الدرس 151 / الاثنين: 01-آذار-2021
ومنها: أخبار التَّقيَّة، وهي كثيرة جدّاً، ففي حسنة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قَاْل: التَّقيَّة في كلِّ ضَرُورَة، وصَاْحِبُها أَعْلَم بِهَا حَيْنَ تَنْزِلُ بِه»[1]f123.
وفي حسنة الفضلاء «قالوا: سمعنا أبا جعفر (عليه السلام)، يقول: التَّقيَّة في كلِّ شيءٍ يضطرُّ إليه ابنُ آدم، فَقَدْ أحلَّه الله لَهُ»[2]f124.
وفي صحيحة معمَّر بن خلاَّد «قَاْل: سَأَلْتُ أبا الحسن (عليه السلام) عَنِ القيامِ للوُلَاة، فَقَاْل: قَاْل أبو جعفر (عليه السلام): التَّقيَّةُ مِنْ دِيْنِي، ودِينِ آبائي، ولَاْ إيمانَ لِمَنْ لَاْ تقيَّةَ لَهُ»[3]f125.
ومن جملة الأدلَّة التي استُدلَّ بها للجواز مَعَ الإكراه: ما رواه ابن إدريس (رحمه الله) في آخر السَّرائر نقلاً من كتاب مسائل الرِّجال عن أبي الحسن عليِّ بن محمَّد (عليه السلام) «إنَّ محمَّد بن عليٍّ بن عيسى كَتَبَ إليه يسأله عَنِ العَمَلِ لبني العبَّاس، وأَخْذِ ما يتمكَّن مِنْ أموالِهم هَلْ فِيْه رُخْصَةٌ؟ فَقَاْل: مَاْ كَاْنَ المَدْخَلُ فِيْه بالجَبْرِ والقَهْرِ فالله قَاْبِل العُذْر»[4]f126، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال، وكذا غيرها مِنَ الرِّوايات.
ولا تنافي ما ذكرناه رواية الحسن بن الحسين الأنباري عن أبي الحسن الرِّضا (عليه السلام) «قَالَ: كَتَبْتُ إِلَيْهِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً أَسْتَأْذِنُهُ فِي عَمَلِ السُّلْطَانِ، فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ كِتَابٍ، كَتَبْتُهُ إِلَيْهِ أَذْكُرُ أَنِّي أَخَافُ عَلى خَيْطِ عُنُقِي، وَأَنَّ السُّلْطَانَ يَقُولُ لِي: إِنَّكَ رَافِضِيٌّ، وَلَسْنَا نَشُكُّ فِي أَنَّكَ تَرَكْتَ الْعَمَلَ لِلسُّلْطَانِ لِلرَّفْضِ، فَكَتَبَ إِلَيَّ أَبُو الْحَسَنِ (عليه السلام): (قَدْ) فَهِمْتُ كِتَابَكَ، وَمَا ذَكَرْتَ مِنَ الْخَوْفِ عَلى نَفْسِكَ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ إِذَا وُلِّيتَ عَمِلْتَ فِي عَمَلِكَ بِمَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله)، ثُمَّ تُصَيِّرُ أَعْوَانَكَ وَكُتَّابَكَ أَهْلَ مِلَّتِكَ، فَإِذَا صَارَ إِلَيْكَ شَيْءٌ وَاسَيْتَ بِهِ فُقَرَاءَ الْمُؤْمِنِينَ حَتّى تَكُونَ وَاحِداً مِنْهُمْ، كَانَ ذَا بِذَا، وَإِلاَّ فَلَا»[5]f127.
ووجه المنافاة: هو أنَّه لا يجوز له قبول الولاية مِنَ الظَّالم إذا لم يمكنه العمل بما أمر به الرَّسول (صلّى الله عليه وآله)، وإن خاف على نفسه.
ففيها أوَّلاً: أنَّها ضعيفة؛ لأنَّ الحسن بن الحسين الأنباري مهمل.
وثانياً: أنَّه يحتمل أن يكون ذلك إخباراً منه (عليه السلام) بعدم الخوف على النَّفس إذا لم يقبل الولاية، والله العالم.
الأمر الرَّابع: يقع الكلام فيه من جهتَيْن:
الأُولى: وإن كانت خارجةً عن محلِّ الكلام، إلاَّ أنَّها نافعة في المقام، وهي أنَّه هل يجوز للفقهاء العدول العارفين بالأحكام الشَّرعيَّة عن أدلَّتها التَّفصيليَّة إقامة الحدود في حال غيبة الإمام (عليه السلام)، كما لهم الحكم بين النَّاس، أم لا؟
الثَّانية: المتولِّي من قِبْل الجائر، هل يجوز له إقامتها إذا كان قادراً على ذلك، أم لا؟
أمَّا الجهة الأُولى: فالمعروف بين الأعلام، منهم الأسكافي والشَّيخان والدَّيلمي، والعلاَّمة في جملة من كتبه، والشَّهيدان، وابن فهد والكركي والسِّبزواري والكاشاني، (رحمهم الله جميعاً)، وغيرهم، أنَّه يجوز للفقهاء إقامة الحدود في حال غيبة الإمام (عليه السلام)، كما لهم الحكم بين النَّاس، مَعَ الأمْن مِنَ الضَّرر، ويجب على النَّاس مساعدتهم على ذلك، كما يجب مساعدة الإمام (عليه السلام)، وفي الواقع أنَّه لم يخالف في المسألة إلاَّ بعض الأعلام، وهم قلَّة جدّاً.
ولا يخفى عليك أنَّه لا إشكال في المسألة بناءً على عموم الولاية للفقيه، وإنَّما الكلام فيمَنْ لم يقل بعمومها مِنَ الفقهاء.
ومقتضى الإنصاف: الجواز، وقد يستدلُّ له ببعض الأدلَّة:
منها: أنَّ أدلَّة الحدود مطلقة، وغير مقيَّدة بزمان دون زمان، قال الله تعالى وسبحانه: «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ﴾ ]النور: 2[ الآية ، وقال أيضاً: « وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا ﴾ ]المائدة: 38[ وكذا الحال في الرِّوايات الواردة في المقام، فإنَّها مطلقة، ولم تحدِّد مَنْ هو المتصدِّي لإقامتها.
ومن المعلوم قطعاً أنَّه لا يجوز لكلِّ أحد مِنَ النَّاس إقامتها، بل هو متسالم عليه عند الكلِّ، والقدر المتيقَّن حينئذٍ هو الفقيه الجامع للشَّرائط.
الوسائل باب 25 من أبواب الأمر والنَّهي ح1.
الوسائل باب 25 من أبواب الأمر والنَّهي ح2.
الوسائل باب 24 من أبواب الأمر والنَّهي ح4.
الوسائل باب 45 من أبواب ما يكتسب به ح9.
الوسائل باب 48 من أبواب ما يكتسب به ح1.
|