(2) المعروف بين الأعلام كراهة الصّلاة في بيت المجوس، وفي الجواهر: «على المشهور بين الأصحاب، بل في جامع المقاصد: نسبته إليهم في أثناء كلامه، كما أنّ فيه نسبة تعليل ذلك بأنّها لا تنفكّ عن النجاسة إليهم...».
أقول: قد يُناقش في هذا التعليل بأنّ مقتضاه عدم الاختصاص بالمجوس، بل وعدمها على فراش المصلّي، وهو مخالف لظاهر عبارات الأعلام.
ومن هنا ربّما توقّف بعضهم في الكراهة، كما لعلّه ظاهر كاشف اللثام، حيث قال: «إنّما ظفرت بأخبارٍ، سُئل فيها الصّادق N عن الصّلاة فيها، فقال: رُشّ وصلّ، وهي لا تقضي بالكراهة، بل باستحباب الرشّ...».
والإنصاف: هو الكراهة بدون الرشّ وارتفاعها معه، وقد ورد الأمر بالرشّ في صحيحتَيْن:
الأُولى: صحيحة عبد الله بن سنان المتقدّمة عن أبي عبد الله N «قال: سألتُه عن الصّلاة في البِيَع والكنائس وبيوت المجوس، فقال: رُشّ، وصلِّ»[i]f581، ومثلها صحيحته الأُخرى[ii]f582.
الثانية: صحيحة أبي بصير «قال: سألتُ أبا عبد الله N عن الصَّلاة في بيوتِ المجوسِ، فقال: رُشَّ، وصلِّ»[iii]f583.
أقول: قد عرفت سابقاً عند الكلام عن كراهة الصّلاة في البِيَع والكنائس بدون الرشّ أنّ المتبادِر إلى الذّهن من الأمر بالرشّ هو شرطيّة صحّة الصّلاة به، فيكون قوله N: «رُشّ وصلِّ»، بمنزلة ما لو قِيل في جوابه: إنْ رششتَ فلا بأس بصلاتك، ومقتضاه بطلان الصّلاة عند ترك الرشِّ، وحيث عُلِم من الخارج أنّ الصّلاة لا تبطل بدونه وجب حمله على إرادة ما يُشبه الفساد، وليس إلاّ المكروه.
والحاصل: أنّه مع الرشّ تكون الصّلاة في بيت المجوس كباقي الأماكن، ومع عدمه ينقص ما أُعِدّ لطبيعة الصّلاة من الثواب، وهذا هو المراد من الكراهة في العبادة، والله العالم.
(1) كالعذرة، لصحيحة الفضيل بن يسار «قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ الله N: أَقُومُ فِي الصَّلَاةِ فَأَرَى قُدَّامِي فِي الْقِبْلَةِ الْعَذِرَةَ، فَقَالَ تَنَحَّ عَنْهَا مَا اسْتَطَعْتَ، ولَا تُصَلِّ عَلَى الْجَوَادِّ»[iv]f584، وهي، وإن كانت ضعيفة بسهل بن زياد بطريق الكليني والشّيخ، إلاّ أنّها صحيحة بطريق البرقي في المحاسن.
(1) المعروف بين الأعلام كراهة الصّلاة في جوادّ الطرق، وفي المدارك: «والحكم بكراهة الصّلاة فيها مذهب الأكثر»، وفي الجواهر: «على المشهور بين الأصحاب، بل عن الغُنية، والمنتهى، وظاهر التذكرة: الإجماع عليه...»، وجوادّ الطُرق: هي العظمى منها، وهي التي يكثر سلوكها، ونقل عن ظاهر الصّدوق والّشيخ المفيد (قدس سرهما): التحريم.
وقدِ استُدلّ للقول بالكراهة بعدّةٍ من الأخبار:
منها: صحيحة محمّد بن مسلم «قال: سألتُ أبا عبد الله N عن الصّلاة في السّفر، فقال: لا تصلّ على الجادّة، واعتزل على جانبيها[v]f585.
ومنها: حسنة الحلبي عن أبي عبد الله N في حديثٍ «قال: سألتُه عن الصّلاة في ظهر الطريق، فقال: لا بأس أن تصلّي في الظّواهر التي بين الجوادّ، فأمّا على الجوادّ فلا تصلّ فيها»[vi]f586.
ومنها: صحيحة الفضيل بين يسار المتقدمة عن أبي عبد الله N في حديث «قال: لا تصلّ على الجوادّ»[vii]f587.
والمراد بالظّواهر التي نفى البأس عن الصّلاة فيها هي: الأراضي المرتفعة عن الطريق حسّاً، أو جهةً، التي لا تندرج تحت اسم الطريق، وإن كانت بينه، ولكن يصحّ إطلاقها على نفس الجوادّ أيضاً، باعتبار ظهورها ووضوحها، كما في صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله N في حديثٍ «قال: لا بأس أن تصلّي بين الظّواهر، وهي الجوادّ، جوادّ الطرق، ويُكره أن تصلّي في الجوادّ»[viii]f588، كما أنّه يصحّ إطلاق ظهر الطريق على ما ليس بخارج عنه.
ويُستفاد ذلك من روايتَيْن:
الأُولى: رواية معلّى بن خُنيس «قال: سألتُ أبا عبد الله N عن الصّلاة على ظهر الطّريق، فقال: لا، اجتنبوا الطّريق»[ix]f589، ولكنّها ضعيفة بالمعلّى بن خُنيس.
وأمّا أبو عثمان الوارد في السّند فهو المعلّى بن عثمان الكوفي، وهو ثقة.
