قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويُعيد المخالف ما أعطاه لفريقه إذا استبصر، ولا يُعيد عبادة فعلها سوى الزَّكاة(1)
(1) ما ذكره المصنِّف (رحمه الله) هو المعروف بين الأعلام، بل في المدارك: «هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفاً...»، وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه، بل لعلَّه إجماعيّ، كما حكاه في التَّنقيح وغيره؛ لعدم وصول المال إلى مستحقِّه...».
أقول: هناك تسالم بين الأعلام على ذلك، بحيث لم يُخالف أحد إلاَّ في بعض التَّفاصيل بالنِّسبة لإعادة الحجّ فيما لو أتى به المخالف فاقداً لركن عندنا.
ويدلّ على ذلك مضافاً إلى التَّسالم : جملة من الرِّوايات تقدَّمت عند اشتراط الإيمان في مستحقّ الزَّكاة:
منها: صحيحة الفضلاء محمَّد بن مسلم وبريد وزرارة والفضيل بن يسار عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) «أنَّهما قالا في الرَّجل يكون في بعض هذه الأهواء الحروريَّة والمرجئة والعثمانيَّة والقدريَّة، ثمَّ يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه، أيعيد كلَّ صلاةٍ صلاَّها أو صوم أو زكاة أو حجٍّ، أو ليس عليه إعادة شيء من ذلك؟ قال: ليس عليه إعادة شيءٍ من ذلك غير الزَّكاة، لا بدّ أن يُؤدِّيها، لأنَّه وضع الزَّكاة في غير موضعها، وإنَّما موضعها أهل الولاية»([1]).
ومنها: صحيحة بريد بن معاوية العجليّ «قال: سألتُ أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل حجَّ وهو لا يعرف هذا الأَمر، ثمَّ منّ الله عليه بمعرفته والدّينونة به، عليه حجَّة الإِسلام، أو قد قضى فريضته؟ فقال: قد قضى فريضته، ولو حجَّ لكان أحبَّ إليَّ إلى أن قال: قال: كلُّ عملٍ عمله وهو في حال نصبه وضلالته، ثمَّ منَّ الله عليه وعرَّفه الولاية، فإنَّه يُؤجر عليه، إلاَّ الزَّكاة فإنَّه يُعيدها، لأنَّه يضعها في غير مواضعها، لأنَّها لأهل الولاية، وأمَّا الصَّلاة، والحجّ، والصِّيام، فليس عليه قضاء»([2])، وكذا غيرها من الرِّوايات.
ولا يخفى عليك: أنَّه يُعتبر في عباداته أن يكون قد جاء بها على وفق مذهبه، كما هو مقتضى إضافة الأعمال إليه في الرِّوايات المتقدِّمة.
بقي شيء في المقام: هو أنَّ المصنِّف (رحمه الله) في باب الحجّ، قال: «فلو حجَّ المخالف أجزأ ما لم يخل بركن عندنا لا عنده...».
ولكن قلنا هناك: إنَّ النُّصوص خالية عن التَّقييد بعدم الإخلال بالرُّكن.
وعليه، فالإنصاف: أنَّ حكم المسألة في الحجّ متَّحد مع حكمها في الصَّلاة، فكما أنَّه لا تُقضى الصَّلاة إذا كانت صحيحة عنده، وإن كانت فاسدة عندنا، فكذلك هنا، ولا فرق بين المسألتَيْن، مع أنَّ صلاة المخالف دائماً فاقدة لركن في الصَّلاة، وهو الطَّهارة الواقعيّة، حيث إنَّ وضوءهم باطل، فراجع([3]) ما ذكرناه، فإنَّه مهمّ.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو ظهر الآخذ غير مستحقّ أجزأت مع الاجتهاد، وإلاَّ فلا، ولو أمكن ارتجاعها أُخذت(1)
(1) لو ظهر الآخذ غير مستحقّ، كما لو دفع الزَّكاة باعتقاد الفقر، فظهر كون القابض غنيّاً، أو ظهر كونه كافرًا أو فاسقاً بناءً على اشتراط العدالة أو ممَّنْ تجب نفقته، أو هاشميّاً وكان الدَّافع من غير قبيله، فهل يجزئ ذلك أم لا؟
أقول: يقع الكلام تارةً: فيما لو كانت العين باقيةً، وأخرى: فيما لو كانت تالفةً.
