• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : كتاب الصلاة .
              • القسم الفرعي : مبحث القنوت / بحث الفقه .
                    • الموضوع : الدرس 380 _ القنوت في الصلاة 2 .

الدرس 380 _ القنوت في الصلاة 2

إن قلت: إنَّ القنوت في الآية الشَّريفة بمعنى الدُّعاء، قال في مجمع البيان في تفسير الآية الشَّريفة: «قال ابن عباس: معناه داعين...».

والقنوت بالمعنى المصطلح عليه هو الدُّعاء في الصّلاة حال القيام.

وفيه أوَّلاً: أنَّ القنوت بالمعنى المصطلح عليه لا يختصّ بالدّعاء، فإنَّ أفضل القنوت كلمات الفرج، ولا يوجد فيها دعاء.

وثانياً: أنَّ رواية مجمع البيان ضعيفة بالإرسال.

وثالثاً: أنَّها معارضة بما رواه عليّ بن إبراهيم في تفسيره قال: «حدثني أبي عن النضر بن سويد عن ابن سنان عن أبي عبد الله N أنَّه قرأ: «حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى صلاة العصر «وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِين فقوله: « وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِين قال: إقبال الرّجل على صلاته ومحافظته حتّى لا يلهيه ولا يشغله عنها شيء»[i]f690.

والمظنون أنَّ ابن سنان الذي يروي عنه النضر بن سويد هو عبد الله لا محمَّد بن سنان، إلاَّ أنَّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً، فتكون الرِّواية حينئذٍ ضعيفة، لاشتراك ابن سنان بين الثقة وهو عبد الله، والضّعيف وهو محمَّد.

وروى العياشي عن زرارة عن أبي جعفر N «في قول الله: «وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِين قال: مطيعين راغبين»[ii]f691، وروى العياشي أيضاً عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله N «في قوله تعالى: « وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِين قال: إقبال الرَّجل على صلاته، ومحافظته على وقتها...»[iii]f692؛ ولكنَّهما ضعيفتان بالإرسال.

وبالجملة، فهذه جملة من الأخبار المعارضه لرواية مجمع البيان والمشتملة على تفسير الآية.

والذي يهوِّن الخطب أنَّ هذه الرِّوايات كلّها ضعيفة السَّند.

نعم، في صحيحة زرارة عن أبي جعفر N «قال: وقال تعالى: «حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى »، وهي صلاة الظهر، وهي أوَّل صلاة صلاها رسول الله C، وهي وسط النهار، ووسط صلاتين بالنَّهار، صلاة الغداة وصلاة العصر؛ « وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِين قال: وأُنزلت هذه الآية يوم الجمعة، ورسول الله C في سفره فقنت فيها رسول الله C، وتركها على حالها في السَّفر والحضر...»[iv]f693، ولكن لا يظهر من الصَّحيحة أنّ قنوت رسول الله C كان بالمعنى المصطلح عليه.

ولعلَّه كان بمعنى الخشوع والسّكون ونحو ذلك، ومع التسليم بأنَّ قنوته C دعاؤه، إلاَّ أنَّه لم يعلم أنَّه بالمعنى المصطلح عليه، فلعلّه مطلق الدّعاء، لأنَّ الصَّلاة مشتملة على القراءة، والأذكار، وفيها معنى الدّعاء، لاسيّما الفاتحة، فإنّها مشتملة على الدّعاء.

والخلاصة إلى هنا: أنَّ الآية الشّريفة لا تدلّ على وجوب القنوت بالمعنى المصطلح عليه، والله العالم.

وأمَّا السَّنة الشَّريفة فعدَّة من الرِّوايات:

منها: صحيحة وهب بن عبد ربه عن أبي عبد الله N «قال: مَنْ تركَ القنوتَ رغبةً عنه فلا صلاةَ له»[v]f694.

ومنها: صحيحته الثانية عن أبي عبد الله N «قال: القنوت في الجمعة والعشاء والعتمة والوتر والغداء، فمَنْ ترك القنوت رغبةً عنه فلا صلاة له»[vi]f695، والمراد بالعشاء المغرب، كما أنَّ المراد بالعتمة العشاء.

وفيه: أنَّ هاتين الصَّحيحتين ليستا دالَّتين على الوجوب، بل يظهر من تعليق نفي الصَّلاة على تركه رغبة عنه أنَّه لا بأس بتركه من حيث هو لو لم يكن على سبيل الرغبة والإعراض عنه، بل من باب الاستعجال، ونحوه.

وعليه، فيحمل قوله: «فلا صلاة له» على المبالغة والتأكيد في استحبابه، فتكون هاتين الصَّحيحتين من أدلَّة الاستحباب المتقدِّمة.

