كان الكلام بالنسبة لتعفير الجبينين والخدّين، ثمَّ إنَّ ما ذكره المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى من تأدِّي السنَّة بالوضع على ما اتّفق، وإن كان التراب أفضل، هو الأقوى، لأنَّ الموجود، وإن كان هو الوضع على الأرض، إلَّا أنَّه ليس على نحو التقييد، كما لا يخفى.
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وسُؤال الحاجة فيهما*
ورد ذلك في عدَّة من الرِّوايات تقدَّم بعضها، مثل حسنة عبد الله بن جندب المتقدمة، حيث ورد فيها: «ثم تسأل حاجتك إن شاء الله»[1]، وغيرها من الروايات.
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وقول: شكراً، مائة مرّة، أو عفواً*
كما في حسنة عبد الله بن جندب المتقدِّمة، حيث ورد فيها: « ثم تعود إلى السجود وتقول مائة مرة شكرا شكرا».
وفي رواية سُليمان بن حفص المَرْوَزي أنَّه قال: «كتَب إليَّ أبو الحسن الرضا (عليه السلام): قل في سجدة الشُّكر: مائة مرَّة شكراً شكراً، وإن شئتَ عفواً عفواً»[2]، هذه الرواية ضعيفة بجهالة سُليمان بن حفص المَرْوَزي.
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويجزِئ ثلاث فما فوقها*
كما يستفاد ذلك من بعض الرِّوايات:
منها: رواية محمَّد بن جعفر، أنَّ الصَّادق (عليه السلام) قال: «إنَّما يسجد المصلِّي سجدةً بعد الفريضة ليشكر الله تعالى ذكره فيها على ما منّ به عليه مِنْ أداء فرضه، وأدنى ما يجزئ فيها: شكراً لله، ثلاث مرات»[3]، هذه الرواية ضعيفة، لأنَّ في إسناد الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) إلى أبي الحسين الأسدي -يعني محمد بن جعفر-: علي بن أحمد بن موسى، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام، ومحمد بن أحمد السِّناني، والأولان غير مذكورين، والثالث مهمل.
ومنها: رواية عليّ بن الحسن بن فضَّال عن أبيه عن أبي الحسن الرِّضا (عليه السلام) قال: «السَّجدة بعد الفريضة شكراً لله عزَّوجل على ما وفِّق له العبد من أداء فريضة، وأدنى ما يجزي فيها من القول أن يقال: شكراً لله، شكراً لله، شكراً لله، ثلاث مرات، قلت: فما معنى قوله: شكراً لله؟ قال: يقول: هذه السَّجدة منِّي شكراً لله على ما وفَّقني له من خدمته وأداء فرضه، والشُّكر موجب للزِّيادة، فإن كان في الصَّلاة تقصير لم يُتمّ بالنوافل تمَّ بهذه السَّجدة»[4]، هذه الرواية ضعيفة بجهالة محمَّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، وإهمال أحمد بن محمَّد سعيد الكوفي.
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ورفع يديه فوق رأسه*
كما في صحيحة صفوان بن مهران الجمال قال: «رأيتُ أبا عبد الله (عليه السلام) إذا صلَّى وفرغ من صلاته يرفع يديه فوق رأسه»[5]. وكذا غيرها من الرِّوايات.
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: والانصراف عن اليمين*
كما يستفاد ذلك من عدَّة روايات:
منها: موثَّقة سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا انصرفت من الصَّلاة فانصرف عن يمينك»[6].
ومنها: رواية محمَّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إذا انصرفت من الصَّلاة فانصرف عن يمينك»[7]، هذه الرواية ضعيفة، لأنَّ في إسناد الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) إلى محمَّد بن مسلم: علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه، وهما غير مذكورين.
ومنها: ما في الحديث الأربعمائه عن عليّ (عليه السلام) قال: «إذا انفتلتَ من الصَّلاة فانفتل عن يمينك»[8]، هذه الرواية ضعيفة أيضاً بالقاسم بن يحيى وجده الحسن بن راشد، فإنَّهما غير مذكورين .
ثمَّ إنَّه بقي في المقام أمران:
الأمر الأول: المعروف بين الأعلام أنَّه يستحبّ إطالة السُّجود فيه، وذلك للأخبار الكثيرة:
منها: صحيحة زيد الشحَّام عن أبي عبد الله (عليه السلام) -في حديث- قال: «إنَّ العبد إذا سجد فأطال السُّجود نادى إبليس: يا ويله! أطاعوا وعصيت، وسجدوا وأبيت»[9]، هذه الرواية صحيحة لأنَّ هارون بن خارجة الأنصاري الكوفي متَّحد مع هارون بن خارجة الصيرفي، وهو ثقة .
