والبقاء على الجنابة مع علمه ليلاً (1)
(1) المعروف بين الأعلام أنَّه يجب أيضاً الإمساك عن البقاء على الجنابة عمداً حتَّى يطلع الفجر.
وفي المدارك: «هذا هو المشهور بين الأصحاب، بل قيل: إنَّه إجماعٌ...»[1].
وفي الجواهر تعليقاً على قول المحقِّق في الشَّرائع: «على الأشهر» : «بل المشهور بين الأصحاب شُهرةً عظيمةً كادت تكون إجماعاً، بل هي كذلك في الخِلاف والوسيلة والغُنية والسَّرائر، وظاهر التَّذكرة، كالمحكيّ عن الانتصار وظاهر المنتهى أيضاً، بل هو إن لم يكن مُحصَّلاً يمكن دعوى تواتره، كالنُّصوص الَّتي فيها الصَّحيح وغيره القريبة من التَّواتر، بل لعلَّها كذلك، كما في الرِّياض إلى أن قال: وعلى كلِّ حالٍ فالحُكم من القطعيَّات، بل لم أتحقَّق فيه خلافاً...»[2].
وبالمقابل، يظهر من الصَّدوقَيْن (رحمهما الله) عدم الإفطار بذلك، وكذا يظهر القول بذلك أو الميل إليه من المُحقِّق الدَّاماد (رحمه الله) في شرح النَّجاة، والأردبيليّ (رحمه الله) في آيات أحكامه وشرح الإرشاد، والكاشانيّ (رحمه الله) في المعتصم.
إذا عرفت ذلك، فيدلّ على القول المشهور جملةٌ كثيرةٌ من الرِّوايات لا يبعد تواترها الإجماليّ:
منها: صحيحة ابن أبي يعفور «قَاْل: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): الرَّجلُ يُجنبُ في شهرِ رمضانَ، ثمَّ يستيقظ، ثمَّ ينام حتَّى يُصبح؟ قَاْل: يُتمّ يومه، ويقضي يوماً آخر، وإنْ لم يستيقظ حتَّى يُصبح أتمَّ يومه، وجاز له»[3].
ومنها: صحيحة الحلبيّ عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أنَّه قال في رجلٍ احتلمَ أوَّل اللَّيل، أو أصابَ مِنْ أهلِه، ثمَّ نامَ مُتعمِّداً فِي شهرِ رمضانَ حتَّى أصبحَ، قَاْل: يُتمُّ صومَه ذلك، ثمَّ يقضيه إذا أفطرَ مِنْ شهرِ رمضانَ، ويَسْتغفِر ربَّه»[4].
ومنها: صحيحة محمَّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) «قَاْل: سألتُه عَنِ الرَّجل تُصيبُه الجنابةُ في رمضانَ، ثمَّ ينامُ قبل أنْ يغتسلَ؟ قَاْل: يتمُّ صومه، ويقضي ذلك اليوم، إلاَّ أنْ يستيقظ قبل أنْ يطلعَ الفجرُ، فإنِ انتظر ماءً يسخن، أو يستقي، فطلع الفجر، فلا يقضي يومه»[5].
ومنها: صحيحة البزنطيّ عن أبي الحسن (عليه السلام) «قَاْل: سألتُه عَنْ رجلٍ أصابَ مِنْ أهلِه في شهرِ رمضانَ، أو أصابته جنابةٌ، ثمَّ ينامُ حتَّى يُصبحَ مُتعمِّدًا؟ قَاْل: يتمّ ذلك اليوم، وعليه قضاؤه»[6].
ومنها: موثَّقة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجلٍ أجنبَ فِي شهرِ رمضانَ باللَّيل، ثمَّ ترك الغُسْل مُتعمِّداً حتَّى أصبحَ، قَاْل: يَعْتِقُ رقبةً، أو يصومُ شهرَيْن مُتتابعَيْن، أو يُطعمُ ستِّينَ مسكيناً، قَاْل: وقَاْل: إنَّه حقيقٌ أنْ لَاْ أَرَاه يُدْركُه أَبَداً»[7].
وثُبوت الكفَّارة يدلّ على بطلان الصَّوم؛ إذ يبعد جدّاً كون الكفَّارة أمراً تعبُّديّاً مع صحَّة الصَّوم.
