• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : الاصول العملية / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 142 _ الإستصحاب 3 .

الدرس 142 _ الإستصحاب 3

ثمّ إنه قد أُشكل على قول صاحب الكفاية (رحمه الله): «إنّ عباراتهم في تعريفه وإن كانت شتّى، إلا أنها تشير إلى مفهومٍ واحدٍ ومعنى فاردٍ ...»، بأنّ هذا غير صحيح، فإنه بناءً على كون الاستصحاب من الأمارات لا من الأصول، فكيف يصحّ تعريفه بأنه حكم الشارع بالبقاء في ظرف الشك؟. مع أن الأمارة مما ينكشف الحكم بها، فكيف يعرّف بالحكم.

والإنصاف: أن هذه التعاريف كلها لفظية، ليست بالحد ولا بالرسم، بل هي من قبيل شرح الإسم، مثل قولك: ما السُعدانة، بأنها نبتٌ. فلا ينبغي الإشكال عليها بعدم الطرد تارةً وبعدم العكس أخرى، إذ مورد هذه الإشكالات هو التعريف الحقيقي المبيِّن لمطلب «ما الحقيقية»، دون التعريف اللفظي المبيِّن لمطلب «ما الشارحة».

ومع ذلك فإن أَسلَمَ التعاريف وأَخْصَرَها هو تعريف الشيخ الأعظم الأنصاري (رحمه الله): «إبقاء ما كان». أما أخصريته فواضحة. وأما أَسَدِيَّته فلكونه جامعاً لجميع المسالك في الاستصحاب. لأن «الإبقاء» عبارة عن: مطلق الحكم بالبقاء والتصديق به، وهو أعم من «حكم الشارع وتعبده بالبقاء». أو «حكم العقل وتصديقه الظنّي به». أو «حكم العقلاء». إذْ أنّ الاستصحاب عبارة عن: «الحكم ببقاء ما كان من حيث أنه كان».
أما بناء على التعبّد وأخذه من مضامين الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك: يكون عبارة عن الحكم الإنشائي من الشارع في مرحلة الظاهر وتعبّده ببقاء ما علم حدوثه سابقاً وشك في بقاءه لاحقاً.
وأما بناءً على أخذه من العقل: فهو عبارة عن إدراك العقل وتصديقه الظنّي ببقاء ما كان، للملازمة الغالبية في الأشياء بين ثبوتها في زمان وبقائها في زمان لاحقٍ عليه.
وأما بناءً على أخذه من بناء العقلاء: فيكون عبارة عن التزامهم على الجَرْي العملي على بقاء ما كان بملاحظة كينونته في السابق ما لم يظهر لهم ارتفاعه.

وقد اتضح لك أنه على جميع المسالك ينطبق تعريف الشيخ الأنصاري (رحمه الله) على الأصل المذكور. نعم بناء على كون الاستصحاب مأخوذاً من الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك، فتعريفه بما ذكره الشيخ الأعظم (رحمه الله) يكون تعريفاً باللازم، لأنه يلزم من النهي عن نقض اليقين بالشك، إبقاء ما كان، ولكن هذا لا يضر بالمطلب.

وأما الإشكال بأن هذا التعريف غير سليم، لعدم اشتماله على اليقين السابق والشك اللاحق، وهما ركنان في الاستصحاب.
فجوابه:
أما بالنسبة للشك اللاحق: فإن التعريف مشتملٌ عليه، وذلك لأن حكم العقل ببقاء الشيء استناداً إلى وجوده سابقاً. وكذا حكم الشارع وتعبّده في الظاهر، أو ببناء العقلاء وجريهم عملاً على وجوده، لا يكون إلا من جهة كونه مشكوك البقاء في الزمن اللاحق، وإلا لَما كان لحكم الشارع وتعبّده ولا لحكم العقل به ظنياً، ولا لبناء العقلاء على الجري العملي على طبق الحالة السابقة مجال، كما لا يخفى.
وأما بالنسبة لليقين السابق: فهو أيضاً يستفاد من التعريف، فإنّ «ما كان» عبارة عن الكينونة السابقة، وهي ملازمة لليقين السابق، بل يستفاد ذلك أيضاً من لفظ «الإبقاء» باعتبار كونه إثباتاً لِلازم الشيء، لأن الجزم بثبوت اللازم، ملازمٌ للجزم بثبوت الملزوم.

نعم يبقى في المقام إشكالٌ لا يمكن دفعه وهو: أن الاستصحاب «بناءً على أخذه من العقل» يكون عبارة عن إدراك العقل وتصديقه الوجداني الظنّي ببقاء ما ثَبَتَ تعويلاً على ثبوته سابقاً، للملازمة الغالبية في الوجودات بين الحدوث والبقاء، ومرجعه إلى كون اعتباره من باب الظنّ الشخصي لا النوعي. ومن لوازم ذلك: عدم صحة إطلاق التعارض في الاستصحابات المتعارضة، ولا حكومة الاستصحاب السببي على المسببي، لاستحالة تحقق التعارض بين دليلين يكون حجيتها من حيث وصف الظن الفعلي، لأن اجتماع الظنين الفعليين بالمتنافيين محال، فلا يمكن حصول الظن الفعلي بعدم اللازم في فرض حصوله بالملزوم وبالعكس. وهذا بخلاف القول باعتباره من «باب الأَخبار» فإنه بناء عليه، يصح إطلاق التعارض في الاستصحابات المتعارضة والمصير إلى الحكومة في الاستصحابات السببية. وكذا يصح ذلك بناء على اعتباره من «باب بناء العقلاء- أي الظن النوعي-» فإنه لا محذور فيه.
ولكن مع ذلك يبقى تعريف الشيخ الأعظم الأنصاري (رحمه الله) هو الأسلم وإن لم يسلم من بعض الإشكالات. والذي يهوّن الخطب أن هذه التعاريف كلها لفظية.
هذا تمام الكلام في مسألة تعريف الاستصحاب.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=1437
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء: 12-12-2017
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12