وأمَّا التحريم في خصوص عصر عرفة وعشاء المزدلفة خاصَّةً فلصحيحة عبد الله بن سنان المتقدِّمة «قال N: السُّنة في الأذان يوم عرفة...».
وظاهرها: أنَّ السُّنة هي إيقاع الصَّلاة الثانية بلا أذان، فيكون ذلك تخصيصاً لعموم المشروعيَّة، فيتعيَّن كون السُّقوط عزيمةً لانتفاء الأمر به، فيكون الإتيان بالأذان للثانية خلاف السُّنة وهو بدعة، كانتفائه بالنسبة لغير الصَّلوات اليوميَّة، والله العالم.
الأمر الثالث أقول: لا إشكال في حصول التفريق بين الفريضتين بالفصل المعتدِّ به، لا سيَّما مع تخلُّلِ بعض العوارض الخارجيَّة غير المرتبطة بالصَّلاة.
ويقابله: الجمع الذي هو عبارة عن وصل الصَّلاة الثانية بالأُولى، بنحو يصدق معه عرفاً إيقاعهما في زمان واحد.
وإنَّما الكلام في أنَّ التفريق، هل يحصل بالنافلة أم لا؟
ذهب جماعة كثيرة من الأعلام إلى حصول التفريق بالنافلة، وقد يستدلّ لهم ببعض الأخبار:
منها: رواية محمَّد بن حكيم «قال: سمعتُ أبا الحسن N يقول: الجمع بين الصَّلاتين إذا لم يكن بينهما تطوُّع، فإذا كان بينهما تطوُّع فلا جمع»[i]f450، وهي ظاهرة جدّاً في حصول التفريق بالنافلة، ولكنَّها ضعيفة بعدم وثاقة محمَّد بن حكيم، وبجهالة محمَّد بن موسى فإنَّه مردَّد بين الهمداني الضعيف وبين الملقَّب بخوراء الثقة، ولا مميِّز في البين.
أضف إلى ذلك: أنَّ الذي روى عنه محمَّد بن موسى هل هو محمَّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، أم عليّ بن عيسى غير الموثَّق، إذ النسخ مختلفة، فتكون ضعيفة من هذه الجهة أيضاً.
ومنها: روايته الأخرى عن أبي الحسن N «قال: سمعته يقول: إذا جمعت بين صلاتين فلا تطوُّع بينهما»[ii]f451، وهي أيضاً ظاهرة في التفريق بالنافلة، ولكنَّها أيضاً ضعيفة بعدم وثاقة الراوي محمَّد بن حكيم وضعف سلمة بن الخطاب، وعدم وثاقة الحسين بن سيف.
ومنها: موثَّقة الحسين بن علوان، عن جعفر بن محمَّد N «قال: رأيتُ أبي وجدِّي القاسم بن محمد يجمعان مع الأئمّة المغرب والعشاء في الليلة المطيرة، ولا يصلِّيان بينهما شيئاً»[iii]f452، وهذه الرِّواية، وإن كانت موثَّقة، إلاَّ أنَّها لا تدلّ على المطلوب، لأنَّها حكايةُ فعلٍ، والفعل مجمل، إذ أقصى ما تدلّ عليه هو الجمع بين المغرب والعشاء، وعدم تطوُّعهما؛ أمَّا أنَّ التطوُّع يحصل به التفريق أم لا فهي ساكنة عنه.
والإنصاف: أنَّ التفريق يحصل بالنافلة، وذلك لِصحيحة منصور عن أبي عبد الله N «قال: سألتُه عن صلاة المغرب والعشاء بِجَمْعٍ، فقال: بأذان وإقامتين، ولا تصلِّ بينهما شيئاً، هكذا صلَّى رسول الله C»[iv]f453، وهي واضحة الدَّلالة في أنَّ التطوُّع ينافي الجمع، وينافي ما فعل رسول الله C، حيث جمع C ولم يصلِّ بينهما شيئاً.
ولكن قد يقال: إنَّ هذه الصَّحيحة تنافيها صحيحة أبان بن تغلب «قال: صلَّيت خلف أبي عبد الله N المغرب بالمزدلفة، فلمَّا انصرفَ أقامَ الصَّلاةَ، فصلَّى العشاءَ الآخرةَ لم يركع بينهما، ثمَّ صليتُ معه بعد ذلك بسنة، فصلَّى المغربَ ثمَّ أقامَ فتنفَّل بأربع ركعات، ثمَّ أقام فصلَّى العشاءَ الآخرةَ»[v]f454.
وفيه ما ذكرناه في أكثر من مناسبة : من أنَّ الفعل مجمل لا ظهور فيه، مضمون صحيحة أبان حكاية فعل، فكيف تعارض ما تقدَّم؟!.
[i] الوسائل باب 33 من أبواب المواقيت ح3.
[ii] الوسائل باب 33 من أبواب المواقيت ح2.
[iii] الوسائل باب 33 من أبواب المواقيت ح4.
[iv] الوسائل باب 34 من أبواب المواقيت ح1.
[v] الوسائل باب 33 من أبواب المواقيت ح1.
|