ومنها: رواية سُليمان المَرْوزيّ عن الفقيه (عليه السلام) «قَاْل: إذا أجنبَ الرَّجلُ في شهرِ رمضانَ بليلٍ، ولَاْ يغتسل حتَّى يُصبِحَ، فعليه صومُ شهرَيْن متتابعَيْن، مَعْ صومِ ذلك اليوم، ولا يُدرك فضلَ يومِه»[8].
وهي أوضح من موثَّقة أبي بصير؛ لأنَّه صرَّح فيها بالقضاء، حيث قال (عليه السلام): «مع صوم ذلك اليوم»، إلاَّ أنَّها ضعيفة؛ لجهالة سُليمان المَرْوزيّ، ووجوده في كامل الزِّيارات لا يُفيد؛ لعدم كونه من المشايخ المباشرين لابن قولويه (رحمه الله).
ومنها: مرسلة إبراهيم بن عبد الحميد عن بعض مواليه «قَاْل: سألتُه عَنِ احتلامِ الصَّائم؟ قَاْل: فقال: إذا احتلم نهاراً في شهر رمضان (فلا ينم) حتَّى يغتسل، وإن أجنب ليلاً في شهر رمضان، فلا ينام إلاَّ ساعةً حتَّى يغتسل، فمَنْ أجنب في شهر رمضان فنام حتَّى يُصبح فعليه عِتق رقبة، أو إطعام ستِّين مسكيناً، وقضاء ذلك اليوم، ويُتمّ صيامه، ولن يُدركه أبداً»[9].
وهي واضحة جدّاً في وجوب القضاء عليه مع الكفَّارة، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال، وبالإضمار، وعدم وثاقة عبد الرَّحمان بن حمَّاد.
وأمَّا القول: بالجواز، فقدِ استُدلّ له بجملة من الأدلَّة:
منها: قوله تعالى: « أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ ﴾ ]البقرة: 187[.
فإنَّ إطلاق الآية الشَّريفة يقتضي جواز الرَّفث، أي النِّكاح في كلِّ جُزءٍ من أجزاء اللَّيل، ولو في الجُزء الأخير.
ومنها: أيضاً قوله تعالى: «فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ إلى قوله: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ ﴾ ]البقرة: 187[.
فإنَّ إطلاقها يقتضي جواز المُباشرة في الجُزء الأخير من اللَّيل، ويلزمه جواز البقاء على الجنابة إلى طُلُوع الفجر.
وفيه: أنَّ الآيتَيْن الشَّريفتَيْن ليستا في مقام البيان من حيث جواز الرَّفث والمباشرة في أجزاء اللَّيل، وإنَّما هما في مقام بيان جواز أصل الرَّفث والمباشرة في اللَّيل في مقابل النَّهار.
ثمَّ إنَّه لو سلَّمنا بالإطلاق فيهما، إلاَّ أنَّه يجب تقييدهما بالرِّوايات المتقدِّمة، وهذا جمع عرفيّ.
ومنها: صحيحة العيص بن القاسم «أنَّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عَنِ الرَّجل ينام في شهر رمضان، فيحتلم، ثمَّ يستيقظ، ثمَّ ينام قبل أنْ يغتسل؟ قال: لَاْ بأس»[10].
وفيه: أنَّه لا دلالة لها على جواز البقاء عمداً إلى طُلُوع الفجر، وإنَّما تدلّ على جواز النَّوم بعد الاحتلام، وهي النَّومة الأُولى، وهذا جائز بلا إشكال مع نيَّة الغُسْل.
ومنها: صحيحته الأُخرى «قَاْل: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلٍ أجنب في شهر رمضان في أوَّل اللَّيل فأخَّر الغُسْل حتَّى طلع الفجر؟ فقال: يتمُّ صومه، ولا قضاء عليه»[11].
وفيه: أنَّه يمكن حمل التَّأخير على غير العمد جمعاً بينها وبين الرِّوايات المُتقدِّمة، ويمكن حملها أيضاً على التَّقية؛ لموافقتها للعامَّة؛ لأنَّه يجوز عندهم التَّأخير عمداً إلى طُلُوع الفجر.
[2] الجواهر: ج16، ص236237.
[3] الوسائل باب 15 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح2.
[4] الوسائل باب 16 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح1.
[5] الوسائل باب 15 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح3.
[6] الوسائل باب 15 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح4.
[7] الوسائل باب 16 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح2.
[8] الوسائل باب 16 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح3.
[9] الوسائل باب 16 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح4.
[10] الوسائل باب 13 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح2.
[11] الوسائل باب 13 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح4.
|