ومنها: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: «مرّ بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) رجلٌ وهو يعالج بعض حجراته، فقال يا رسول الله ألا أكفيك فقال شأنك، فلما فرغ قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) حاجتك، قال الجنة فأطرق رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال نعم، فلما ولّى قال له يا عبد الله أعنا بطول السجود»[10].
ومنها: مرسلة الفقيه قال: «كان أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) يسجد بعدما يصلِّي فلا يرفع رأسه حتَّى يتعالى النَّهار»[11]، هذه الرواية ضعيفة بالإرسال.
الأمر الثاني:
قال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى: «ليس في سجود الشًّكر تكبيرة الافتتاح، ولا تكبير السّجود، ولا رفع اليدين، ولا تشهُّد، ولا تسليم، وهل يستحبّ التكبير لرفع رأسه من السُّجود أثبته في المبسوط، وهل يشترط فيه وضع الجبهة عل ما يصحّ السُّجود عليه في الصَّلاة في الأخبار السَّالفة إيماءً إليه؛ والظَّاهر أنَّه غير شرط، لقضية الأصل؛ أمَّا وَضْع الاعضاء السَّبعة فمعتبر قطعاً ليتحقَّق مسمَّى السُّجود»[12]. (انتهى كلامه)
أقول: ما ذكره المصنِّف (رحمه الله) من أنَّه ليس في سجود الشكر تكبير ولا تشهُّد ولا تسليم فهو في محله، وذلك لإطلاق الرِّوايات المتقدِّمة؛ وأمَّا ما أثبته في المبسوط من استحباب التكبير للرَّفع من السُّجود فلا دليل عليه بالخصوص، اللَّهمَّ إلَّا أن يستفاد من إطلاق بعض الرِّوايات في التكبير للسُّجود بعد منع اختصاصه بسجود الصَّلاة، وإن كان الأقوى: أنَّه منصرف إلى سجود الصَّلاة.
وممَّا ذكرنا يتضح لك أيضاً:
عدم اشتراط الطَّهارة والسِّتر، وذلك لإطلاق الرِّوايات، ولو فرضنا عدم الإطلاق فمقتضى الأصل هو عدم الاشتراط.
وأمَّا ما ذكره المصنِّف (رحمه الله) من عدم اشتراط وضع الجبهة على ما يصح السُّجود عليه في الصَّلاة فهو متين أيضاً، وذلك لعدم الدَّليل على الاشتراط، ومقتضى الأصل عدمه؛ وأما ما اختاره من اشتراط وضع المساجد السبعة حتى يتحقق مسمى السجود، فهو في غير محله لِما ذكرناه من صدق السجود بمجرد وضع الجبهة وإنْ لم يضع باقي الأعضاء، وإنما وضع باقي الأعضاء معتبرٌ شرعاً في سجود الصلاة كما تقدم، وقد اعترف المصنف (رحمه الله) أيضاً بأنّ السجود يصدق بمجرد وضع الجبهة.
وعليه: فلا دليل هنا على وجوب اعتبار وضع الباقي. ومما يشهد لما ذكرناه ما ذكره المصنف (رحمه الله) وغيره من الأعلام من استحباب بسط الذراعين والصدر والبطن فيه، مِمّا لا يمكن وضعها جميعاً معه. والله العالِم.
أما السجود للتلاوة وغيرها، فسيأتي الكلام عنه في الدرس القادم. إن شاء الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] وسائل الشيعة: باب 6 من أبواب سجدتي الشكر، ح1. (إضغط لتصفح الرواية)
[2] وسائل الشيعة: باب 6 من أبواب سجدتي الشكر، ح2.
[3] وسائل الشيعة: باب 1 من أبواب سجدتي الشكر، ح2.
[4] وسائل الشيعة: باب 1 من أبواب سجدتي الشكر، ح3.
[5] وسائل الشيعة: باب 14 من أبواب التعقيب، ح1.
[6] وسائل الشيعة: باب 38 من أبواب التعقيب، ح3.
[7] وسائل الشيعة: باب 38 من أبواب التعقيب، ح1.
[8] وسائل الشيعة: باب 38 من أبواب التعقيب، ح2.
[9] وسائل الشيعة: باب 23 من أبواب السجود، ح1.
[10] وسائل الشيعة: باب 23 من أبواب السجود، ح2.
[11] وسائل الشيعة: باب 2 من أبواب سجدتي الشكر، ح1.
[12] ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة: ج3، ص465.
|