الدرس 155 / الإثنين: 22-آذار-2021
وهل يلحق بالمؤمن المسلم، بل عبَّر في النَّافع بالمسلم.
ولكن في الرِّياض: «وهل المسلم يشمل المخالِف أم يخصُّ المؤمن؟ إشكال، والاحتياط يقتضي المصير إلى الأوَّل، إذا كان الخوف بتَرْك القتل على نحو المال، ولا سيَّما القليل منه خاصَّة، وأمَّا إذا كان على النَّفس المؤمنة فإشكال، ولا يبعد المصير حينئذٍ إلى الَّثاني، فليس شيء يوازي دم المؤمن، كما يستفاد مِنَ النُّصوص المعتبرة».
وفي الجواهر: «قلتُ: بل فيها أي النُّصوص أنَّ ألف مخالِف لا يوازن دمَ مؤمنٍ، فلا ريب في أنَّ المتَّجه المصير إليه، بل وكذلك الخوف على العِرْض، بل والمال، كما لا يخفى على مَنْ أحاط بما دلَّ على هوان نفوسهم عند الله، على أنَّ ظاهر الصَّحيح المزبور دم المؤمن، ضرورة أنَّه هو الذي شُرِّعتِ التَّقية لحِفظه...».
أقول: مقتضى الإطلاق في صحيحة ابن مسلم المتقدِّمة، وكذا موثَّقة أبي حمزة، هو بلوغ التَّقيَّة مطلق الدَّم، ولم يقيَّد فيهما بدَّم المؤمن.
وعليه، فإذا كان الخوف مِنَ الظَّالم على المال، أو على العِرْض بترك قتل المخالف، فلا إشكال في عدم التَّقيَّة، وأنَّه لا يجوز له قتله، فإنَّ دم المسلمين أهمُّ، وأمَّا إذا كان الخوف على النَّفس المحترمة فليس شيء حينئذٍ يوازي دم المؤمن، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وهنا مسائل:
(الأولى:) تجوز المقاصَّة المشروعة من الوديعة على كراهيَّة.
وينبغي له أن يقول: اللَّهم إنِّي لن آخذه ظلماً ولا خيانةً، وإنَّما أخذته مكان مالي الذي أُخذ منِّي، لم أزدد عليه شيئاً؛ لِرواية أبي بكر الحضرمي. (انتهى كلامه)
(1) يقع الكلام في أربعة أمور:
الأوَّل: مَنْ كان له عين في يد إنسان معترف بها، أو معلوم حالها، ولا يريد ذلك الإنسان أن يعطيها لصاحبها، فهل له انتزاعها منه أم لا؟
الثَّاني: إذا كان الحقُّ ديناً، وكان المدين جاحداً، أو معترفاً ولا يريد أن يدفع الحقَّ لصاحبه، فهل يجوز لِمَنْ له الحقُّ المقاصَّة من أمواله أم لا؟
الثَّالث: هل تجوز المقاصَّة مِنَ الوديعة أم لا؟
الرَّابع: هل يختصُّ جواز المقاصَّة بمباشرة مَنْ له الحقُّ، أم يجوز التوَّكيل في ذلك؟
أمَّا الأمر الأوَّل: فالمعروف بين الأعلام أنَّ مَنْ كانت له عين في يد إنسان معترف بها، أو معلوم حالها، ولا يريد أنْ يعطيه إياها، فله انتزاعها منه ولو قهراً، بمساعدة ظالم أو بنفسه، ما لم تحدث فتنة، بحيث يترتَّب عليها تلف الأنفس والأموال، وغيره من الفساد الذي يمكن دعوى العلم بعدم جواز فِعْل ما يترتَّب عليه ذلك من مذاق الشَّرع، كما أشار (عليه السلام) بقوله في بيع الوقف في صحيحة علي بن مهزيار، حيث ورد فيها «... وأَعْلِمه أنَّ رأيي له: إنْ كان قَدْ عَلِمَ الاختلافَ ما بين أصحابِ الوقفِ، أنْ يبيع الوقفَ أَمْثَل، فإنَّه ربَّما جاءَ في الاختلافِ تَلَفُ الأموالِ والنُّفوسِ»[1]f134.
ثمَّ لا يخفى عليك أنَّه لا يحتاج في انتزاعها إلى إذن الحاكم الشَّرعي؛ لعدم الدَّليل على ذلك.
الأمر الثَّاني: إذا كان الحقُّ ديناً، فإن كان الغريم معترفاً وباذلاً للحقِّ، فلا يجوز الاقتصاص منه، وهذا واضح، وكذلك إذا امتنع، وكان امتناعه عن حقٍّ، كما إذا لم يعلم بثبوت مال له في ذمَّته، فعندئذٍ يترافعان عند الحاكم الشَّرعي.
