قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ومع الوجوب لو فرَّقها بنفسه فالأجود عدم الإجتزاء (الإجزاء) (1)
(1) ذهب كثير من العلماء إلى أنَّه لو فرَّقها المالك في أهلها مع فرض وجوب الدَّفع إلى الإمام (عليه السلام) أو نائبه الخاصّ أو العامّ فلا يجزئ: منهم الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط والخلاف، وابن حمزة (رحمه الله)، والمصنف (رحمه الله) هنا وفي اللُّمعة، والعلاَّمة (رحمه الله) في المختلف؛ وذلك لأنَّها عبادة لم يؤتَ بها على وجهها المطلوب شرعاً، ولأنَّ الأمر بالشَّيء يقتضي النَّهي عن ضدِّه الخاصّ، والنَّهي عن العبادة مُفسد.
وفيه: أمَّا دليلهم الأوَّل: فليس تامّاً؛ لأنَّه بدفعه الزكاة إلى أهلها يكون قد أتى بها على وجهها المطلوب شرعاً.
وبالجملة، فيصدق الامتثال الموجب للإجزاء.
نعم، يكون مأثوماً فقط لمخالفته للتَّكليف.
وأمَّا دليلهم الثَّاني: فهو أيضاً في غير محلِّه؛ لأنَّ الأمر بالشَّيء لا يقتضي النَهي عن ضده الخاصّ، كما حُرِّر في علم الأصول في مبحث الضِّدّ.
والخلاصة: أنَّ الأقوى هو القول بالإجزاء وفاقاً لجماعة من الأعلام؛ لصدق الامتثال، كما عرفت، ولأنَّه أدّى الحقّ إلى مستحقّه، والإمام (عليه السلام) أو نائبه إنَّما يطلبه لإيصاله إلى المستحقِّين، وقد أوصله المالك، وقد عرفت أنَّ الأمر بالشَّيء لا يقتضي النَّهي عن ضدِّه، غاية ما هنالك أنَّه يأثم بترك امتثال أمر الطَّلب، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويجب على الإمام الدُّعاء لصاحبها عند الأخذ. وقيل: يُستحبّ(1)
(1) ذكر جماعة من الأعلام أنَّه إذا قبض النَّبيّ (ص) أو الإمام (عليه السلام) الزَّكاة دعا لصاحبها وجوباً، منهم الشَّيخ (رحمه الله) على ما حُكي عنه في المبسوط، والفاضلان في المعتبر والإرشاد، والمصنِّف (رحمه الله) هنا أي في الدُّروس والشَهيد الثَّاني (رحمه الله) في المسالك، بل نُسب القول بالوجوب إلى الأكثر.
وبالمقابل، فقد حُكي عن الشَّيخ (رحمه الله) في الخلاف، والعلاَّمة (رحمه الله) في غير التَّذكرة والإرشاد القول بالاستحباب، قال المحقِّق (رحمه الله) في الشَّرائع: «وهو الأشهر».
وقدِ استدلّ مَنْ ذهب إلى الوجوب بقوله تعالى: « خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ﴾ ]التوبة: 103[، والمراد من الصَّلاة هو الدُّعاء، والأمر ظاهر في الوجوب، والسَّكن: ما يسكن إليه المرء وتطمئنّ به نفسه؛ وذلك أنَّ دعاءه (عليه السلام) معلوم الاستجابة.
وأمَّا مَنْ ذهب إلى الاستحباب، فقدِ استدلّ: بأنَّه لا يجب الدُّعاء على الفقير المستحقّ للزَّكاة بالاتِّفاق، وإذا لم يجب على الفقير فلا يجب على نائبه من باب أولى.
وقدِ استدلّ أيضاً: بأنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يأمر ساعيه الَّذي أنفذه إلى بادية الكوفة بالدُّعاء مع اشتمال وصيّته التي أوصاه بها على كثير من الآداب والسُّنن.
وفيه: أنَّ عدم وجوب الدُّعاء على الفقير لا يقتضي عدمه على النَّبيّ (ص) والإمام (عليه السلام)، كما أنَّ ترك أمير المؤمنين (عليه السلام) تعليمه السَّاعي أعمّ من عدم الوجوب قطعاً.
والإنصاف: أنَّ القول بالوجوب هو الأقوى.
وهل يجب الدُّعاء على الفقيه أم لا؟
قد يستدلّ للوجوب: بأصالة الاشتراك في الأحكام بين النَّبيّ (ص) وباقي المكلّفين.
وقد يستدلّ أيضاً: بالتّأسِّي.
والإنصاف: عدم الدليل على وجوب التّأسِّي بالنَّبيّ (ص) والأئمَّة (عليه السلام)، وإنَّما هو مستحبّ بلا إشكال.
نعم، قاعدة الاشتراك ثابتة؛ إذ لم يثبت أنَّ هذا الحكم وهو وجوب الدُّعاء لمالك الزَّكاة من مختصَّاته (ص).
وعليه، فمقتضى قاعدة الاشتراك ثبوته للفقيه.
نعم، هناك اتِّفاق على عدم وجوبه على الفقير، فيكون هذا تخصيصاً.
إن قلت: هناك قرينة على اختصاص هذا الحكم بالنَّبيّ (ص) والإمام (عليه السلام)، وهي التَّعليل في الآية الكريمة؛ إذ هما اللَّذان يسكن المرء إلى دعائهما، وتطمئنّ به نفسه؛ لمعلوميّة استجابة دعائهما، بخلاف غيرها.
قلت: من الواضح عدم كون المراد من التَّعليل دوران الحكم مداره وجوداً وعدماً؛ لأنَّ ذلك كان حكمة للتَّشريع، لا أنَّه علَّة حقيقيّة يدور الحكم مدارها وجوداً وعدماً، ومن المعلوم عدم الاطِّراد في الحكمة.
ثمَّ لا يخفى عليك: أنَّ الآية الكريمة ظاهرة في جواز الدُّعاء لهم بلفظ الصَّلاة.
وقد حُكي ذلك أيضاً عن النَّبيّ (ص) في صحاح العامَّة، حيث روَوا عنه (ص) الدُّعاء لهم بلفظ الصَّلاة، قال عبد الله بن أبي أوفى: كان النَّبيّ (ص) إذا أتاه قوم بصدقتهم، قال: اللَّهمّ صلِّ على آل أبي فلان، فأتاه أبي بصدقة، فقال: اللَّهم صلّ على آل أبي أوفى»([1]).
([1]) صحيح البخاري: ج2، ص126/وسنن أبي داود: ج1 ص358/وسنن النسائي: ج5، ص31.
|