• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : كتاب الصلاة .
              • القسم الفرعي : مبحث مستحبات الصلاة / بحث الفقه .
                    • الموضوع : الدرس 580 _ مستحبات الصلاة 15 .

الدرس 580 _ مستحبات الصلاة 15

أما الأمر الخامس: وهو: هل محلّ السُّجود بعد الفراغ من الآية، أم يجب بعد الكلمة المتضمنة للسَّجدة وإن لم يفرغ من الآية الشَّريفة.

المعروف بين الأعلام: أنَّ محلّ السجود إنَّما هو بعد الفراغ من آية السجدة.
وفي الحدائق: «ظاهرهم الاتِّفاق عليه»[1]. (انتهى كلامه)
وفي مفتاح الكرامة: «صرَّح جمهور علمائنا بأنَّ مواضع السجود في الأربع آخر الآية»[2]. (انتهى كلامه)
وعن المحقِّق (رحمه الله) في المعتبر: «أنَّ موضع السجدة في حم السجدة عند قوله تعالى: ﴿وَاسْجُدُوا لِلَّهِ﴾، حاكياً له عن الشيخ  في الخلاف»[3]. (انتهى كلامه)

وأنكر بعض الأعلام هذه النسبة إلى الشيخ (رحمه الله)، بل ظاهر الشيخ (رحمه الله) في الخِلاف كباقي الأعلام، هو أنَّ محلَّ السجود بعد الفراغ من الآية. قال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى: «موضع السجود عند التلفظ به في جميع الآيات والفراغ من الآية، فعلى هذا يسجد في فصلت عند ﴿تَعْبُدُونَ﴾، وهو الذي ذكره في الخلاف والمبسوط واحتج عليه بالإجماع، وقال: قضية الامر الفور. ونقل في المعتبر عن الخلاف انه عند قوله تعالى: ﴿وَاسْجُدُوا لِلَّهِ﴾ واختاره مذهبا. وليس كلام الشيخ صريحا فيه ولا ظاهرا، بل ظاهره ما قلناه، لأنه ذكر في أول المسألة: ان موضع السجود في «حم» عند قوله: ﴿وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾، ثم قال: وأيضا قوله: ﴿وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ﴾ أمرٌ، والامر يقتضي الفور عندنا، وذلك يقتضي السجود عقيب الآية ومن المعلوم ان آخر الآية ﴿تَعْبُدُونَ﴾. ولأن تخلل السجود في أثناء الآية يؤدّي إلى الوقوف على المشروط دون الشرط، وإلى ابتداء القارئ بقوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ وهو مستهجن عند القراء. ولأنه لا خلاف فيه بين المسلمين، انما الخلاف في تأخير السجود إلى ﴿يَسْأَمُونَ﴾ فان ابن عباس والثوري وأهل الكوفة والشافعي يذهبون إليه والأول هو المشهور عند الباقين. فاذن ما اختاره في المعتبر لا قائل به، فان احتج بالفور، قلنا: هذا القدر لا يخل بالفور، والا لزم وجوب السجود في باقي آي العزائم عند صيغة الامر، وحذف ما بعده من اللفظ، ولم يقل به أحد»[4]. (انتهى كلامه)

أقول: ما ذكره الأعلام من أنَّ محل السجود هو آخر آية السجدة، بدليل عدم الخلاف فيه بين المسلمين، هو في غاية الصحّة والمتانة. ويؤيِّده بعض الرِّوايات:
منها: رواية سماعة قال: «مَنْ قرأ اقرأ باسم ربك، فإذا ختمها فَلْيسجد ...»[5]، ولكنّ هذه الرواية مقطوعة، وليست مسندة إلى الإمام (عليه السلام)، ولا أنها مضمرة حتَّى يقال: إنّ مضمرات سماعة مقبولة، إذ يحتمل أن يكون فاعل قال هو سماعة، ويكون ذلك فتوى له، لأنّه من العلماء. وبالجملة، فالرِّواية ضعيفة سنداً، فالتعبير عنها بالموثقة في غير محلِّه.
ومنها: مرسلة مجمع البيان عن أئمتنا (عليهم السَّلام): «أنَّ السجود في سورة فصِّلت عند قوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾»[6]، هذه الرواية ضعيفة بالإرسال. ثمّ إنّه لو شككنا في وجوب السجود بعد الانتهاء من اللفظة المتضمنة للسجدة وقبل تمام الآية، فالأصل هو البراءة.

