الدرس 148 / الثلاثاء: 23-شباط-2021
وقد يستدلُّ لذلك بأمرَيْن:
الأوَّل: أنَّ الرِّوايات الظَّاهرة في حرمة الولاية منصرفة إلى حرمتها؛ لأجل ما يترتَّب عليها مِنَ المعاصي في الخارج.
وفيه: أنَّه، وإن كان الغالب أنَّ الولاية عَنِ الجائر لا تنفكُّ عَنِ المعصية في الخارج، إلاَّ أنَّ هذا الانصراف انصراف خارجيٍّ، وهذه الغَلَبة غلبة خارجيَّة لا تضرُّ بالإطلاق.
الثَّاني: رواية تُحُف العقول، فإنَّها ظاهرة جدّاً في أنَّ الحرمة إنَّما هي لأجل ما يترتَّب على الولاية من دُرُوس الحقِّ وإحياء الباطل، وإظهار الظَّلم والفساد، وقَتْل الأنبياء S وهدم المساجد، ونحو ذلك.
وكذا رواية داود بن زربي قال: أخبرني مولى لعلي بن الحسين (عليه السلام) قال: «كنت بالكوفة فقدم أبو عبد الله (عليه السلام) الْحِيرَةَ، فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ (لَهُ): جُعِلْتُ فِدَاكَ، لَوْ كَلَّمْتَ دَاوُدَ بْنَ عَلِيٍّ أَوْ بَعْضَ هؤُلَاءِ، فَأَدْخُلَ فِي بَعْضِ هذِهِ الْوِلَايَاتِ، فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ إلى أن قال: جعلت فداك فَظَنَنْتُ أَنَّكَ إِنَّمَا (مَنَعْتَنِي وَ) كَرِهْتَ ذلِكَ مَخَافَةَ أَنْ أَجُورَ أَوْ أَظْلِمَ، وَإِنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ، وَكُلَّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ، وَعَلَيَّ وَعَلَيَّ إِنْ ظَلَمْتُ أَحَداً، أَوْ جُرْتُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ أَعْدِلْ، قَالَ: كَيْفَ قُلْتَ؟ فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ الْأَيْمَانَ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: تَنَاوُلُ السَّمَاءِ أَيْسَرُ عَلَيْكَ مِنْ ذلِكَ»[1]f112.
وفيه: أنهما ضعيفتان:
الأولى: بالإرسال، كما تقدَّم.
والثانية: بجهالة مولى عليِّ بن الحسين (عليه السلام).
وهل المراد من قوله (عليه السلام): «تَنَاوُلُ السَّمَاءِ أَيْسَرُ عَلَيْكَ مِنْ ذلِكَ»، أي أيسر عليك من إجابتي إلى ذلك، أو أيسر عليك ممَّا عزمت عليه مِنَ الدُّخول في أعمال هؤلاء بغير ظلم؟
والخلاصة: أنَّ الأقوى أنَّ الولاية مِنَ الجائر محرَّمة بنفسها، والله العالم.
الأمر الثاني: المعروف بين الأعلام أنَّه تجوز الولاية مِنَ الظَّالم فيما إذا أمكنه القيام بمصالح العباد، وفيما إذا أمكنه الحِسْبة، أي الأمر بالمعروف والنَّهي عَنِ المنكر.
وقدِ استُدلَّ لذلك بعدَّة أدلَّة:
الأوَّل: الإجماع، كما عن فِقْه القرآن للرَّاوندي، حيث ذكر: «إنَّ تقليد الأَمْر مِنْ قِبَل الجائر جائزٌ، إذا تمكَّن من إيصال الحقِّ لمستحقِّه بالإجماع المتردِّد، والسُّنَّة الصَّحيحة، وقوله تعالى: « قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيم ﴾ ]يوسف: 55[...».
وفيه: ما ذكرناه في أكثر من مناسبة، من أنَّ الإجماع المحصَّل غير حاصل؛ لاحتمال الاستناد إلى بعض الوجوه الأخرى، التي سنذكرها إن شاء الله تعالى ، فلا يكون إجماعاً تعبديّاً كاشفاً عن قول المعصوم (عليه السلام).
وأما الإجماع المنقول بخبر الواحد، فهو غير حجَّة، كما عرفت في محلِّه.
الدَّليل الثَّاني: ما أشار إليه الرَّاوندي أيضاً في قوله تعالى حكايةً عن يوسف (عليه السلام): «قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيم ».
وقد أشكل على ذلك السَّيِّد أبو القاسم الخوئيِّ (رحمه الله): بأنَّ يوسف (عليه السلام) كان مستحقِّاً للسَّلْطَنة، وإنَّما طلب منه حقَّه، فلا يكون والياً من قِبَل الجائر.
وفيه: أنَّه يصدق عليه أَخْذ الولاية من قبل السُّلطان الجائر، سواء أكان الآخذ مستحقّاً أم لا.
أقول: هناك رواية يُفهَم منها أنَّ الضَّرورة دَفَعَته إلى تولِّي خزائن العزيز، وهي حسنة الرِّيان بن الصَّلت «قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا (عليه السلام)، فَقُلْتُ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله)! إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: إِنَّكَ قَبِلْتَ وِلَايَةَ الْعَهْدِ مَعَ إِظْهَارِكَ الزُّهْدَ فِي الدُّنْيَا، فَقَالَ (عليه السلام): قَدْ عَلِمَ الله كَرَاهَتِي لِذَلِكَ، فَلَمَّا خُيِّرْتُ بَيْنَ قَبُولِ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْقَتْلِ اخْتَرْتُ الْقَبُولَ عَلَى الْقَتْلِ، وَيْحَهُمْ أَمَا عَلِمُوا أَنَّ يُوسُفَ (عليه السلام) كَانَ نَبِيّاً رَسُولاً، فَلَمَّا دَفَعَتْهُ الضَّرُورَةُ إِلَى تَوَلِّي خَزَائِنِ الْعَزِيزِ، قَالَ لَهُ: «اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيم »، وَدَفَعَتْنِي الضَّرُورَةُ إِلَى قَبُولِ ذَلِكَ عَلَى إِكْرَاهٍ وَإِجْبَارٍ بَعْدَ الْإِشْرَافِ عَلَى الْهَلَاكِ، عَلَى أَنِّي مَا دَخَلْتُ فِي هَذَا الْأَمْرِ إِلاَّ دُخُولَ خَارِجٍ مِنْهُ، فَإِلَى الله الْمُشْتَكَى وَهُوَ الْمُسْتَعَانُ»f113
الوسائل باب 45 من أبواب ما يكتسب به ح4.
الوسائل باب 48 من أبواب ما يكتسب به ح5.
|