• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : الاجتهاد والتقليد / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 11 _ الاجتهاد والتقليد 11 .

الدرس 11 _ الاجتهاد والتقليد 11

الاجتهاد والتقليد    11

وأما العقليات الوجدانية كالتحسين والتقبيح العقليين: فلا يتطرّق إليها التخطئة بل لا بدّ فيها من التصويب، فإنّ حقيقة الحسن العقلي ليس إلّا عبارة عن ملائمة الشيء لدى القوة العاقلة كسائر ملائمات الشيء لدى سائر القوى من الذائقة والسامعة والشامّة ونحوها، في قبال منافرة لدى القوى العاقلة المسمّى بالقبيح، ومن الواضح استحالة تطرّق التخطئة في مثل هذه الإدراكيات الوجدانية لأنه ليس لها واقع محفوظ وراء حصول صفة الانبساط والاشمئزاز الوجدانية، ومن هنا قلنا بامتناع تطرق الشك في مثل هذه الادراكيات الوجدانية، لامتناع خفاء الوجدانيات على الوجدان، نعم ما هو القابل للتخطئة ولتطرق الشك إليها انما هو مناط حكمه بالحسن والقبح من المصالح أو المفاسد الواقعية النفس الأمرية.
أما الأمر الثاني: في التخطئة والتصويب في الشرعيات.
فالمتّفق عليه بين علماء الطائفة الإمامية (أيدهم الله تعالى): هو التخطئة فيها، لاتفاقهم على أن الله سبحانه وتعالى له في كل مسألة حكم مخصوص يؤدي إليه الاجتهاد تارة، والى غيره أخرى.
وأما مخالفونا: ففرّقوا بين الظنّ بالحكم الحاصل من الكتاب والسنة والظنّ بالحكم الحاصل من غيرهما، فقالوا بالتخطئة في الأول، واختلفوا في الظنّ بالحكم الحاصل من مثل القياس والاستحسان والمصالح المرسلة وسد الذرائع فقال جمعٌ منهم بالتخطئة فيها، وآخرون بالتصويب. قال الآمدي: «المسألة الظنية من الفقهيات إما أن يكون فيها نص أو لا يكون ، فإن لم يكن فيها نص فقد اختلفوا فيها فقال قوم : كل مجتهد فيها مصيب وأن حكم اللَّه فيها لا يكون واحداً بل هو تابع لظن المجتهد فحكم اللَّه في حق كل مجتهد ما أدى إليه اجتهاده وغلب على ظنه وهو قول القاضي أبي بكر وأبي الهذيل والجبائي وابنه . وقال آخرون: المصيب فيها واحد ومن عداه مخطئ، لأن الحكم في كل واقعة لا يكون إلَّا معيناً لأن الطالب يستدعي مطلوباً وذلك المطلوب هو الأشبه عند اللَّه في نفس الأمر». (انتهى كلام الآمدي).
ومهما يكن فإنّ هناك ثلاث احتمالات للتصويب عند الجماعة:
الاحتمال الأول: هو أنّ الله سبحانه وتعالى قد أنشأ أحكاماً واقعية بعدد آراء المجتهدين من قَبل اجتهادهم على طبق ما يؤدي إليه ظنهم ويستقرّ عليه رأيهم.
وهذا المعنى من التصويب وإن كان ممكناً في مقام الثبوت لا استحالة فيه أصلاً ولكنه باطل في مقام الإثبات لتواتر الأخبار وتسالم الأصحاب على أنّ لله تعالى في كلّ واقعة حكماً يشترك فيه الكلّ يصيبه قومٌ ويخطئه آخرون، لا أنّ له تعالى في كلّ واقعة أحكاماً عديدة بعدد آراء المجتهدين لكلّ واحدٍ منهم حكمٌ يختصّ به.
ومراد الأعلام من تواتر الأخبار: هو أخبار الوقوف والاحتياط الدالة على وجود حكم واقعي لكلّ مسألة وأن الأمر بالاحتياط إنما هو لأجل التحفّظ عليه.
الاحتمال الثاني: أن الله -سبحانه وتعالى- ينشأ أحكاماً واقعية بعدد آراء المجتهدين من بعد اجتهادهم على طبق ما أدى إليه ظنّهم واستقر عليه رأيهم.
وفيه، أوّلاً: أنه غير معقول، أي أنه مستحيل ثبوتاً للزوم الدور المستحيل لتوقف إنشاء الأحكام على اجتهاد المجتهدين، لما عرفت أنه لا حكم قبل حصول الرأي، وتوقف اجتهادهم على إنشاء الأحكام، لما عرفت من تعريف الاجتهاد حيث عرّفه جماعة منهم بأنه استفراغ الوسع في تحصيل الظن بالحكم الشرعي.
وهذا المعنى في نفسه متوقف على وجود الحكم في الواقع وإلّا فعمّا يفحص، وفي ماذا يستفرغ وسعه؟
والحاصل: أن الاجتهاد متوقف على الحكم الشرعي، فإذا توقف الحكم الشرعي على اجتهاد المجتهدين لزم الدور المستحيل، هذا أوّلاً.
وثانياً: مع قطع النظر عن المانع الثبوتي فهو باطل في مقام الإثبات، لما عرفت من تواتر الأخبار وتسالم الأعلام على أن لله -سبحانه وتعالى- في كل واقعة حكماً يشترك فيه الكل، يصيبه قوم، ويخطئه آخرون.

