(1) الكلام تارةً في حكم الصّلاة، وأخرى في وجوب الخروج.
أمّا الجهة الأُولى: فقد عرفت أنّ صلاته إن كانت مشتملةً على السُّجود فهي باطلة، إذ لا يعقل أن يكون المحرم مصداقاً للواجب.
وأمّا لو كان حكمه الصّلاة إيماءً فهي صحيحة، كما تقدّم بشكل مفصَّل، فراجع إن شئت.
وأمّا من جهة وجوب الخروج: فقد ذكرنا المسألة بالتفصيل في آخر مبحث اجتماع الأمر والنهي، فيما لو دخل الدّار المغصوبة، وأراد الخروج.
وقلنا هناك: إنَّ الأعلام اختلفوا في وجوب الخروج على أقوال أربعة معروفة:
الأوَّل: ما ذهب إليه الشيخ الأنصاري R، وتبعه عليه الميرزا النائيني R، وهو أنّ الخروج ليس منهيّاً عنه فعلاً، ولا يجري عليه حكم المعصية، وإنّما هو واجب شرعاً.
الثاني: ما ذهب إليه صاحب الفصول R، وهو أنّ الخروج واجب شرعاً، منهيٌّ عنه بالنهي السّابق، ويجري عليه حكم المعصية.
الثالث: ما ذهب إليه أبو هاشم المعتزلي، وصاحب القوانين المحقّق القمي R، وهو أنّ الخروج واجب شرعاً، ومحرم كذلك.
الرابع: ما ذهب إليه صاحب الكفاية R، وهو أنّ الخروج ليس واجباً شرعاً، ولا محرّماً كذلك، وإنّما هو واجب عقلاً من باب ارتكاب أقلّ القبيحين، إذ البقاء في الدّار المغصوبة قبيح، ولكن الخروج منها أقلّ قبحاً، فيجب عقلاً من هذه الجهة، ويجري عليه حكم المعصية.
وقد ذكرنا هذه الأقوال وأدلّتها، وما ورد من المناقشة فيها، بشكل مفصّل هناك، وقلنا: إنّ الأقوى ما ذكره صاحب الكفاية R من عدم كون الخروج واجباً شرعيّاً، لا بالوجوب النفسي، ولا بالوجوب الغيري، وإنّما هو واجب عقلاً، من جهة كونه أقلّ المحذورين،، كما أنّه ليس منهيّاً عنه، لسقوط النهي السّابق بالاضطرار، وإنّما يجري عليه حكم المعصية فقط، أي يُعاقب على خروجه، هذا كلّه إذا دخل الدّار المغصوبة اختياراً، وأراد الخروج.
وأمَّا لو أَذِن له المالك بالصّلاة أو الكون، ثمّ رجع عن إذنه قبل الشّروع في الّصلاة، فقد عرفت حكم الخروج، وأنَّ الأقوى ما ذكره صاحب الكفاية R، من كون الخروج واجباً عقلاً، من جهة كونه أقلّ المحذورين، كما عرفت حكم الصّلاة في الدّار المغصوبة، فلا حاجة للإعادة.
(1) قد عرفت حكم الصّلاة في الدار المغصوبة في سِعة الوقت، وأمّا إذا ضاق الوقت، بحيث لا يسع الخروج وأداء الصّلاة بعده، ولو إيماءً فمقتضى القاعدة سقوط الصّلاة، إذ الفرض أنّها مبغوضة للمولى، فلا يمكن أن تكون مصداقاً للمحبوب الذي يتقرّب به إليه.
ولكن بما أنّ الصّلاة لا تسقط بحال، ولا تجتمع مع المبغوضية، فيسقط النهي، وترتفع المبغوضيّة عن هذا المقدار من الخروج، وهو ظرف الصّلاة إيماءً حال الخروج فيمكن التقرّب بالصّلاة حينئذٍ، وتقع صحيحة.
وأمّا إذا وسع الوقت للصّلاة إيماءً خارج الدّار المغصوبة فالمعروف عند الأعلام أنّه يصلّي خارجها، لأنّ الصّلاة في الداخل منهيّ عنها، ومبغوضة للمولى، لفرض تغليب جانب النهي، فلا يمكن حينئذٍ التقرّب بما هو مبغوض للمولى.
ولكن على مبنانا من أنّ الصّلاة إيماءً داخل الدّار المغصوبة لا يصدق عليها التصرّف في مال الغير، فلا فرق حينئذٍ بين الصّلاة في الدّار، والصّلاة خارجها.
والخلاصة: أنّه يصلّي في هذه الصّورة حال الخروج إيماءً وصلاته صحيحة، ولا قضاء عليه، إذ موضوعه الفوت، وهو غير متحقّق في المقام، إذ لم تفته طبيعة الصّلاة ولو الاضطراريّة.
