وهذا الذَّيل أيضاً غيرُ موجودٍ في رواية الكلينيّ في كتاب الزَّكاة، والتي رواها عن محمَّد بن يحيى عن محمَّد بن الحسين عن محمَّد بن القاسم بن الفضيل. وقد عرفت أنَّها صحيحة بهذا السَّند، ولكنَّه في كتاب الصَّوم رواها مع الذَّيل الَّذي ذكرناه، ولكنَّه رواها مباشرةً عن محمَّد بن الحسين عن محمَّد بن القاسم بن الفضيل، ومن المعلوم أنَّ الكليني (رحمه الله) لا يروي مباشرةً عن محمَّد بن الحسين بن أبي الخطَّاب، وإنَّما يروي عنه بواسطة محمَّد بن يحيى.
وعليه، فهذه الرِّواية المشتملة على الذَّيل ضعيفة بالإرسال، فلا يصحّ الاستدلال بها على وجوب الزَّكاة على عيال الصَّبيّ.
أضف إلى ذلك: أنَّ الذَّيل مخالفٌ للأصول؛ لأنَّ المال صار لليتيم، فكيف يجوز للمملوك التّصرُّف في مال اليتيم بدون إذن؟!
هذا، وقد حملها صاحب الوسائل (رحمه الله) على موت المتولّي بعد هلال شهر شوال.
وعليه، فلم ينتقل هذا المقدار من الزَّكاة إلى الوارث، فلذا صحّ تصرُّف المملوك فيه.
وفيه: أنَّ هذا الحمل بعيد جدّاً؛ إذ من أين علم أنَّ الموت بعد الهلال، مع الفرض أنَّ المولى غائب، وقد مات في بلدة أخرى؟!
أضف إلى كل ذلك: ما ذكره صاحب الجواهر (رحمه الله) ، حيث قال بالنسبة للذيل : «لم أجد عاملاً به، فلا يصلح دليلاً لما خالف الأصول».
والخلاصة: أنَّه لا يصحّ الاستدلال بهذا الذَّيل، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: الحُرّ(1)
(1) في الحدائق: «[الشَّرط] الثَّاني: الحريّة، فلا تجب على المملوك ولو قيل: بملكه مُدبَّراً كان أو أمَّ ولد أو مكاتباً، مشروطاً أو مطلقاً لم يتحرَّر منه شيءٌ، وظاهرهم الاتِّفاق على ذلك، ولا أعلم فيه مخالفاً سوى الصَّدوق (قد) في مَنْ لا يحضره الفقيه بالنِّسبة إلى المكاتب...».
وفي الجواهر: بالنِّسبة لاشتراط الحريّة: «بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع محكيّ عليه مستفيضاً، إن لم يكن محصّلاً، بل عن المنتهى: أنَّه مذهب أهل العلم كافَّة إلاَّ داود...».
أقول: هناك تسالم بين جميع الأعلام على اشتراط الحريَّة في وجوب زكاة الفطرة، ولم يخالف إلاَّ الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) في المكاتب.
وأمَّا في غيره، فلا خلاف أصلاً بين الأعلام كلهم، وهذا هو العمدة في المقام، فإنَّ ذلك ممَّا يُوجب القطع في المسألة، ولا أقلّ من حصول الاطمئنان.
وبالجملة، فإنَّ العبد غير المكاتب لا زكاة عليه.
وقدِ استدلّ جماعة من العلماء، ومنهم صاحب الجواهر (رحمه الله) على اشتراط الحريّة: بالرِّوايات المستفيضة المتضمّنة لوجوب فطرة المملوك على مولاه، فإنَّ معنى ذلك أنَّ المملوك لا تجب الفطرة عليه، بل هي واجبة على مولاه.
ولكنَّ الإنصاف: أنَّ سياقها يشهد بأنَّ وجوب ذلك على المولى إنَّما هو من حيث العيلولة، ووجوب الإنفاق عليه، كوجوب الإنفاق على الزَّوجة والولد والأب والأم، فإنَّ وجوب الإنفاق عليهم إنَّما هو من حيث العيلولة، ولا دلالة في تلك الرِّوايات على عدم وجوب الفطرة على المملوك من حيث إنَّه عبد.
وعليه، فالكلام فيما إذا لم يكن المملوك في عيلولة مولاه، ولا دلالة في تلك الرِّوايات على وجوب فطرته على مولاه إذا لم يكن في عيلولته.
والخلاصة إلى هنا: أنَّ العمدة في عدم وجوب الزَّكاة على المملوك إذا لم يكن مكاتباً هو التَّسالم بين الأعلام.
وأمَّا المكاتب، سواء أكان مشروطاً أم مطلقاً لم يتحرَّر منه شيءٌ:
فالمعروف بينهم أيضاً: عدم وجوب زكاة الفطرة عليه؛ لنفس الأدلَّة المتقدِّمة. وقد خالف في ذلك الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله)، حيث ذهب إلى وجوب الفطرة.