ومنها: صحيحة زرارة «أنَّه سأل أبا جعفر N عن الفرض في الصَّلاة، فقال: الوقت والطّهور والقِبلة والتوجّه والرّكوع والسّجود والدّعاء، قلت: ما سوى ذلك؟ قال: سنّة في فريضة»[vii]f696، والمراد بالدُّعاء هو القنوت، إذ من المعلوم عدم وجوب الدُّعاء في غير حال القنوت.

وفيه: ما ذكره جماعة من الأعلام، منهم صاحب الحدائق R، والمحقِّق الهمداني R.

وحاصله أنَّ جملة من الرّوايات دلَّت على الاكتفاء في ذكر القنوت بالتسبيح، وهو ليس بدعاء، ففي مرسلة حريز عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر N «قال: يجزيك من القنوت خمس تسبيحات في ترسّل»[viii]f697، ونحوها رواية أبي بصير[ix]f698.

والأُولى: ضعيفة بالإرسال.

والثانية: بالقاسم بن محمَّد الجوهري، وعليّ بن أبي حمزة البطائني.

بل قيل: إنَّ أفضل شيء في القنوت كلمات الفرج، وهي ليست بدعاء.

وعليه، فإن أريد بالدُّعاء ­ الوارد في الصَّحيحة ­ ما يقابل التسبيح فلا يجب بهذا المعنى في القنوت حتماً، فلا بدّ من حمل الدُّعاء المقابل للتسبيح على الاستحباب، أو على إرادة الدُّعاء المتحقِّق في ضمن قراءة الفاتحة، أو على إرادة المتحقِّق بالصَّلاة على النبيّ C وآله الواجبة في التشهُّد، فإنَّها دعاء.

وإن أريد به مطلق الذِّكر الشَّامل للتسبيح ونحوه فجميع الأذكار الواجبة في الصَّلاة مصداق له.

وعليه، فلا ينحصر حمله بالقنوت حتَّى يتعيَّن حمله عليه.

ومنها: رواية الأعمش عن جعفر بن محمَّد N ­ في حديث شرايع الدِّين ­ «قال: والقنوت في جميع الصّلوات سنّة واجبة في الرّكعة الثانية قبل الرّكوع وبعد القراءة»[x]f699، ودلالتها، وإن كانت تامَّة، لكنَّها ضعيفة بجهالة أكثر من شخص في إسناد الصَّدوق R إلى الأعمش في حديث شرايع الإسلام.

ومنها: رواية الفضل بن شاذان عن الرِّضا N «في كتابه إلى المأمون، قال: والقنوت سنّة واجبة في الغداة والظّهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة»[xi]f700، وهي أيضاً دلالتها تامَّة، لكنَّها أيضاً ضعيفة بجهالة عبد الواحد بن محمَّد بن عبدوس النيسابوري، وعليّ بن محمَّد بن قتيبة الواقعين في إسناد الصَّدوق R إلى الفضل بن شاذان عن الرِّضا N فيما كتبه إلى المأمون....

ومنها: الرّوايات الكثيرة المشتملة على الأمر بالقنوت إمّا في كل صلاة، أو في الفرائض، أو في خصوص الجهريّة منها، والأمر ظاهر في الوجوب.

وفيه: أننا لو علمنا دلالة هذه الرّوايات على الوجوب، وكانت تامّة سنداً، إلاّ أنّها تحمل على الاستحباب جمعاً بينها وبين صحيحة البزنطي المتقدّمة، فإنّها صريحة في جواز ترك القنوت من دون تقيّة.

ومن هنا تحمل روايتي الأعمش والفضل بن شاذان المتقدمتين على الاستحباب لو صحّ سندهما، لأنّهما ظاهرتان في الوجوب، وليستا نصّين فيه.

 

[i] تفسير علي بن إبراهيم: ج1/ ص79.

[ii] تفسير البرهان: ج1/ ص142.

[iii] تفسير البرهان: ج1/ ص142.

[iv] الوسائل باب 2 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح1.

[v] الوسائل باب 1 من أبواب القنوت ح11.

[vi] الوسائل باب 2 من أبواب القنوت ح2.

[vii] الوسائل باب 1 من أبواب القنوت ح13.

[viii] الوسائل باب 6 من أبواب القنوت ح2.

[ix] الوسائل باب 6 من أبواب القنوت ح1.

[x] الوسائل باب 1 من أبواب القنوت ح6.

[xi] الوسائل باب 1 من أبواب القنوت ح4.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=490
  • تاريخ إضافة الموضوع : الإثنين: 19-12-2016
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 04 / 27