والدنيا. قال عليّ بن المسيّب فلما انصرفت قدمنا على زكريا بن آدم فسألته عمّا احتجت إليه».[4]
ومنها: صحيحة عبد العزيز بن المهتدي والحسن بن عليّ بن يقطين جميعاً عن الرضا (عليه السّلام)، قال: «قلت: لا أكاد أصل إليك أسألك عن كلّ ما أحتاج إليه من معالم ديني أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني فقال: نعم».[5]
وكذا غيرها من الروايات الكثيرة.
الطائفة الثانية: ما دلّ على أن للعوام تقليد العلماء:
وهي رواية واحدة، رواها أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسيّ في الاحتجاج عن أبي محمد العسكري (عليه السّلام): «في قوله تعالى: ﴿فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله﴾. إلى أن قال (عليه السّلام): وكذلك عوامنا إذا عرفوا من علمائهم الفسق الظاهر والعصبيّة الشديدة والتكالب على الدنيا وحرامها، فمن قلّد مثل هؤلاء فهو مثل اليهود الذين ذّمهم الله بالتقليد لفسقة علمائهم. فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً على هواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه وذلك لا يكون إلّا بعض فقهاء الشيعة لا كلّهم فإن من ركب من القبائح والفواحش مراكب علماء العامّة فلا تقبلوا منهم عنّا شيئاّ ولا كرامة ...».[6] ولكنها ضعيفة بالإرسال.
قال صاحب الوسائل (رحمه الله): «وأورده العسكري (عليه السّلام) في تفسيره». (انتهى كلامه).
أقول: التفسير المنسوب إلى العسكري (عليه السّلام) لم يثبت بطريق معتبر، فإن في طريقه جملة من المجاهيل، كمحمد بن القاسم الأسترآبادي ويوسف بن محمد بن زياد وعليّ بن محمد بن سيّار. وهذا التفسير هو الذي ذكره الشيخ الصدوق بإسناده عن محمد بن القاسم الأسترابآدي. وهو مجلد واحد.
[1] وسائل الشيعة: باب 11 من أبواب صفات القاضي، ح4.
[3] وسائل الشيعة: باب 11 من أبواب صفات القاضي، ح15.
[4] وسائل الشيعة: باب 11 من أبواب صفات القاضي، ح27.
[5] وسائل الشيعة: باب 11 من أبواب صفات القاضي، ح33.
[6] وسائل الشيعة: باب 10 من أبواب صفات القاضي، ح20.
|