وأمَّا إذا كان امتناعه عن ظلم، سواء أكان معترفاً به، أم جاحداً، فيجوز لِمَنْ له الحقُّ المقاصَّة من أمواله، كما هو المعروف بين الأعلام.
وقدِ استُدلَّ لذلك بالكتاب العزيز، وبالسُّنَّة النَّبويَّة الشَّريفة:
أما الكتاب المجيد فقوله تعالى: «فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ﴾ ]البقرة: 194[ الآية، وقوله تعالى: « فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ﴾ ]النحل: 126[.
وأمَّا السُّنَّة النَّبويَّة الشَّريفة، فجملة مِنَ الرِّوايات المستفيضة:
منها: صحيحة داود بن زربي «قَاْلَ: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام): إِنِّي أُخَالِطُ السُّلْطَانَ، فَتَكُونُ عِنْدِيَ الْجَارِيَةُ، فَيَأْخُذُونَهَا، وَالدَّابَّةُ الْفَارِهَةُ، فَيَأْخُذُونَهَا، ثُمَّ يَقَعُ لَهُمْ عِنْدِيَ الْمَالُ فَلِي أَنْ آخُذَهُ؟ قَالَ: خُذْ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَا تَزِدْ عَلَيْهِ (شَيْئاً»)[2]f135.
ومنها: حسنة أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَالَ: قُلْتُ له (لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)): رَجُلٌ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ، فَجَحَدَهُ إِيَّاهُ، وَذَهَبَ بِهِ، ثُمَّ صَارَ بَعْدَ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ الَّذِي ذَهَبَ بِمَالِهِ مَالٌ قِبَلَهُ، أَيَأخُذه مَكَانَ مَالِهِ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ مِنْهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِنْ لِهَذَا كَلَامٌ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي آخُذُ هَذَا الْمَالَ مَكَانَ مَالِيَ الَّذِي أَخَذَهُ مِنِّي، وَإِنِّي لَمْ آخُذِ الَّذِي أَخَذْتُهُ خِيَانَةً، وَلَا ظُلْماً»[3]f136.
ومنها: مضمرته «قَالَ: قُلْتُ لَهُ: رَجُلٌ لِي عَلَيْهِ دَرَاهِمُ، فَجَحَدَنِي، وَحَلَفَ عَلَيْهَا، أَيَجُوزُ لِي إِنْ وَقَعَ لَهُ قِبَلِي دَرَاهِمُ أَنْ آخُذَ مِنْهُ بِقَدْرِ حَقِّي؟ قَالَ: فَقَالَ: نَعَمْ، وَلَكِنْ لِهَذَا كَلَامٌ، قُلْتُ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: تَقُولُ: اللَّهُمَّ إنّي لَمْ آخُذْهُ ظُلْماً وَلَا خِيَانَةً، وَإِنَّمَا أَخَذْتُهُ مَكَانَ مَالِيَ الَّذِي أَخَذَ مِنِّي، لَمْ أَزْدَدْ عَلَيْهِ شَيْئاً»f137.
ومن الواضح أنَّ الضَّمير راجع إلى الإمام (عليه السلام) بقرينة روايته الأُولى، وعليه فهي معتبرة.
ومنها: رواية جميل بن دراج «قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)، عَنِ الرَّجلِ يكونُ لَهُ على الرَّجلِ الدَّين، فيجْحَدُه فيَظْفرُ من ماله بقَدْر الذي جَحَدَه، أيأخُذُه، وإنْ لم يعلم الجاحِدُ بذلك؟ قَاْل: نعم»[5]f138، ولكنَّها ضعيفة بعليِّ بن حديد، وكذا غيرها مِنَ الرِّوايات.
ثمَّ إنَّ ما في رواية أبي بكر الحضرمي الثَّانية من جواز الأَخْذ بعد الحلف منزَّل على الحلف من دون استحلاف.
كما أنَّه لا ريب في استحباب القول المزبور في روايتي أبي بكر الحضرمي، وأمَّا القول بالوجوب فهو ضعيف.
ويظهر من كثير مِنَ الأعلام أنَّه لا يتوقَّف الاختصاص على إذن الحاكم الشَّرعي أو وكيله؛ وذلك لإطلاق الرِّوايات المتقدِّمة.
نعم، لا إشكال في كون أَخْذ الإذن هو الموافق للاحتياط.
الوسائل باب 6 من كتاب الوقوف والصَّدقات ح6.
الوسائل باب83 من أبواب ما يكتسب به ح1.
الوسائل باب83 من أبواب ما يكتسب به ح5.
الوسائل باب83 من أبواب ما يكتسب به ح4.
الوسائل باب83 من أبواب ما يكتسب به ح10.
|