ولكن حكى صاحب الجواهر R «عن ابن سعيد أنّه نسب صحّة هذه الصّلاة إلى القِيل، مشعِراً بنوعِ توقفٍ فيها، ومثله العلاّمة الطباطبائي R في منظومته، ولعلّه لعدم ما يدلّ على صحتها، بل قد يُدّعى وجود الدّليل على العدم، باعتبار معلومية اعتبار الاستقرار، والرّكوع، والسُّجود، ونحو ذلك، ولم يُعلم سقوطها هنا.
والأمر بالخروج بعد الإذن في الكون، وضيق الوقت، وتحقّق الخطاب بالصّلاة غير مُجدٍ، فهو كما لو أذن له في الصّلاة، وقد شرع فيها، وكان الوقت ضيقاً، ممّا ستعرف عدم الإشكال في إتمام صلاته، فالمتّجه حينئذٍ عدم الالتفات إلى أمره بعد فرض كونه عند ضيق الوقت الذي هو محلّ الأمر بصلاة المختار المرجّح على أمر المالك بسبق التعلق، فلا جهة للجمع بينهما بما سمعت، بل يصلّي صلاة المختار مقتصراً فيها على الواجب مبادراً في أدائها على حسب التمكّن، لكن لم أجد قائلاً بذلك، بل ولا أحداً احتمله ممّن تعرّض للمسألة كالشيخ والفاضلين والشهيدين، وغيرهم...».
أقول: قدِ اختار هذا القول صريحاً النراقي R في مستنده، وذكر أنّه لا دليل على حرمة هذا النحو من التصرّفات في ملك الغير، من غير رضا صاحبه، عدا الإجماع، وبعض الأخبار القاصرة من حيث السند المحتاجة إلى الجابر، وشيء منهما لا ينهض لإثبات الحرمة في المقام، لأنّ الإجماع بالنسبة إليه غير محقّق، وضعف الأخبار غير مجبور.
وفيه: أنّ كلام صاحب المستند R واضح بطلانه، لمنافاة ما ذكره R للقاعدة المسلّمة بين جميع الأعلام، وهي سلطنة الناس على أموالهم، ولا إشكال أنّ السُّجود تصرّف في مال الغير بدون إذنه.
وأمّا ما ذكره صاحب الجواهر R وجهاً لهذا القول، من سَبْق تعلّق الأمر بصلاة المختار على أمر المالك.
فيرد عليه: أنّ دليل النهي عن التصرّف بغير إذن المالك مقدَّم على دليل الأجزاء والشرائط عند التزاحم، وذلك لأنّ القدرة المأخوذة في أجزاء الصّلاة وشرائطها هي قدرة شرعيّة، بدليل وجود البَدَل، وهو الرّكوع إيماءً، وكذا السُّجود، بخلاف القدرة المعتبرة في حرمة الغصب، فهي عقليّة من جهةِ حكمِ العقلِ بقبحِ تكليفِ العاجز.
والترجيح في حال التزاحم إنّما هو مع التكليف المعتبر فيه القدرة عقلاً، وإن كان بحسب الوجود متأخِّراً، وذلك لأنّ التكليف المشترط فيه القدرة عقلاً مطلق غير معلّق على شيءٍ، بخلاف التكليف الآخر، فإنّه مشروط بالقدرة الشرعيّة، ووجود التكليف المطلق يسلب القدرة عن التكليف الآخر، ويمنع من فعلّيته فيكون رافعاً لموضوعه، فلا موقع للتزاحم حينئذٍ، وهذا هو السرّ في تقدّم حرمة الغصب على دليل الأجزاء والشرائط، وليس ذلك من باب ترجيح أمر المالك على الأمر بصلاة المختار ليرجح العكس بسبق التعلق.
وأمّا قياس المقام على ما لو رجع في أثناء الصّلاة مع أنّه قياس مع الفارق فلا يجدي نفعاً للمنع في المقيس عليه، كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
إن قلت: لِمَ لا تفصّل بين ما لو كان مأذوناً في الصّلاة في آخر الوقت، أو في البقاء إلى آخر الوقت المستلزم للرخصة في إيقاع صلاته في ملكه، بحيث يكون أمره بالخروج رجوعاً عن إذنه السابق، وبين ما إذا لم يكن كذلك، فيحرم البقاء بعد أمره بالخروج في الثاني، دون الأوّل، وذلك لأنّ رجوعه عن إذنه عند ضيق الوقت ضرر على المأذون حيث تفوته مصلحة الصّلاة الاختيارية فتكون منفياً بأدلّة نفي الضرر والحرج الحاكمتان على قاعدة سلطنة النّاس على أموالهم في مثل المقام حيث أن الضرر ناشىء من إذن المالك بالبقاء.
قلت: هذا التفصيل في غير محلّه، لعدم صدق الضرر عليه عرفاً، فضلاً عن أنْ يُستفاد حكمه من إطلاق الأدلّة، ويرجّح، على ما تقتضيه قاعدة السّلطنة، والله العالم.
|