• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : كتاب الزكاة .
              • القسم الفرعي : زكاة الأنعام / الزكاة (ارشيف صوتي) .
                    • الموضوع : الدرس 47 _زكاة الأنعام 19 .

الدرس 47 _زكاة الأنعام 19

قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وفي عدَّهما قولان، والمروي: المنع(1)

(1) قال في المدارك: «واختلف الأصحاب في عدِّ الأكولة وفحل الضِّراب، فظاهر الأكثر عدمهما، وصرَّح المصنِّف في النَّافع، والشَّهيد في اللُّمعة بالعدم».

وفي الجواهر: «أمَّا العدُّ فلا خلاف أجده في أنَّ الرُّبى تعدُّ، بل نقل الاتِّفاق عليه غير واحد، بل قيل: إنَّه ضروري، نعم هو بالنِّسبة إلى الأكولة وفحل الضِّراب متحقِّق، فعن أبي الصَّلاح عدم عدِّ الأخير، واستظهره في المحكي من مجمع البرهان وزيد في النافع والإرشاد واللمعة والروضة والحدائق عدم عدِّ الأكولة أيضاً؛ لظاهر صحيح عبد الرَّحمن المؤيّد بما أرسله في السَرائر من أنَّه لا يعدُّ فحل الضِّراب في شيء من الأنعام، والمشهور نقلاً على لسان جماعة ­ إن لم يكن تحصيلاً ­ عدّهما؛ لإطلاق الأدلَّة، وفصَّل ثاني الشَّهيدين بين المحتاج اليه فلا يعدّ، وغيره فيعدّ، وأوجب أوّلهما في البيان عدّ الفحل مع كون الكلّ فحولاً أو المعظم أو تساوت الفحول والإناث، دون ما نقص فلا يعدُّ، وعن المنتهى أنَّهما لا يعدَّان إلاَّ أن يرضى المالك فيعدان بلا خلاف، والأقوى ما عليه المشهور...».

أقول: هذه هي الأقوال في المسألة.

وقد استدلَّ لعدم العدّ في الأكولة وفحل الضِّراب بصحيحة عبد الرَّحمان المتقدِّمة عن أبي عبد الله (عليه السلام) «ليس في الأكيلة، ولا في الرُّبَّى ­ (و)الرُّبَّى التي تربّي اثنين ­ ولا شاة لبن، ولا فحل الغنم صدقة»([1]).

وقدِ استدل لعدم العدّ في خصوص فحل الضِّراب أيضا بمرسلة السَّرائر: «وقد روي: أنَّه لا يعدُّ في شيء من الأنعام فحل الضِّراب»([2]).

أقول: أمَّا المرسلة، فقد عرفت أنَّه لا يصحُّ الاستدلال بالمراسيل لضعفها، وقد ذكرنا ذلك في أكثر من مناسبة، نعم، هي تصلح للتَّأييد.

وأمَّا صحيحة عبد الرَّحمان، فقال صاحب المدارك (رحمه الله): «وهي غير صريحة في المطلوب؛ لاحتمال أن يكون المراد بنفي الصَّدقة فيها عدم أخذها في الصَّدقة، لا عدم تعلق الزَّكاة بها، بل ربَّما تعيّن المصير إلى هذا الحَمْل ؛ لاتفاق الأصحاب ظاهراً على عدِّ شاة اللَّبن والرُّبّى...».

وأشكل عليه صاحب الحدائق (رحمه الله): «وإن لم تكن صريحةً، كما ذكره، إلاَّ أنَّها ظاهرة في ذلك تمام الظُّهور، والاستدلال لا يختصُّ بالصَّريح، بل كما يقع به يقع بالظَّاهر، بل أغلب الاستدلالات إنَّما هي بالظَّاهر، ولا يخفى أنَّ المتبادر من قول الشارع: «ليس في هذا صدقة»، أنَّه ليس من ما تجب فيه الصَّدقة بأن يكون من الأجناس الزَّكويَّة، لا بمعنى أنَّه لا يؤخذ في الزَّكاة...».

والإنصاف: أنَّ ما ذهب إليه صاحب المدارك (رحمه الله) من كون المراد من صحيحة عبد الرَّحمان، إمكان الأخذ وليس العدّ هو الأقرب؛ لاشتمالها على الرُّبى وشاة لبن، وقد حكي الاتِّفاق على عدِّهما.

ومناقشة صاحب الحدائق (رحمه الله) في هذا الاتِّفاق في غير محلِّها.

ثمَّ إنَّ الوجه فيما ذكرناه هو أنَّ الغرض الأهمّ من تملك الغنم إنَّما هو الولادة واللبن، فلو لم تجب الزَّكاة فيهما لشاع وذاع، فإذا انضمَّ إلى ذلك فحل الضِّراب والأكولة كان ما يجب فيه الزَّكاة أقلّ قليل لندرة حصول نصاب تامّ مستوفٍ للشَّرائط خالٍ عنهما.

والخلاصة: أنَّ الصَّحيحة محمولة على إرادة الأخذ منه لا العدّ.

ويؤيِّد ذلك: الإطلاقات والعمومات الكثيرة التي ليس فيها إشعار بعدم العدّ لا مطلقاً، ولا مع التَّفاصيل المزبورة الخالية عن الدَّليل المعتدّ به.

بل التأمُّل في الرِّوايات المتعرِّضة لبيان الزَّكاة، وكيفيَّة إخراجها وما يؤخذ منها، وما لا يؤخذ، يوجب القطع بالعدِّ للجميع.