ثمَّ إنَّه تارةً: يكون القابض غير المستحقّ عالماً بكونها زكاةً، وأخرى: لا.
ثمَّ إنَّ الدَّافع للمستحقّ تارةً: يكون هو الإمام (عليه السلام) أو نائبه الخاصّ أو العام، وأخرى: هو المالك.
وعلى جميع الصور تارةً: نتكلّم في مقتضى القاعدة، وأخرى: في الرِّوايات الواردة في المقام.
ثمَّ إنَّه هل هناك فرق بين أن يكون الشَّرط المعتبر تحقّقه في مصرف الزَّكاة والذي انكشف خلافه هو الفقر، وبين أن يكون غيره من الشَّرائط، كالإسلام والإيمان والعدالة على القول بها وعدم كونه واجب النَّفقة، وغير ذلك، أم لا يوجد فرق أصلاً؟
إذا عرفت ذلك، فنتكلم أوَّلاً: في مقتضى القاعدة.
أقول: إذا كانت العين باقيةً، وكان القابض عالماً بكونها زكاةً، وكانت معزولة قبل الدَّفع، فالمعروف بين الأعلام أنَّها ترتجع، لحرمتها على الغني، فيجب عليه ردّها؛ لكونه غاصباً، حتَّى لو كان جاهلاً بحرمة دفع الزَّكاة للغني؛ إذ لا أثر للجهل بالحكم الشَّرعيّ في رفع الضَّمان.
نعم، قد يُستشكل في وجوب الرَّدّ إن لم تكن معزولةً قبل الدَّفع؛ لأنَّها ما زالت ملكاً للمالك، وليست زكاةً؛ لأنَّ القابض غير مستحقّ حتَّى تتعيّن زكاةً،، وإذا كانت باقيةً على ملك مالكها، فلا موجب للارتجاع .
نعم، لا إشكال في جواز الارتجاع على كلِّ حالٍ؛ لأنَّه ماله وباقٍ تحت سلطنته.
ولكنَّ مقتضى الإنصاف: هو الوجوب أيضاً؛ لأنَّ العزل حاصل قبل الدَّفع آناً ما؛ لأنَّ المالك لما أراد دفع العين للمستحقّ قد نوى كونها زكاة، فلمَّا أخرجها من ماله بهذه النِّيّة، فالعزل حاصل قبل الدَّفع آناً ما حتماً.
والخلاصة: أنَّه لا فرق في وجوب الارتجاع في صورة علم القابض بكونها زكاةً بين كون العزل حاصلاً قبل الدَّفع بوقت طويل أو كان حاصلاً قبله آناً ما.
وأمَّا إذا كان القابض جاهلاً بكونها زكاةً، فيجب إرجاعها أيضاً، كما في صورة العلم بكونها زكاة، بلا فرق من هذه الجهة، سواء دفعها إليه على وجه الصِّلة والعطيّة أو الصَّدقة المندوبة التي لا يُشترط فيها الفقر، أو دفعها بعنوان الزَّكاة، ولكن خفي ذلك على القابض؛ وذلك لعدم صيرورتها ملكاً للقابض في الواقع بعد أن كان الدَّافع ناوياً بفعله الزَّكاة، وإظهار خلاف وجهها الواقعيّ، ككونها هبةً أو صدقةً يجعله معذوراً في التّصرُّف، لا في صيروتها ملكاً له في الواقع.
([1]) الوسائل باب 3 من أبواب المستحقين للزكاة ح2.
([2]) صدر الرواية في الوسائل باب 23 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح1، والذيل في باب 3 من أبواب المستحقين للزكاة ح1.
([3]) مسالك النفوس إلى مدارك الدروس، كتاب الحج، ج1، ص165 إلى 171.
|