أقول: إنَّ الأدلة المتقدِّمة المستدلّ بها على وجوب الفطرة على المملوك هي التَّسالم، والرِّوايات المستفيضة الدَّالّة على أنَّ زكاة المملوك على مولاه.
ولكنَّك عرفت الجواب عن هذه الرِّوايات.
وأمَّا التَّسالم، فهو دليل لُبيّ يُقتصر فيه على القدر المتيقّن، وهو في غير المكاتب.
وأمَّا فيه، فالإنصاف: هو ما ذكره الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله)؛ وذلك لصحيحة علي بن جعفر «أنَّه سأل أخاه موسى بن جعفر (عليه السلام) عن المكاتبِ، هل عليه فِطْرة شهرِ رمضان، أو على مَنْ كاتَبَه، وتجوزُ شهادتُه؟ قال: الفِطْرة عليه، ولا تجوزُ شهادتُه»([1]).
إن قلت: إنَّ هذه الصَّحيحة مشتملةٌ على ما لا يمكن الالتزام به، وهو عدم جواز شهادته.
قلتُ: أوَّلاً: لا مانع من التَّفكيك بين الفقرات في الحُجيّة، فيبقى قوله (عليه السلام): «الفِطْرة عليه» حُجَّة، ولا تسقط حُجيّته بسبب قوله (عليه السلام): «ولا تجوز شهادته».
وثانياً: أنَّ الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) حمل ذلك على الإنكار دون الإخبار، قال الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله): «وهذا على الإنكار لا على الإخبار، يريد بذلك أنَّه كيف تجب عليه الفطرة ولا تجوز شهادته؟! أي أنَّ شهادته جائزة كما أنَّ الفطرة عليه واجبة».
والخلاصة أنَّه سواء حملنا ذلك على الإخبار أو على الإنكار، فهي دالَّة على وجوب الزكاة على المكاتب.
وممّا ذكرنا يتضح لك عدم صحة ما ذكره صاحب الجواهر (رحمه الله)، حيث قال:
«وفيه: أنَّ الخبر المزبور، وإن صحَّ سنده، قاصرٌ عن تقييد ما عرفت، خصوصاً بعد معارضته بقول الصَّادق (عليه السلام) في مرفوع محمَّد بن أحمد بن يحيى: (يُؤدِّي الرَّجل زكاة الفِطْرة عن مكاتبه، ورقيق امرأته، وعبده النصرانيّ والمجوسي، وما أغلق عليه بابه)([2])، المنجبر بما سمعت، فلا ريب حينئذٍ في أنَّ الأقوى ما تقدَّم».
ووجه عدم صحَّة ما ذكره هو:
أوَّلاً: أنّه لا يُوجد إطلاق يدلّ على عدم وجوب الزَّكاة عليه من حيث الرِّقيّة، وإنَّما الموجود هو وجوب الزَّكاة على مولاه من باب العيلولة.
وثانياً: لو سلَّمنا بوجود الإطلاق، إلاَّ أنَّه قابل للتَّقييد كباقي المطلقات القابلة للتَّقييد، وليست مسألة عدم وجوب الزَّكاة على المملوك من المسائل العقليَّة حتَّى لا تقبل التَّقييد.
وثالثاً: أنَّ رواية محمَّد بن أحمد بن يحيى لا تصلح للمعارضة؛ لأنَّها ضعيفة بالرفع.
مضافاً إلى أنَّ سياقها يشهد بأنَّ وجوب الزَّكاة على المولى لأنَّهم في عياله.
انظُر إلى قوله (عليه السلام): «ورقيق امرأته، وما أغلق عليه بابه»، فإنَّ وجوب الزَّكاة بالنِّسبة لرقيق الزَّوجة وما أغلق عليه بابه من باب العيلولة بلا إشكال.
ومثلُ مرفوعة محمَّد بن أحمد بن يحيى في عدم معارضتها لصحيحة عليّ بن جعفر: روايةُ حمَّاد بن عيسى عن أبي عبد الله (عليه السلام)([3]).
ومتنها: قريب من متن المرفوعة.
ووجه عدم معارضتها هو ضعفها بعليّ بن الحسن الضَّرير، أو عليّ بن الحسين الضَّرير، فإنَّه مجهول أو مهمل، كما أنَّ دلالتها مثل دلالة المرفوعة.
والخلاصة: أنَّ ما ذهب إليه الصَّدوق (رحمه الله) هو الأقوى، والله العالم.
([1]) الوسائل باب 17 من أبواب زكاة الفطرة ح3.
([2]) الوسائل باب 5 من أبواب زكاة الفطرة ح9.
([3]) الوسائل باب 5 من أبواب زكاة الفطرة ح13.
|