وعليه، فالقول: بعدم العدِّ مطلقاً أو مع التَّفاصيل المزبورة باطل، لا سيَّما التَّفصيل المنقول عن المنتهى؛ إذ لا مدخلية لرضا المالك في الحكم الشَّرعي بعد عدم ما يقتضي تعليقه عليه، فما ذكره المشهور هو الصحيح، والله العالم.

قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولا ذات عوار، أو مريضة، أو مهزولة، إلاَّ من مثلهنَّ(1)

(1) المعروف بين الأعلام أنَّه لا تؤخذ المريضة ولا الهرمة ولا ذات العوار، وفي المدارك: «الهرم أقصى الكبر، والعوار مثلثة العيب، قاله في القاموس، والحكم بالمنع من أخذ هذه الثَّلاثة مذهب الأصحاب، بل قال في المنتهى: إنَّه لا يعرف فيه خلافاً»، وفي الحدائق: «والحكم بعدم أخذ هذه مجمع عليه بينهم...».

أقول: قدِ استدلَّ لعدم جواز الأخذ ببعض الأدلَّة:

منها: صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) ­ في حديث زكاة الإبل ­ «قال: ولا تُؤخَذ هَرِمة، ولا ذات عِوار، إلاَّ أن يشاء المصدِّق، ويعدُّ صغيرها وكبيرها»([3]).

ومنها: ما رواه الجمهور عن النبي (ص) أنَّه قال: «ولا تُؤخَذ في الصَّدقة هرمة، ولا ذات عِوار، ولا تَيْس إلاَّ أنْ يشاء المصدِّق»([4])، وهي ضعيفة جدّاً، بل لم ترد من طرقنا أصلاً، وإنَّما رواها الجمهور من العامَّة.

ومنها: صحيحة محمَّد بن قيس عن أبي عبد الله (عليه السلام) «... ولا تُؤخَذ هرمة، ولا ذات عِوار، إلاَّ أنْ يشاء المصدِّق...»([5]).

ودلالة هاتين الصَّحيحتين على المنع عن أخذ المريضة باعتبار اندراجها في ذات العوار، فإنَّ المرض من أظهر مصاديق العيب.

ولو قلنا: بخروجها عن مسمَّى ذات العوار عرفاً، فيفهم حكمها منها بالفحوى، مع أنَّه لا خلاف فيها على الظَّاهر.

وورود هذه الصَّحيحة في نِصَاب الغنم، وصحيحة أبي بصير الأولى في نصاب الإبل، لا يمنع في الاستدلال بكلٍّ منهما؛ لاطِّراد الحكم في الأنعام حتَّى في البقر الخارجة عن موردهما.

أضف إلى ذلك: أنَّه لا قائل بالفصل.

إن قلتَ: إنَّ مقتضى الصَّحيحتين جواز أخذ ذلك إذا أراده المصدِّق ­ بالكسر، أي آخذ الصَّدقة ­ مع أنَّه غير موافق لقاعدة اعتبار مصلحة مراعاة المستحقِّين للزَّكاة، أو عدم المفسدة.

قلتُ: لا يفهم من الصَّحيحتين أنَّه يجوز للمصدِّق أن يشاء ذلك على الإطلاق، بل هو مقصور على ما إذا رأى مصلحة في قبوله، كما إذا كانت ذات العِوار التي دُفعِت إليه أسمن، أو أعلى قيمةً من غيرها، أو أرادها لنفسه بدلاً عن حقِّه، ولا أقل من عدم وجود المفسدة بحال المستحقِّين.

ثمَّ إنَّ القدر المتيقَّن من عدم أخذ إحدى هذه الثَّلاث إنَّما هو فيما لو كانت كلّها صِحاحاً، أو كلّها سليمةً، أو كلها شابّاً.

وأمَّا لو كانت مختلفةً، بعضها سليمُ وبعضها الآخر مريضٌ، أو بعضها صحيحٌ والبعض الآخر ذو عِوار، أو بعضها شابٌ والآخر هرمٌ، فالمشهور بين الأعلام هو التقسيط بالنِّسبة.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّ التقسيط إنَّما يتمُّ بناء على القول بالإشاعة والشَّركة الحقيقيَّة، بأن يكون كلُّ فرد من الشِّياه مشتركاً بالنِّسبة بين المالك والفقير.

وأمَّا على المختار ­ وهو القول بالشَّركة في المالية أو على القول بالكلِّي في المعين، كما ذهب إليه بعض الأعلام ­ فلا معنى للتقسيط، بل مقتضى الصَّحيحتين المتقدِّمتين عدم جواز دفع المريضة والهرمة وذات العِوار.

نعم، لو كانت كلها مرضى، أو ذات عوار، أو هرمة، فيجوز الإخراج منها بالاتفاق، والصَّحيحتان المتقدِّمتان منصرفتان عن هذه الصُّورة.

 

([1]) الوسائل باب 10 من أبواب زكاة الأنعام ح1.

([2]) السَّرائر: الأصناف التي تجب فيها الزكاة ج1، ص437.

([3]) الوسائل باب 10 من أبواب زكاة الأنعام ح3.

([4]) السنن الكبرى للبيهقي: ج4، ص100.

([5]) تهذيب الأحكام ج4، باب 7 من زكاة الغنم ح2.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=3526
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء: 05-10-2021
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 04 / 26