الاحتمال الثالث: هو أن يكون المراد من التصويب هو التصويب بالنسبة إلى الحكم الفعلي لا الإقتضائي والإنشائي، وعليه فهناك أحكام واقعية إنشائية قبل اجتهاد المجتهدين.
نعم، الحكم الفعلي هو خصوص ما أنشأه الله -تبارك وتعالى- على طبق اجتهاد المجتهدين.
وبعبارة أخرى، فإن الأحكام الواقعية ثابتة في اللوح المحفوظ، وهي مشتركة بين العالم والجاهل قبل اجتهاد المجتهدين، إلا أنه بعد اجتهادهم فإن كانت فتواهم مطابقة للواقع فَبِهَا ونِعْمَت وإلا فيكون الفتوى سبباً في حصول مصلحة في متعلقها أقوى من مصلحة الواقع، ويترتب على ذلك حكم واقعي جديد يكون بدلا للسابق.
ولا إشكال على هذا التصويب في مقام الثبوت، إذ لا يلزم منه المستحيل، ولكنه باطل في مقام الإثبات.
وبعبارة أخرى، لا مانع من كون الحكم في مقام الثبوت مقيداً بعدم قيام الاجتهاد على خلافه، كما ان الحكم مقيّد فعلاً بعدم الحرج والضرر، ولا محذور في ذلك، لكن الإشكال في مقام الإثبات، فإنه قام الدليل عندنا على أن الحكم الواقعي الأوّلي مقيّد بأدلّة الحرج والضرر. وأما تقييده بعدم قيام الاجتهاد على خلافه، فإنه يحتاج إلى الدليل عليه، وهو مفقود بل تسالم الأعلام عندنا على عدمه.
أضف إلى ذلك، ان التصويب بهذا المعنى يلزم منه اختصاص الأحكام بالعالمين بها، وهذا خلف لفرض اشتراكها بين العالم والجاهل.
والخلاصة إلى هنا: ان التصويب بكل معانيه باطل، بعضه ثبوتاً وإثباتاً، وبعضها باطل في مقام الإثبات فقط.
إذن لا محيص عن القول بالتخطئة في الأحكام الشرعية، كما لا محيص عن القول بها في الإدراكات العقلية الاستكشافية، والله العالم.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=1941
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء: 13-11-2019
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12