الثانية: موثّقة الحسن بن الجهم عن أبي الحسن الرضا N «قال: كلّ طريقٍ يُوطأ فلا تصلِّ عليه، قال: قلت له: إنّه قد رُوي عن جدِّك أنّ الصّلاة في الظّواهر لا بأس بها، قال: ذاك ربّما سايرني عليه الرّجل، قال: قلت: فإن خاف الرّجل على متاعه؟ قال: فإنْ خاف فليصلّ»[x]f590.
ويُستفاد من هاتَيْن الروايتَيْن أيضاً أنّ الكراهة تشمل مطلق الطريق، ولا تختصّ بالجوادّ منها.
وممّا يدلّ أيضاً على كراهة الصّلاة في مطلق الطريق رواية محمّد بن الفضيل «قَالَ: قَالَ الرِّضَا N: كُلُّ طَرِيقٍ يُوطَأُ ويُتَطَرَّقُ، كَانَتْ فِيه جَادَّةٌ أم لَمْ تَكُنْ، لَا يَنْبَغِي الصَّلَاةُ فِيه، قُلْتُ: فَأَيْنَ أُصَلِّي؟ قَالَ: يَمْنَةً ويَسْرَةً»[xi]f591، ولكنّها ضعيفة، لاشتراك محمّد بن الفُضيل بين الأزدي الضعيف، والنهدي الثقة.
هذا، وقد ورد النهي عن الصّلاة في مسانّ الطريق، كما في مرسلة عبد الله بن الفضل، عمّن حدّثه، عن أبي عبد الله N «قال: عشرة مواضع لا يصلَّى فيها، منها مسانّ الطُّرُق»[xii]f592، وهي ضعيفة بالإرسال.
ولعلّ المراد من مسانّ الطُّرق هو الجوادّ منها، كما أنّه لعلّ المراد من قارعة الطريق هو الجوادّ منها، كما في مرفوعة الخصال عن النبي C: «قال: ثلاثة لا يتقبّل الله لهم بالحفظ: رجل نزل في بيتٍ خربٍ، ورجل صلَّى على قارعةِ الطريقِ، ورجل أرسل راحلتَه، ولم يستوثق منها»[xiii]f593، وهي ضعيفة بالرفع.
وفي صحيحة عليّ بن مهزيار «أنَّه سأل أبا الحسن الثالث N عن الرّجل يصير في البيداء إلى أن قال: ويتجنّب قارعة الطّريق»[xiv]f594.
ثمّ إنّ ظاهر الرّوايات الناهية عن الصّلاة في جوادِّ الطّرق، أو مطلق الطّرق، وإن كان هو الحرمة ولأجل ذلك نسب التحريم إلى ظاهر الصّدوق R والشّيخ المفيد R إلاّ أنّه محمول على الكراهة، لعدّة قرائن منها: التعبير بلفظ «يُكره» و«لا ينبغي» في بعض الرّوايات المتقدّمة، والتي هي ظاهرة في الكراهة، بلا حاجة إلى الحمل عليها.
ومنها: درجة في معلوم الكراهة في مرسلة عبد الله بن الفضل، ومرفوعة الخِصال.
ومنها: لو كان ذلك حراماً لشاع وبانَ مع أنّ أغلب الأعلام، إنْ لم يكن كلّهم، قديماً وحديثاً، ذهبوا إلى الكراهة، إذ عبارة الشيخين قابلة للحمل على الكراهة.
ثمّ إنّه بقي شيء في المقام، وهو أنّ الصّلاة في الطريق إذا استلزمتْ تعطيل المارّة بمنعهم من المرور، فإن كانت هذه الطريق موقوفة للمارّة، وخرجت عن الإباحة الأصليّة، فلا إشكال في بطلان الصّلاة فيها، لأنّ حكمها حكم الصّلاة في الأرض المغصوبة، فتبطل إذا سجد عليها لاتّحاد المأمور به مع المنهي عنه في حال السُّجود.
وأمّا إذا كانت هذه الأرض غير موقوفة، ولا زالت مباحة، فإنّ المزاحمة لحقّ الماّرة، وإن كانت حراماً، إلاّ أنّ ذلك لا يوجب بطلان الصّلاة، لأنّ المكان مباح، والله العالم.
[i] الوسائل باب 23 من أبواب مكان المصلي ح3.
[ii] الوسائل باب 23 من أبواب مكان المصلي ح6.
[iii] الوسائل باب 23 من أبواب مكان المصلي ح11.
(2 3) الخرائج والجرائح.
[iv] الوسائل باب 15 من أبواب مكان المصلي ح6.
[v] الوسائل باب 15 من أبواب مكان المصلي ح9.
[vi] الوسائل باب 15 من أبواب مكان المصلي ح4.
[vii] الوسائل باب 15 من أبواب مكان المصلي ح8.
[viii] الوسائل باب 15 من أبواب مكان المصلي ح1.
(12) الوسائل باب 15 من أبواب مكان المصلي ح6 7.
(34) الوسائل باب 1 من أبواب مكان المصلي ح3 4.
(1 2) الوسائل باب 34 من أبواب مكان المصلي ح2 1.
[ix] الوسائل باب 15 من أبواب مكان المصلي ح6.
[x] الوسائل باب 20 من أبواب مكان المصلي ح5.
[xi] مستدرك الوسائل باب 15 من أبواب مكان المصلي ح1.
[xii] الوسائل باب 25 من أبواب مكان المصلي ح2.
(*) الأرحية جمع رحى : الطاحون.
[xiii] الوسائل باب 29 من أبواب مكان المصلي ح1.
(1 3) الوسائل باب 20 من أبواب مكان المصلي ح71011.
(4)الوسائل باب 20 من أبواب مكان المصلي ح6.
(5) الوسائل باب 20 من أبواب مكان المصلي ح1.
(6) الوسائل باب 20 من أبواب مكان المصلي ح3.
[xiv] الوسائل باب 20 من أبواب مكان المصلي ح8.
|