وأمَّا الاستدلال للسُّجود قبل إتمام الآية بأنّ قوله تعالى: ﴿وَاسْجُدُوا لِلَّهِ﴾ هو أمر، والأمر يقتضي الفوريَّة.
ففيه، أولاً: أنَّ الأمر في الآية الشَّريفة إنِ اقتضى وجود السجود فمعناه يجب السجود، سواء قرأ الآية أم لم يقرأها، كما هو الحال في سائر الأحكام التي اشتملت عليها الآيات الشَّريفة من الصلاة والصوم والزكاة، ونحوها. وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به، إذ المراد الوجوب عند التلاوة والقراءة، أو الاستماع.
وثانياً -مع قطع النظر عمّا ذكرنا-: أنَّ الأمر لا يقتضي الفوريَّة، كما ذكرنا في علم الأصول، نعم، استفدنا الفوريَّة في وجوب سجود التلاوة من قرينة خارجيَّة، سيأتي التنبيه عليها إن شاء الله تعالى قريباً.
وثالثاً: لو سلّمنا ذلك إلا أنّ المراد الفوريَّة العرفيّة لا الدقة العقليّة، والسجود عن انتهاء الآية الشريفة لا يخلّ بالفوريَّة.

وأمَّا ما استُدلّ به صاحب الحدائق (رحمه الله) على كون السجود قبل انتهاء الآية الشَّريفة بقوله: «لا يخفى أن ظواهر الأخبار التي قدمناها هو السجود عند ذكر السجدة لتعليق لسجود في جملة منها على سماع السجدة أو قراءتها أو استماعها والمتبادر منها هو لفظ السجدة، والحمل على تمام الآية يحتاج إلى تقدير في تلك العبارات بأن يراد سماع آية السجدة إلى آخرها. إلا أن ظاهر الأصحاب الاتفاق على أن محل السجود بعد تمام الآية كما عرفت، وإليه يشير قول شيخنا الشهيد في آخر عبارته: وإلا لزم وجوب السجود .. إلى قوله ولم يقل به أحد. وبالجملة فإني لا أعرف لإطلاق الأخبار المذكورة مخصصا سوى ما يدعى من الاتفاق في المقام»[7]. (انتهى كلامه)
فيرد عليه: أنَّ ما ذكره في غير محلّه أصلاً، لعدم ورود لفظ السجدة بهذه الهيئة والمادَّة في شيء من العزائم حتَّى يكون المتبادر من النصوص هذه اللفظة، وإنَّما الموجود فيها سائر المشتقات، مثل «اسجدوا»، و «اسجد»، ونحو ذلك.

وبالجملة، فليس المقصود بقراءة السجدة، أو سماعها، الواردتين في النصوص التلفُّظ بلفظ السجدة، بل المقصود بها الإشارة إلى الآيات المعهودة التي قد يُعبَّر عنها بالعزائم وأخرى بالسجدة. وعليه، فلا بد من ارتكاب التقدير في تلك النصوص، بأن يراد قراءة آية السجدة أو سماعها.

ومن هنا يتضح أنَّ الموجب للسجود هو نفس الآية الشريفة لا أبعاضها وإنِ اشتمل البعض على الأمر بالسجود. ولذا قلنا سابقاً: إنَّ مقتضى الأصل عدم سببيَّة البعض للسُّجود، والأصل براءة الذمَّة عن التكليف به، والله العالم بحقائق أحكامه.

*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولا يشترط الطهارة*
قال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى: «الأظهر ان الطهارة غير شرط في هذا السجود، للأصل. (إلى أن قال): وابن الجنيد ظاهره اعتبار الطهارة»[8]. (انتهى كلامه)

أقول: من المعلوم عند الأعلام أنه لا يشترط في هذا السجود الطهارة من الخبث والحدث الأصغر والأكبر، وقد يستدل لذلك بأربعة أدلة:
الدليل الأول: التسالم بينهم وعدم قدح المخالف.
الدليل الثاني: الأصل، إذْ لا يوجد ما يدلّ على اعتبار الطهارة فيه -عدا حدث الحيض حيث وقع الكلام فيه-.
الدليل الثالث: إطلاقات النصوص، إذْ لم يقيّد فيها كون القارىء أو المستمع طاهراً.

أما الدليل الرابع وهو الروايات الخاصّة، فيأتي الكلام عنه في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الحدائق الناضرة: ج8، ص335.
[2] مفتاح الكرامة: ج7، شرح ص439.
[3] المعتبر: ج2، ص273.
[4] ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة: ج3، ص468.
[5] وسائل الشيعة: باب 37 من أبواب القراءة في الصلاة، ح2.
[6] وسائل الشيعة: باب 42 من أبواب قراءة القرآن، ح8.
[7] الحدائق الناضرة: ج8، ص334.
[8] ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة: ج3، ص471.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=1480
  • تاريخ إضافة الموضوع : الخميس: 18-01-2018
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18